في نهاية فبراير/ شباط الماضي، نُشرت بعض التقارير حول السماح لشركات التمويل الاستهلاكي بتقديم قروض نقدية عبر البطاقات مُسبقة الدفع التي تُتيح للعملاء السحب النقدي من الصراف الآلي، وهو توجه جديد يُحذر منه خبراء الاقتصاد على أساس أنه قد يتسبب في ارتفاع مستوى التضخم في السوق.
لكن ما هو التمويل الاستهلاكي؟ وكيف يعمل في مصر؟ وماذا عن تأثير السماح لهذه الشركات بتقديم خدمات مصرفية للمواطنين مثل الإقراض؟
بحسب تعريف الهيئة العامة للرقابة المالية، فإن المقصود بالتمويل الاستهلاكي هو كل نشاط يهدف إلى توفير التمويل المخصص لشراء السلع والخدمات لأغراض استهلاكية وسداد ثمنها على فترة زمنية لا تقل عن 6 أشهر. ويشمل التمويل من خلال بطاقات المدفوعات التجارية أو إحدى وسائل الدفع التي يقرها البنك المركزي.
وتعمل تلك الشركات وفقًا للقانون رقم 18 لسنة 2020، والذي عَرف التمويل الاستهلاكي بأنه كل نشاط يهدف إلى توفير التمويل المُخصص لشراء السلع والخدمات لأغراض استهلاكية متى تمت مزاولته على وجه الاعتياد.
ويعتبر القانون أن مقدمي التمويل الاستهلاكي هم مُنتجو السلع أو مُوزعوها الذين يُزاولون نشاط التمويل الاستهلاكي متى تجاوز حجم التمويل الممنوح المُقدم 25 مليون جنيه.
سوق التمويل الاستهلاكي
خلال عام 2022، ارتفعت قيمة التمويل الاستهلاكي الممنوح للعملاء إلى نحو 29.8 مليار جنيه، بنسبة زيادة 75.3% عن عام 2021 الذي بلغ فيه حجم التمويل حوالي 17 مليار جنيه، وفقًا لمحمد فريد رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية.
وتصدّرت شركة كونتكت للتمويل الاستهلاكي، قائمة شركات التمويل الاستهلاكي العاملة في مصر بحصة سوقية تُقدر بنحو 4.31 مليار جنيه بنسبة 34.15% من إجمالي التمويل الاستهلاكي، تليها في المرتبة الثانية شركة فاليو للتمويل الاستهلاكي، بحصة تبلغ 3.7 مليار جنيه بنسبة 29.3%.
وفي المرتبة الثالثة، حلّت شركة حالاً للتمويل الاستهلاكي، بحصة سوقية بلغت 1.2 مليار جنيه، بنسبة 9.47%، وفي المرتبة الرابعة جاءت شركة بريميوم انترناشونال لخدمات التمويل، بقدرة تمويل 1.02 مليار جنيه بنسبة 8.11%.
وفي المرتبة الخامسة، جاءت شركة عبد اللطيف جميل للتمويل، بحصة سوقية 4.26% بحجم تمويل 538 مليون جنيه، وفي المرتبة السادسة شركة سي أي للتمويل الاستهلاكي “سهولة” بحصة 4.13%، بمبلغ قدره 522 مليون جنيه، وفي المرتبة السابعة شركة كونتكت كريدي تك بحصة سوقية 2.93% من إجمالي قيم التمويل الاستهلاكي، بمبلغ قدره 370 مليون جنيه.
وفي المرتبة الثامنة جاءت شركة بلنك للتمويل بوزن نسبي 2.74%، لتضخ الشركة تمويلات بقيمة 346 مليون جنيه، وفي المرتبة التاسعة شركة درايف للتمويل والخدمات المالية غير المصرفية بوزن نسبي 2.08%، بمبلغ قدره 263 مليون جنيه، وفي المرتبة العاشرة شركة سكاي فاينانس للتمويل الاستهلاكي بوزن نسبي 1.20%، لتسجل 151 مليون جنيه.
