أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي بداية الشهر الجاري، حزمة إجراءات تشمل زيادة الحد الأدنى للأجور والمعاشات. ذلك بغرض تحسين دخول العاملين بالجهاز الإداري للدولة وأصحاب الكوادر الخاصة، وبحد أدنى ألف جنيه شهريًا.
جاءت قرارات الحماية الاجتماعية للتخفيف من عبء الأزمة الاقتصادية، ومواجهة ارتفاع الأسعار المتصاعد، بعد وصول مؤشر التضخم لما يقارب 32% خلال فبراير/ شباط الماضي. وفق البيانات الرسمية الصادرة عن البنك المركزي.
زيادة المعاش 15%
تضمنت حزمة القرارات زيادة الرواتب ورفع الحد الأدنى للأجور من 2700 إلى 3500، بالإضافة إلى صرف علاوة للعاملين في الدولة. كما أعلنت وزارة التضامن الاجتماعي زيادتها المعاشات بنسبة 15% بداية من 1 إبريل/ نيسان القادم 2023، وكذلك صرف علاوة الغلاء 300 جنيه بداية من فبراير/ شباط الماضي.
ويمثل المعاش إجمالي دخل للمنتفعين به، والذين يصل عددهم إلى 11 مليون مواطن، وفقًا لمنير سليمان الأمين العام لاتحاد المعاشات. حيث لا يتقاضى صاحب المعاش أي حوافز أو منح ومكافآت. كما أن هناك ما يقارب مليوني صاحب معاش يتقاضون 1170 جنيهًا شهريًا.
خطوات متأخرة
يرى الباحث الاقتصادي إلهامي الميرغني اتخاذ خطوات الحماية الاجتماعية، بما فيها رفع الحد الأدنى للأجور خطوة هامة، تأخرت عن موعدها. مبينًا أن علاوة أصحاب المعاشات 15 % هي خطوة مهمة لتصويب الوضع “المهين” للملايين، ولكن، يقول الميرغني، يبقي جوهر المشكلة في أن 10.8 ملايين من أصحاب المعاشات يحصلون على معاش ضئيل، وما زال الحد الأدنى للمعاش 1150 جنيها وهو يمثل 32 % من الحد الأدنى للأجور فقط، في وقت يعول عدد كبير من أصحاب المعاشات عائلاتهم ويعيشون في أوضاع اقتصادية متدنية، بل هم تحت خط الفقر.
لماذا تتدنى قيمة المعاش؟
يرجع انخفاض قيمة المعاشات إلى أن 95% من مستحقيها قضوا سنوات الخدمة وفقًا لقانون التأمينات السابق رقم 79 لسنه 1975. وكان المعاش يحسب على أساس أجور منخفضة، لأن قيمة (الأجر المتغير) لم يكن يعدل سنويًا. ذلك بالإضافة إلى أن الحد الأقصى للراتب المتغير ظل يحسب بحد أقصى 6 آلاف جنيه لمدة 12 سنة لأغلب أصحاب المعاشات.
تحسب قيمة المعاش وفقًا للجدول الاكتواري على متوسط الأجر في السنتين الأخيرتين من العمل، بما يساوي 1 على 45 من كل جزء من المعاش. وهو أمر تسبب في خفض قيمة أجر المعاش بمعدل يقارب 1 على 10 من قيمة أجرة العمل، ومع تدهور قيمة الأجر تدنت المعاشات، وفقًا لخبير التأمينات الاجتماعية كامل السيد.
يقول سيد عبد الحليم “بالمعاش”: “عملت لمدة 25 عامًا سائق إسعاف بوزارة الصحة، وبعد خروجي للمعاش سنة 2018 يتقاضى معاشًا بقيمة 750 جنيهًا، في حين كان راتبي 7 آلاف جنيه”. تقاضى “عبد الحليم” مكافأة نهاية خدمة 4.5 ألف جنيه بسبب تسجيله من جانب شؤون العاملين باعتباره يعمل فترات متقطعة. والآن معاشه أقل من 1500 جنيه، يدفع منها قسط قرض بنكي 400 جنيه شهري، و250 جنيهًا فاتورة تقسيط الغاز. هذا غير فواتير الكهرباء والمياه.
