قفزت أسعار حديد التسليح إلى مستويات قياسية في السوق المحلية خلال مارس/ آذار الجاري، متجاوزة حاجز الـ 32 ألف جنيه للطن، تأثرًا بعدد من العوامل والمعطيات داخل مصر وخارجها، ما أثار تكهنات بزيادة مرتقبة في سوق العقارات تقدر بـ 15%.
تتحكم أسعار مواد البناء بشكل مباشر في حركة السوق العقاري سواء من حيث حركة البناء أو سعر بيع الوحدات السكنية، باعتبارها المسيطرة على النصيب الأكبر من موازنات عمليات البناء والتشييد.
ومع تواصل ارتفاع أسعار الحديد، إلى جانب الأسمنت وباقي مواد البناء، تساءل البعض عن حجم تأثر حركة السوق العقاري بارتفاع تكاليف البناء، ونسبة الارتفاع المتوقعة في أسعار الوحدات السكنية خلال 2023، والدوافع الرئيسية وراء الارتفاع القياسي في سعر الحديد.
اقرأ أيضا: لإنقاذ صناعة الدواجن.. هل يكفي «سعر الضمان» للتوسّع بزراعة الذرة وفول الصويا؟
عشوائية تحديد السعر
مصادر مسئولة بشعبة مواد البناء تؤكد لـ “مصر 360″، إن هناك تذبذبا واضحا على مستوى تسعيرة طن الحديد نتيجة العشوائية الحالية في تقدير السعر العادل بالسوق. فمدخلات التشغيل يتم تقديرها دون شفافية واضحة وبالتالي تحديد الأسعار المتداولة يفتقد إلى وضع هوامش ربح مناسب للمنتجين والوكلاء.
ويعاني السوق في بعض الأوقات من عدم السيطرة سواء على مستوى تدبير الدولار لتوفير المواد الداخلة في هذه الصناعة، أو على مستوى تحديد أسعار البيع دون تلاعب من التجار والوكلاء.
ووفق المصادر، سيطر التجار على تحديد سعر البيع للمستهلك النهائي، وهم الفئة التي تحصل على الحديد من أرض المصنع بتسعيرة أقل من المباع بها في السوق، بما يتجاوز الـ 5 و6 آلاف جنيه في الطن. وهذا يعود في الأساس إلى ضعف الرقابة.
وأضافت المصادر أن السوق لا بد وأن يكون متروكا لقوى العرض والطلب. بحيث يكون السوق هو المُحدد الأول لتسعيرة مواد البناء بجانب سعر مدخلات التشغيل المستوردة “مينفعش التجار والوكلاء هما اللي يحددوا السعر من وجهة نظرهم.. في عرض وطلب وفي مدخلات تشغيل وهما المحددين الأساسيين للأسعار. لكن ما يحدث عشوائية واضحة”.
وأكدت المصادر ذاتها أن السعر العادل قد يصل حاليًا إلى حوالي 20 : 22 ألفًا للطن. لكن على أرض الواقع هذه الأسعار ليست موجودة. فالطن يدور حاليًا في مستوى الـ 30 : 32 ألف جنيه لدى التجار.
لماذا ارتفع سعر الحديد؟
يوضح ناصر شنب عضو شعبة مواد البناء أن الزيادة يحددها الوكلاء حاليًا وليس المنتجون في المصانع، وإن كانت معادلة العرض والطلب هي الأكثر تأثيرًا في المنظومة.
يقول شنب أن بعض المصانع اتجهت منذ فترة إلى تقليص حجم إنتاجها اليومي من الحديد بسبب ارتفاع مدخلات الإنتاج. ما أثر على حجم المعروض في السوق لفترة معينة وبالتالي ضعف إقبال المقاولين على شراء مواد البناء.
المصادر المسئولة في شعبة البناء تشير إلى أن بعض الشركات المنتجة للحديد بدأت في تخصيص كميات إضافية من إنتاجها إلى الأسواق الخارجية. وزيادة حجم صادراتها اليومية للاستفادة من فارق العملة الدولارية. ما انعكس على انخفاض حصص السوق المحلية وبالتالي ارتفاع الأسعار لدى المستهلك النهائي إلى ما يزيد عن 32 ألفًا للطن.
وتابعت، المصانع تستورد 90% من الخردة والخامات من الخارج، وأن زيادة الإنتاج مرتبط بتدبير العملة الأجنبية من البنوك التي حركت الأسعار منذ بداية 2023 إلى ما يقارب الـ 30%.
