تسبب برنامج دردشة الذكاء الاصطناعي ChatGPT، الذي ابتكرته شركة OpenAI الأمريكية في عاصفة هائلة في العالم. تشير التقديرات إلى أن أكثر من 100 مليون شخص حول العالم استخدموه في خلال شهرين منذ إطلاقه، وقد قامت عملاق التكنولوجيا Microsoft باستثمار متعدد السنوات بمليارات الدولارات في OpenAI، لدمج تقنية الشركة في محرك البحث الخاص بها Bing كما تعمل شركة Google بدورها على تطوير برنامج المحادثة الخاص بها المسمى Bard.
في تقريرهما، يشير ريشي ينجار، ووليام سكوت، المراسلين في فورين بوليسي/ Foreign Policy، إلى أن الضجة حول ChatGPT والبدائل المماثلة، أدت إلى اندفاع في قطاع التكنولوجيا في الصين للانضمام إلى المعركة.
أعلنت شركة بايدو -محرك البحث الرائد في الصين- أنها تخطط لطرح تطبيقها Ernie Bot في مارس/ آذار الحالي. بينما أعلنت شركات التكنولوجيا الصينية العملاقة الأخرى، مثل Alibaba و JD.com، عن برامج الدردشة الخاصة بها.
يقول التقرير: أمضت الصين سنوات في تطوير قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي، وتحديد طموحاتها في خطة عام 2017، التي سعت إلى جعل البلاد مركزًا عالميًا للابتكار في هذا المجال بحلول عام 2030.
ولّدت هذه الأهداف منافسة، ولكن أيضًا تعاونًا بين العلماء والشركات الأمريكية والصينية، بما في ذلك المعامل التي أنشأتها شركات Baidu وTencent وAlibaba في وادي السيليكون.
ولكن، مع تزايد خصومة العلاقة بين أكبر اقتصادين في العالم، أمريكا والصين، فإن مساحة العمل معًا على تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي قد تتقلص بسرعة.
اقرأ أيضا: “تحالف الرقائق”.. حرب التكنولوجيا الفائقة التي تقودها أمريكا ضد الصين
كما جاءت القيود التي فرضتها إدارة بايدن في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على تصدير رقائق أشباه الموصلات المتقدمة إلى الصين. والتي تستهدف جزئيًا قدرات الذكاء الاصطناعي، بمثابة تطور كبير في العلاقة التي أصبحت أكثر حدة.
لحظة فارقة
تم تحديد هدف 2030 بعد أشهر مما يمكن وصفه بـ “لحظة سبوتنيك” -في إشارة إلى القمر السوفيتي الشهير الذي مثل اختراقا في علوم الفضاء- للذكاء الاصطناعي في بكين.
يقول التقرير: عندما تغلب برنامج الذكاء الاصطناعي من Google على خبير صيني في لعبة اللوحة القديمة “وي تشي”، قال سام هويل، الباحث في التكنولوجيا بمركز الأمن الأمريكي الجديد: “لقد أدى ذلك حقًا إلى ثورة الذكاء الاصطناعي في الصين”.
وينقل التقرير عن جراهام ويبستر، الباحث ورئيس مشروع DigiChina في مركز السياسة الإلكترونية بجامعة ستانفورد، قوله إن تعريف روبوت المحادثة بمصطلحات قومية مفرطة “يمكن أن يكون مضللا”. حيث يعد ChatGPT بعيد كل البعد عن نوع التكنولوجيا التي تم تطويرها تقليديًا في مختبرات الحكومة الأمريكية.
وأضاف ويبستر: لا أعتقد أنه ينبغي على المرء أن ينظر إلى ChatGPT على أنه فوز للولايات المتحدة، لكن، وفق التقرير، العوامل الوطنية لا تزال تلعب دورًا كبيرًا. حيث سيكون لنظراء شركة OpenAI، الصينيين، حسابات مختلفة، بسبب لوائح التكنولوجيا المقيدة وجهازها الرقابي وسيطرتها الحكومية الأوسع على القطاع الخاص.
ويشير ويبستر: في الصين، سيتعين على منتجي الذكاء الاصطناعي الالتزام بقواعد بكين بشأن كيفية تأثير المنتج على الأمن القومي “لذلك هناك مسئولية تلقائية، بشكل أساسي، لإجراء ما يمكنك اعتباره الإشراف على المحتوى أو الرقابة. أو كلاهما”.
إطار تنظيمي
ينقل التقرير أيضا عن بول تريولو، نائب رئيس مجموعة أولبرايت ستونبريدج للصين ومدير سياسة التكنولوجيا، رؤيته حول أن هناك اختلافا كبيرا في كيفية تعامل الصين مع تنظيم الذكاء الاصطناعي، بينما يرى أن الولايات المتحدة تميل إلى التعامل مع الذكاء الاصطناعي كعنصر إضافي في نظام موجود بالفعل.
من ناحية أخرى، وفق تريولو، ينظر المسئولون الصينيون إلى الذكاء الاصطناعي باعتباره تقنية مهمة تتطلب إطارًا تنظيميًا، يضمن التحكم في الجوانب السلبية لنشر خوارزمية الذكاء الاصطناعي.
بحسب التقرير، فرضت بكين قيودًا على شركات التكنولوجيا الصينية حول استخدام أو تقديم خدماتها للجمهور. حيث تحاول الحكومة تبرير قيود ChatGPT والرقابة من خلال تصويرها كجزء من التنافس مع الولايات المتحدة.