فضلاً عن بعض الشركات الأصغر والتي قُدرت حصتها من سوق التمويل الاستهلاكي بنحو 1.64% بإجمالي تمويل 207 ملايين جنيه.
زيادة نسبة السيولة
في هذا الصدد، يُعبر الدكتور علي الإدريسي عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، عن تحفظه على دراسة السماح لشركات التمويل الاستهلاكي بتقديم قروض نقدية للعملاء، مشيرًا إلى خطورة ذلك على السوق المصري.
وصف الإدريسي، هذا التوجه بأنه يتضارب مع قرارات البنك المركزي الهادفة لخفض نسبة السيولة النقدية “الكاش” المتداولة بين المواطنين، إذ في حال سُمَح لشركات التمويل الاستهلاكي بتمويل قروض للعملاء سيكون من حق العميل الحصول على أموال سائلة بدلاً من السلع أو المُنتجات، وهذا خطر وتضارب في الوقت نفسه.
وفي حديثه لـ “مصر 360″، حذر الإدريسي من أن هذا التوجه يسمح لشركات التمويل الاستهلاكي بالتسبب في زيادة وتيرة معدلات التضخم المرتفعة أصلاً، وبالتالي زيادة في أسعار الفائدة، ومزيد من السيولة النقدية في السوق التي اعتبرها مضرة جدًا بالاقتصاد المصري حاليًا، خاصة وأن هناك ندرة ونقص في بعض السلع بسبب الأزمة الدولارية وعدم القدرة على الاستيراد.
ويُوضح عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، أن السماح لشركات التمويل الاستهلاكي بالإقراض للعملاء، يسحب من دور البنوك، متسائلاً عن آلية ذلك، وأسعار الفائدة التي ستُقرض من خلالها شركات التمويل الاستهلاكي العملاء.
ويُتابع الإدريسي، أن التمويل الاستهلاكي في نهاية الأمر هو شراء على “النوتة”، وبالتالي فقد يسمح ذلك للمواطنين بالإسراف في الاقتراض بأكثر من إمكانياتهم، وحدوث حالات تعثر وتسبب ذلك في إرباك السوق المالي.
مزيد من التضخم
الدكتور مدحت نافع، أستاذ الاقتصاد، يتفق هو الآخر مع الحديث عن مخاطر هذا التوجه على السوق، ويبدي تخوفه من زيادة نشاط التمويل الاستهلاكي، أو كما يصفه “الشراء على النوتة”، محذرًا من حدوث حالات تعثر وإفلاس للمواطنين بسبب انتشار نشاط التمويل الاستهلاكي.
ويُضيف في مقال سابق له، أن مستويات الجهل الموجودة في المجتمع المصري يمكن أن تُسهم في غياب الوعي الكامل عند المواطنين، ذلك أنه كلما انخفضت درجة الوعي والتعليم وزاد الفقر، ارتفعت حدة النهم إلى الاستهلاك.
ويُتابع نافع، أنه لا بد وأن يكون اختيار المواطنين مقيدًا بمدى قدرتهم على سداد الأقساط، أو ما يُوصف بالملاءة المالية، ذلك أنه في حال الاضطرار للسداد ببطاقة الائتمان، فلابد وأن يعلم المواطن أنه في حال التأخر ستكون هناك رسوم إضافية لابد وأن يدفعها.
ويشير أستاذ الاقتصاد، إلى أن زيادة التدفقات النقدية، يجب أن تواكبها حركة موازية في الاقتصاد الحقيقي من حيث زيادة الإنتاج، لأن المصير الوحيد للتفاوت بين حجم المعروض النقدي والائتماني من ناحية، وحجم الناتج الفعلي من ناحية أخرى، هو مزيد من التضخم فى الأسعار مصحوبًا بكساد فى الأسواق وتزايد معدلات البطالة، وبالتالي ظهور الكساد التضخمي.