بغض النظر عن الجدل الجاري بشأن مدى مصداقية الانتخابات النيجيرية من حيث الالتزام بقواعد النزاهة والشفافية، فإن فوز بولا أحمد تينوبو ممثل الحزب النيجيري الحاكم ربما كان متوقعا بنسبة كبيرة لدى المراقبين والخبراء، ذلك أن نسبة التصويت الضعيفة التي لم تتجاوز 12٪ من الكتلة التصويتية البالغة 80 مليون ناخب تشير إلى إمكانية لفاعلية للحزب الحاكم في البنية اللوجستية للانتخابات فضلا عن طبيعة تأثيره الإعلامي باعتباره يقود الدولة، كما لا يمكن إنكار قدراته على الحشد .
وغالب الظن أن المجتمع الدولي سوف يقبل بنتائج هذه الانتخابات رغم الانتقادات التي وجهتها بعثة الاتحاد الأوربي للعملية الانتخابية مشيرة بشكل خاص إلى أداء اللجنة الانتخابية من حيث التأخر في إعلان النتائج. وقد يكون القبول الدولي بنتيجة الانتخابات النيجيرية مرتبطا بانشغالات الحرب الروسية الأوكرانية وأيضا عدم الاستعداد للمساهمة في تهديد الاستقرار السياسي الشكلي والهش بنيجيريا، فأي نوع من القلاقل في هذه الدولة الكبيرة من شأنه تهديد الأمن الإقليمي في منطقة الساحل الإفريقي.
طبقا لهذا الواقع فإن مهام الرئيس النجيري الجديد لن تختلف كثيرا عن مهام سلفه محمد بخاري الذي فشل في إنجاز نجاح مؤثر فيها، وهي التعامل مع مهددات الأمن القومي الرئيسية ومعالجتها، ونتيجة لهذا الفشل فقد برزت في الحملات الانتخابية للمرشحين للرئاسة، وكذلك البيئة السياسية العامة، الانقسامات العرقية والطائفية والدينية، والتي ارتفعت معدلات تداعياتها على المشهد السياسي، ولعل ذلك ما يفسر كثرة عدد المرشحين للانتخابات الرئاسية حيث كان كل مرشح منهم تجليا لإحدى البنى العرقية أو الطائفية. كما أنّ الاستقطابات قد وضحت في طبيعة الجدل السياسي الداخلي بشأن رئاسة تناوبية تكون ممثلة للانقسامات وحتى للمناطق الجغرافية، وكذلك التحريضات الانفصالية الجديدة في الجنوب الشرقي للبلاد، فضلا عن تأثير الخطاب العرقي المتعصب في وسائل الإعلام الرئيسية ووسائل التواصل الاجتماعي، وذلك على البنية الاجتماعية للدولة النيجيرية.
ويصطف في مهددات الأمن القومي أيضا وبوزن رئيسي تصاعد التهديدات الأمنية لتنظيم بوكو حرام الذي وعد الرئيس السابق محمد بخاري باجتثاثه في خطابه الانتخابي الذي أجاز له فترتين رئاسيتين سابقتين، ولكن من الواضح أن النتيجة كانت صفرا كبيرا، حيث تهدد بوكو حرام حاليا كل من الشمال الشرقي لنيجيريا، وذلك مع تطور تسليحي نوعي، حيث أعلنت السلطات النيجيرية مع نهاية 2018 عن اکتشاف استخدام بوكو حرام الطائرات بدون طيار في القيام بمهام استطلاعية لمواقع قوات مکافحة الإرهاب النيجيرية. وقد تأکد هذا التطور خلال عام 2019 مع الکشف عن تقدم إضافي أحرزه التنظيم في نوع الطائرات المستخدمة وفي نمط تشغيلها، حيث بدأ التنظيم في استخدامها في مهام هجومية من خلال توجيه ضربات لقوات مکافحة الإرهاب الحكومية وعدم الاکتفاء بتوظيفها في مهام المراقبة والاستطلاع.
في هذا السياق فإن الشمال الأوسط في نيجيريا يواجه تداعيات تغير المناخ والجفاف وهي التي نتج عنها صراعات مسلحة بين المزراعين والرعاة على النمط الذي جري في دارفور، وأنتج في نيجيريا كما في دارفور ضحايا كثر فضلا عن القلاقل الاجتماعية وامكانية أن يتحول هذا الصراع على الكلأ والماء إلى صراع مسلح كبير قد ينتشر في حزام السافانا الممتد في دول الساحل الإفريقي حتى الأطلنطي إذ أن صراعات مماِثلة قد ظهرت في مالي.
أما مناطق الجنوب الغربي النيجيرية فهي تعاني من الجريمة المنظمة المتعاظمة لقدراتها، وذلك لحد سرقة النفط من آبار الشركات الدولية.