المعاشات والقانون الجديد
بدأ العمل بقانون المعاشات الجديد رقم 148 لسنة 2019 بداية من 1 يناير/ كانون الثاني 2020. ومن المقرر ألا يظهر تأثيره الإيجابي على قيمة المعاشات إلا بعد قضاء العامل فترة عمل من 15 إلى 20 سنة كحد أدنى من مدة الخدمة لاستحقاقه قيمة المعاش الكامل. وبحسب كامل السيد، وكيل وزارة التأمينات سابقًا، لا بد أن يكون الموظف أو العامل قضى الحد الأدنى من سنوات الاشتراك كشرط حصول المعاش.
يبين “السيد”، أن من بلغوا سن المعاش منذ سنة 2020 وحتى الآن يُحسب لهم أجران للمعاش؛ الأول يٌحسب وفقًا للمدة التي قضاها وفقًا للقانون 79، والثاني على عدد السنوات التي قضاها بعد تطبيق القانون الجديد. فلا يشعر صاحب المعاش بتحسن في الأجر نظرًا لحداثة تطبيق القانون منذ ثلاث سنوات فقط.
مزايا معطلة
تمنح المادة 83 من القانون 148 لسنة 2019 بعض المزايا لأصحاب المعاشات في الرعاية الاجتماعية. كما يشمل الباب السابع من القانون تيسيرات وتخفيضات في المواصلات العامة، وتخفيض بنفقات الإقامة في دور العلاج التابعة للجهاز الإداري للدولة، وكذلك ارتياد النوادي ودور السينما والمسرح. كما يتضمن القانون خدمات توصيل المعاشات للمنازل وتسهيلات في بنك ناصر.
اقرأ أيضًا: أموال المعاشات والبورصة.. رحلة استغلال الحكومات المتعاقبة
لكن هذه المزايا وفق نص المادة 94 من قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات، مرهونة بقرار من رئيس الهيئة القومية للتأمينات بعد موافقة مجلس الإدارة. وهي خدمات “شبه معدومة” لأن تطبيقها رهن هذه الموافقة وكذلك رهن تصرف صناديق المعاشات للرعاية الاجتماعية. “رئيس هيئة التأمينات يمنحها لمن يراه يستحق”؛ يقول كامل السيد، لـ “مصر 360”. إذ إلى الآن لم يتم تطبيق بنود الرعاية، وأسند تمويلها وفقًا لما تقرره الخزانة العامة.
عفاف زكي، مهندسة زراعية خرجت للمعاش عام 2014 على درجة مدير عام، وبعد خدمة 36 عامًا، يبلغ معاشها 880 جنيهًا. وهو مبلغ لا يكفي ثمن العلاج كما تقول. وهو ما يدفعها للشكوى من إهمال الدولة لفئتهم وفقدانهم رعاية اجتماعية مناسبة، رغم القانون الجديد، على حد قولها.
هل الزيادة الأخيرة كافية؟
ربطت المادة 35 من قانون التأمينات الحد الأدنى للعلاوة بنسبة التضخم. لكن منير سليمان الأمين العام لاتحاد المعاشات، يبين أن العلاوة 15% المضافة حاليًا أقل بكثير من المنصرفة الأعوام السابقة. ذلك إذا ما نظرنا إلى التضخم، الذي تجاوز 30%. والزيادة 15% لم تضف للمعاشات زيادة فعليًا، لأن القيمة الفعلية للمعاش تناقصت جراء التضخم، على حد قوله.
يشير “سليمان” إلى أن المادة 27 من الدستور تنص على أن يتساوى الحد الأدنى للمعاش مع الأجور لضمان حياة كريمة. بينما فعليًا يبلغ الحد الأدنى للأجور 3500 والحد الأدنى للمعاش 1170 جنيهًا. يُضاف إلى ذلك أن العلاوة الأخيرة المقدرة بـ 170 جنيهًا، هي أقل من علاوات العاملين بالدولة.