وينقل عن دات، الباحث في الرقابة الصينية في مجموعة PEN America لحرية التعبير، قوله: الحقيقة المطلقة هي أن المعلومات غير الخاضعة للرقابة، والتي خارج جدار الحماية، تتعارض مع دعاية الحزب الشيوعي الصيني والمعلومات المضللة التي يبثها حول القضايا الحساسة، مثل حقوق الإنسان في شينجيانج. حيث أقلية الأيجور.
على الجانب الآخر، قال مسئول في السفارة الصينية في واشنطن لمراسلي فورين بوليسي، إن بكين تركز على إبقاء الذكاء الاصطناعي مفيدًا وآمنًا.
وأضاف عبر البريد الإلكتروني: تلتزم الصين ببناء مستقبل مشترك للبشرية في مجال الذكاء الاصطناعي، ودعم الجهود المبذولة للدفاع عن نهج يركز على الناس، أى مبدأ الذكاء الاصطناعي من أجل الخير. وضمان أن يكون أيضا آمنًا وموثوقًا، ويمكن التحكم فيه، وقادرًا في ذات الوقت على تحسين تمكين التنمية المستدامة العالمية، وتعزيز الرفاه المشترك للبشرية جمعاء.
اقرأ أيضا: واشنطن تستحضر “الحرب الباردة” لإعاقة التكنولوجيا الصينية
تجاوز القيود
رغم أن روبوت الدردشة Ernie Bot الخاص بشركة Baidu الصيني تدرب على معلومات باللغة الإنجليزية من Wikipedia وReddit-وكلاهما محجوب في الصين- يرى بول شار، الذي كتب مؤخرًا عن “القوة في عصر الذكاء الاصطناعي”: سيكون من الصعب على الشركات الصينية إيجاد طرق لاستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي دون التعرض للرقابة.
وأضاف: اعتادت الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا على تجاوز القيود. وتتمتع بخبرة كبيرة في التعامل مع متطلبات التنظيم والرقابة الحكومية، لذا فهو بالتأكيد حاجز إضافي، لكنه مألوف لهم.
بينما يرى شار أن بكين ستستخدم على الأرجح الذكاء الاصطناعي لإنتاج دعاية “إنها في الأساس تولد أخبار مزيفة. لذا، يمكن استخدامها لتوليد دعاية حكومية أو أخبار مزيفة بسرعة”.
أيضا، يمكن أن تكون ضوابط التصدير الأمريكية الصادرة العام الماضي -التي تمنع جميعها تقريبًا بيع رقائق أشباه الموصلات الأكثر تقدمًا والمعدات اللازمة لتصنيعها للشركات الصينية- أكثر تأثيرًا من الرقابة وتأثيرها على تطوير نظامها الإيكولوجي للذكاء الاصطناعي.
ريادة الذكاء الاصطناعي
يرى التقرير أن الصين ستستغرق وقتًا طويلاً للتغلب على القيود “حيث قامت المنظمات والشركات الصينية بتخزين بعض الرقائق. ولكن بمرور الوقت، إذا لم تتمكن الشركات الصينية من إيجاد حلول بديلة، فستكون في وضع غير مؤات بشكل متزايد فيما يتعلق بتدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي على الأجهزة المتطورة.
ويلفت تريولو إلى أنه على عكس الصراع على القيادة العالمية للتقنيات المتقدمة الأخرى، مثل شبكات الهاتف المحمول 5G. هناك ما هو أكثر عرضة للخطر من الريادة في التقنيات التي يمكنها كتابة نصوص ذكية عند الطلب.
يقول: المنافسة على الذكاء الاصطناعي -والتكنولوجيا الناشئة على نطاق واسع- تحمل عواقب تتجاوز المجال الرقمي”.
وقال هويل إن الدولة التي تقود الذكاء الاصطناعي ستجني فوائد اقتصادية كبيرة وستكسب أيضًا ميزة الأمن القومي “ما هو على المحك هنا ليس فقط من يقود الذكاء الاصطناعي، ولكن أيضًا من يضع القواعد لكيفية استخدامه في جميع أنحاء العالم. لذا، فإن القيم الديمقراطية ومفهوم المجتمعات المفتوحة على المحك في سباق الذكاء الاصطناعي.”
ما الذي يفكر فيه ChatGPT بشأن في الصين؟
كتب تطبيق المحادثة لمجلة فورين بوليسي: “قامت الصين باستثمارات كبيرة في الذكاء الاصطناعي (AI) في السنوات الأخيرة، وقدراتها في هذا المجال تتقدم بسرعة -في إشارة إلى معيار الصين لعام 2030- تشمل نقاط القوة في الصين في مجال الذكاء الاصطناعي معالجة اللغة الطبيعية ورؤية الكمبيوتر والتعلم الآلي. وقد أحرزت الدولة تقدمًا كبيرًا في تطوير التطبيقات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي لمختلف الصناعات، مثل الرعاية الصحية والنقل والتمويل”.
ومع ذلك، لم يكن الأمر كله مدحًا: فقد دعا التطبيق أيضًا إلى “سياسات ومبادرات الصين الهادفة إلى جمع وتحليل كميات كبيرة من البيانات، الأمر الذي أثار مخاوف بشأن إساءة الاستخدام المحتملة وانتهاك الخصوصية”.
قال: بشكل عام، تتطور قدرات الذكاء الاصطناعي في الصين بسرعة، وتستعد البلاد لأن تصبح لاعبًا رئيسيًا في المشهد العالمي للذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، سيكون من المهم بالنسبة للصين معالجة المخاوف المتعلقة بالخصوصية، والتأكد من تطوير الذكاء الاصطناعي واستخدامه بشكل مسئول.