لفتت المصادر إلى أن تحرير أسعار الصرف وصعود أسعار الدولار في مقابل الجنيه وما يتبع ذلك من ارتفاع التكلفة الإنتاجية من المواد الخام ومستلزمات الإنتاج المحلية ومصروفات الطاقة والتشغيل، باتت هي المتحكم الرئيسي في خريطة أسعار حديد التسليح داخل السوق.
ركود يسيطر على السوق
التداعيات الناجمة عن حركة الارتفاع المستمر في أسعار الحديد، أضفت مزيدًا من الهدوء على حركة التشييد والبناء في مصر، ما خفض من حجم أعمال شركات العقارات وبالتبعية شركات المقاولات أيضًا التي قد تضطر إلى تأجيل تنفيذ وتسليم كثير من المشروعات المسندة إليها، وفق أحمد الزيني رئيس شعبة مواد البناء في اتحاد الغرف التجارية.
ويضيف الزيني لـ “مصر 360” أن السوق يشهد حالة من الهدوء، وحركة البناء منخفضة للغاية، “نعيش حالة من الترقب لما سيحدث الفترة المقبلة بسبب التذبذب في تسعيرة مواد البناء”.
واصل الزيني: الركود قد يضرب السوق المحلية لفترة قادمة، قد يصل إلى يوليو القادم، إذا ما ظلت الضبابية تسيطر على مستقبل السوق العقاري وحركة التشييد والبناء. فهناك تراجع حالي ولكن قد يتزايد لصعوبة تدبير تكلفة البناء المستمرة شهرًا تلو الآخر.
اقرأ أيضا: استيراد الأسماك الروسية يهدد أرزاق 2 مليون مصري.. مخاوف من تكرار “سيناريو الدجاج”
ضعف الطلب وارتفاع التكلفة
يوضح عبد العظيم الحاج، مقاول، أن السوق العقاري يعاني الفترة الراهنة من أزمات عدة تؤثر في مجملها على حركة نموها . أبرز تلك الأزمات هو ضعف الطلب على الوحدات السكنية منذ بداية 2023، ويتوقع أن يستمر التراجع في الإقبال حتى منتصف العام الجاري، إضافة إلى أزمة ارتفاع تكلفة البناء التي تسببت في ارتفاع أسعار العقارات في مصر. ومع ارتفاع أسعار مواد البناء، بالتحديد الأسمنت والحديد، فقد يحدث ارتفاع جديد بنحو 10 لـ 15% في أسعار الوحدات.
عودة النشاط بات مرهونًا بفرض مزيد من التسهيلات على واردات صناعة مواد البناء المؤثرة في نمو عمليات التشييد والبناء. كما يحتاج السوق العقاري إلى مزيد من الرقابة والسيطرة على بورصة أسعار المنتجات والمواد التي تقوم عليها هذه الصناعة، وفق الحاج.
الخبير العقاري أيمن عبد الحميد يتفق مع ذلك، ويشير إلى تراجع واضح في إقبال العملاء على شراء العقارات داخل مصر وخارجها، نتيجة عدة عوامل على رأسها ارتفاع أسعار الوحدات بسبب زيادة أسعار مواد البناء ومن ثم تنامي حالة الركود بالسوق.
وتابع أن السوق العقاري العالمي متأثر أيضًا بشكل كبير وليس في مصر فقط، نتيجة التقلبات الاقتصادية العالمية. موضحًا أن من أهم مقاييس التضخم في الاقتصاد هو قطاع العقارات، وبلغ حجم قطاع العقارات على سبيل المثال في أمريكا نحو 45 تريليون دولار، فأي هزة في هذا القطاع تؤثر على الاقتصاد الكامل، والمؤشرات تقول إن الطلب على العقارات في أمريكا انخفض بنسبة 20% من يناير 2022 إلى يناير 2023.
وأضاف عبد الحميد خلال استضافته في برنامج مال وأعمال على شاشة اكسترا نيوز، أن سبب انخفاض الطلب، وبالتالي انخفاض أسعار العقارات بنسبة 6% للعقار تقريبا، يرجع إلى أن التضخم رفع الأسعار. لذا جاءت إجراءات مكافحة التضخم لتسحب السيولة، وبالتالي تراجعت القدرة الشرائية فتراجع الطلب وقل سعر العقارات.