ويعقب في حديثه لـ”مصر 360″ بأن “السوق لا يفرق في الأسعار بين أصحاب المعاشات وغيرهم. بل يتأثر الجميع بارتفاع أسعار السلعة، وهنا يكون وضع أصحاب المعاشات أكثر صعوبة. ما أتقاضاه من معاش حاليا هو نفس الأجر الذي كنت أتقاضاه منذ 23 سنة أثناء الخدمة. ما يعنى أنني عدت للوراء 23 سنة”.
استثمار أموال المعاشات
تنص المادة 17 من الدستور على أن أموال المعاشات وعائد استثماراتها خاصة ملكًا لأصحابها. ورغم ذلك لا يستفيد أصحاب المعاشات من استثمارات أموال التأمينات التي اقترضتها الحكومة، وبلغت 620 مليار جنيه.
وكانت محكمة القضاء الإداري قضت في سنة 2009، بالفصل بين أموال التأمينات الاجتماعية، والموازنة العامة للدولة. حيث ينص القانون رقم 34، على أن الملكية الخاصة مصونة ولا يجوز المساس بها، وألزمت الحكومة برد الأموال لهيئة التأمينات.
وقد تجاوز دين أموال المعاشات لدى الحكومة تريليونًا وأربعمائة ألف جنيه، تقسطها الحكومة على خمسين سنة، بقيمة 160 مليار سنويًا. لكن الدولة لم تستطع التخلي عن “الدجاجة التي تبيض ذهبًا”.
وتلزم المادة 16 من قانون التأمينات الدولة إعادة نسبة 75% من هذه الأموال على شكل أذون خزانة. إلا أن وزارة المالية لا تزال تستحوذ على أموال المعاشات، وتستثمرها لصالح هيئة التأمينات. ذلك بفائدة 5.9%، في حين أن سعر أذون الخزانة لا يقل عن 18%، وهي تستفيد بالفارق.
حقوق غير مكتملة
في 22 فبراير/ شباط 2019 حصل أصحاب المعاشات على حكم نهائي آخر غير قابل للاستئناف بأحقيتهم في الحصول على العلاوات الخاصة. لكن الحكم لم ينفذ.
يقول عبد الغفار مغاوري محامي أصحاب المعاشات: إن الدعوى المقامة في مجلس الدولة، تستهدف إلزام الدولة بتدبير الموارد المالية وصرف العلاوات، وحددت للقضية جلسة 20 مارس 2023 أمام الدائرة 15 قضاء إدارى بمحكمة مجلس الدولة.
ويختصم أصحاب المعاشات رئيس مجلس الوزراء ووزارة المالية ويطالبون بتنفيذ حكم الإدارية العليا، والذي يقضي باحتساب 80% من قيمة العلاوات الخاصة التي لم تضم إلى الأجور الأساسية لأصحاب المعاشات وقت خروجهم للمعاش. ويضيف “مغاوري” أنه من المقرر أن يستفيد من هذا الحكم أصحاب المعاشات الذين خرجوا للمعاش حتي يوليو 2019.
قانون حماية المسنين
يطالب كامل السيد بسرعة إصدار البرلمان قانون حقوق المسنين لضمان حق الرعاية الاجتماعية. وكذلك بأن يكون سن الانتفاع بالقانون 60 بدلًا من سن 65 سنة، إضافة إلى تمثيل المسنين في مجلس إدارة صندوق رعاية المسنين بما لا يقل عن 50% إلى 80% من عدد أعضاء المجلس.
ويقول إنه من الضروري إنشاء إدارة عامة لرعاية المسنين بوزارة التضامن تختص بإقامة دور الرعاية الاجتماعية وتقديم خدمة الطب الوقائي، إضافة إلى توفير أماكن مناسبة للمسنين الذين يقضون عقوبة السجن، وإيلاء المرأة المسنة الاهتمام الكافي.
بينما يرى “مغاوري” ضرورة رفع الحد الأدنى للمعاشات أسوة بالحد الأدنى للأجور لتحسين أوضاعهم، وأن تتخذ الدولة آليات رعاية أشمل لأصحاب الدخول الضعيفة ومنها إقامة منافذ لبيع السلع بثلث ثمنها لأصحاب المعاشات، توفر صيدليات تبيع الأدوية بثلث ثمنها فقط لأصحاب المعاشات لأن أغلبهم من أصحاب الأمراض لتفادي فروق التضخم.