على الصعيد الاقتصادي فإنه على الرغم من أن نيجيريا من أكبر الدول المنتجة للنفط في إفريقيا، إذ تصدرت قائمة أكبر اقتصاد في القارة الإفريقية، وبلغ حجم ناتجها المحلي الإجمالي 432.3 مليار دولار في السنة المالية 20-2021 فإن اقتصادها الريعي القائم على تصدير النفط بمعدل 2 مليون برميل تقريبا يوميا يجعله هشا ومتأثرا بتقلبات قطاع النفط وربما هذا ما يبرر نسبة نمو منخفضة للاقتصاد لا تتجاوز 3٪ مرشحة للصعود طبقا للمؤشرات الدولية لحدود 4٪ فقط مع حلول عام 2030.
وطبقا لمعطيات الموقف الاقتصاد النيجيري فقد تكون أهم عوامل ضعف الاقتصاد النيجيري أمران الأول حجم المديونية الكبير والبالغ 103 مليارات من الدولارات، وتصل تكلفة خدمة تلك الديون إلى نحو 102% من الإيرادات المنهكة أصلا بفاتورة الدعم السلعى التى تقدر بنحو 12 مليار دولار سنويا. أما العامل الثاني في إضعاف الاقتصاد النيجيري فهو ارتفاع معدلات الفساد، فهذه الظاهرة منتشرة بين الموظفين العموميين في نيجيريا، على الرغم من أن الإدارات السياسية تعارضه، ولكن من الواضح ليس إلى الحد المطلوب ولا بالآليات المتعارف عليها دوليا إذ إن المراجع العام للموازنة زُعم أنه اختلس وحده أكثر من 100 مليار نايرا أي (216.449 مليون دولار أمريكي، وربما تكون هذه الأداءات السبب الرئيس في تصنيف نيجيريا في مراتب متقدمة في مؤشرات رصد الفساد على الصعيد العالمي.
وفضلا عن هذا المشهد القاتم على صعيد متطلبات الأمن القومي النيجيري فإن الأداء السياسي للحكومات المتوالية يبدو مضطربا إلى حد أن قطاع التعليم الجامعي قد خسر عاما دراسيا (2022) بسبب نزاع بين الحكومة الفيدرالية واتحادات الجامعات كنتيجة للنزاع بشأن قضايا التمويل والحوكمة، كما شهد منتصف عام 2021 دعوات من جانب النواب لتسلم الجيش السلطة بعد شهر من الاعتداءات وعمليات الخطف والقتل شبه اليومية في جميع أنحاء الدولة الأكبر في إفريقيا من حيث عدد السكان.
وفي هذا السياق حضت شخصيات معارضة مثل بوكولا ساراكي، وحامل جائزة نوبل الكاتب المسرحي وول سوينكا، الرئيس السابق محمد بخارى على طلب مساعدة خارجية على الصعيد الدولي أو الاستقالة.
الشاهد أن المشهد النيجيري بات مقلقا على الصعيدين الإقليمي والدولي كما أنه يلقي أعباء إضافية على الأمن القومي المصري، ذلك أن ضخامة نيجيريا بعدد سكانها البالغين 180 مليون نسمة وهشاشتها السياسية يجعلان هذه الدولة الكبيرة عاجزة عن مقاومة عوامل انهيارها من أكثر من زاوية منها القدرة على تحجيم تصاعد التهديدات الأمنية في وسط إفريقيا، بما يشمله ذلك من إمكانية تضخم تنظيم بوكو حرام الذي وصل فعلا إلى تشاد وهي دولة متاخمة لمصر. أما الزواية الثانية فهي ارتفاع معدلات الفقر مع طبيعة الأداء الاقتصادي للحكومات من ناحية وعجزها عن ترشيد مؤسسة الفساد فيها من ناحية أخرى، وهو مايجعل امكانية النزوح الداخلي من نيجيريا إلى مصر واردا حيث تضخمت أعداد العابرين بعمليات التهريب من نيجيريا وغينيا إلى مصر وهو ما يلقي بأعباء إضافية على الاقتصاد المصري المنهك بمشاكله أيضا.
وفي الأخير فإن قدرات نيجيريا الكامنة تبدو قوة ممكنة نظريا بموقعها الجغرافي بوسط القارة وإمكاناتها الاقتصادية والسكانية وذلك في دعم القدرات الشاملة لإفريقيا وأيضا للقدرات المصرية في مكافحة الإرهاب علي حدودنا الغربية ولكن نيجيريا و بدلا من ذلك للأسف وطبقا للمعطيات السالف ذكرها تبدو واقعيا قدرة مخصومة من إمكانية دعم مصر وأيضا من دعم القدرات الإفريقية الشاملة من حيث تحول حالة القدرة المضافة إلى قدرة مهددة لأمن واستقرار القارة الإفريقية خصوصا في منطقة الساحل التي تبدو هشة في غالبية مكوناتها، وأيضا لا يمكن الاعتماد عليها على الصعيد المصري كنقطة ارتكاز في محاربة الإرهاب.