تنطوي الولادة القيصرية على مخاطر عدة على صحة النساء والأطفال، وترتفع فيها معدلات وفاة الأم بنسبة تصل إلى أكثر من خمس مرات مقابل الولادة الطبيعية، بسبب مخاطر واحتمالات تندب الرحم، ومضاعفات النزيف، تعفن الدم، والجلطات الدموية، ارتفاع مخاطر الإصابة بمشكلات المشيمة، وتمزق الرحم في حالات الحمل المستقبلية.
كما أنها تحرم الأطفال من الولادة الطبيعية التي تُكسبهم المناعة، فمرور الجنين عبر قناة الولادة الطبيعية، يوفر ملامسة الطفل لبعض أنواع البكتيريا في المهبل مما يكسبه مناعة ضدها ويكسبه فرصة في تطوير الجهاز المناعي.
وسجلت مصر أعلى معدلات في إجراء عمليات الولادة القيصرية عالميًا، وهي تقارب 80 % من إجمالي عمليات الولادة، متقدمة على البرازيل والصين وإيطاليا، بسبب شيوع الاعتقاد عند النساء بأنها أقل ألمًا ووقتًا.
عنف مصاحب للولادة
وفي الملتقى الذي عُقد بالتعاون بين منظمة الصحة العالمية والمجلس القومي لحقوق الإنسان، الأسبوع الماضي، تعرض الحضور لتحديات صحة المرأة، ومنها أزمة تزايد عمليات الولادة القيصرية، والعنف الذي تتعرض له النساء، وحقها في ولادة آمنة.
وأشار الملتقى إلى تعرض العديد من النساء للعنف الولادي، وهو يتضمن انتهاك خصوصيتها عبر خضوعها لعمليات كشف متكرر على يد الفرق الطبية، واقتحام أطقم العاملين غرف العمليات، إضافة لانفراد الطبيب بقرار الولادة دون إشراك المريضة.
بجانب هذا هناك ضعف في كفاءة الخدمات الطبية، ومحدودية عدد القابلات والفرق المدربة على إجراء الولادة الآمنة.
من يتخذ القرار؟
أوضحت السفيرة مشيرة خطاب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، أن المسئولية الأكبر تقع على الطبيب، سواء كان هو من اتخذ القرار أو المرأة المقبلة على الوضع، وتضيف أن على الطبيب أن يقوم بتوعية المرأة بالعواقب والآثار السلبية علي صحتها وصحة وليدها، وأكدت أنه حال غياب ذلك الدور، فإن ذلك يمثل انتهاكًا للحق في الحصول على المعلومات والمشورة والخدمة الطبية.
تقول خطاب أن غياب المعلومة هو انتقاص من حق المرأة في حرية اتخاذ القرارات المبنية على المعلومات الصحيحة المتعلقة بصحتها، والمؤثرة عليها.
وأشارت خطاب إلى مبدأ المصلحة الفضلى، بوصفه المعيار الأسمى في أي قرار أو إجراء يتعلق بالطفل، وذلك يتصل بحق الطفل في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والنفسية، وأعلى مستوى ممكن من الخدمة والرعاية الصحية.
وأضافت أن العمليات القيصرية إن لم تكن ضرورة فإنها تمثل عنفًا ضد المرأة، وتهاونًا من جانب الطبيب في إيلاء المصلحة الفضلى للأم والطفل.
الثقافة الصحية
اعتبر الدكتور حسن سلام أستاذ النساء والتوليد بجامعة الإسكندرية، اتخاذ الطبيب قرار تحديد نوع عملية الولادة منفردًا دون مشاركة الأم ودون بيان أسباب ذلك، اعتداء على حقها في الخدمات الصحية الآمنة.
وطالب سلام، زميلة الكلية الملكية، خلال كلمته، بأن تتحلى النساء بالثقافة الصحية للتمسك بولادة آمنة، لافتا إلى ضرورة تحسين الخدمة عن طريق تدريب الأطباء على الولادة بكفاءة ودعم حصول النساء على المعلومات والمشورة.
وفيما يخص عٌنف الولادة، يقول سلام إن نسبة النساء التي يتعرضن للعنف أثناء الولاة وفقا للدراسات العالمية تتراوح من 52 % إلى 60 %.
ولادة جماعية
تبين الدكتورة وفاء بنيامين عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، أنه حتى اليوم لا يوجد تعريف محدد حول مفهوم العنف في الولادة، لكن أي سوء معاملة خلالها يعتبر عنفًا، وعلى رأسها عدم احترام خصوصية المريضة أثناء عملية الوضع وإجراء الفحوصات والأشعة.
وأشارت إلى أزمة الولادة التي تتم في عنابر جماعية دون فواصل، وما تضيفه من أعباء نفسية على النساء، واقتحام فرق العاملين غرفة العمليات دون مراعاة خصوصية المريضة، إضافة إلى أن تواجد النساء بشكل جماعي أثناء الولادة يزيد من ارتفاع معدلات التألم لأنها تمر برحلة الولادة قبل إجرائها من المشاهدات التي حولها.
كما أن – وبحسب بنيامين- النظام الطبي الإداري الذي يعتمد على وجود استشاري ثم إخصائي ونائب يعرض النساء للفحص المتكرر من كل هذه الأطراف ما يعرضها لألم أكبر.
ووفقا للدكتورة نعيمة القصير ممثلة منظمة الصحة العالمية، تبلغ النسب الآمنة للولادة القيصرية 15 % بينما ترتفع مخاطرها 13 ضعفًا عند إجراءها للمرة الثانية على الصحة العامة للنساء.
وتضيف القصير أن الولادة الصحية ليست قاصرة على المستشفيات، يمكن أن تحدث الولادة المنزلية بكفاءة ودعت إلى تنوع وتكثيف مراحل الرعاية، مباشرة الحمل، وتدريب الفريق الطبي المعاون للطبيب على تقديم المساعدة الطبية من المنازل.
بينما قال أيمن أبو النور أستاذ النساء والتوليد بجامعة عين شمس، أن مصر تقترب من حاجز الـــ 80 % في نسب الولادة القيصرية، وهي تسجل حاليا أعلى نسبة في العالم متقدمة على البرازيل والصين وإيطاليا.
أشار أبو النور إلى أن العديد من الدول بدأت اتخاذ إجراءات للحد من الولادة القيصرية، كما أمريكا، شمال أوروبا، الدول الاسكندنافية حيث تلزم الأم بكتابة تعهد، فى حالة رغبتها فى الولادة القيصرية أن لا تنجب مرة أخرى، لكن في مصر “لم نبدأ إجراءات للحد منها”.
مخاطر القيصرية
أشارت الدكتورة نفين حسنين خبير التوليد والصحة العامة بالمجلس القومي للسكان، إلى ارتفاع معدلات الولادة القيصرية بالعالم كله عن الحد الآمن المسموح الذي حددته منظمة الصحة العالمية بــ 15 % وتخطيه حاجز 30 %، مبينة أنه لا يعطي أي ميزة للأم أو الطفل، ويزيد معدل الوفيات للاثنين معًا من 5 إلى 7 أضعاف الطبيعية.
تقول حسنين أن الطفل الذي يخرج من المجرى الطبيعي للولادة يتعرض لعمليات ضغط، فيخرج كل كميات المياه التي تكونت في جسمه أثناء رحلة الولادة، بينما طفل القيصرية يخرج عند 37 أسبوعًا قبل اكتمال النمو (40 أسبوعًا) فتكون الرئة مليئة بالمياه لذلك أغلبهم يعانون من مشاكل التنفس السريع.
المناهج وحقوق الإنسان
وأشارت المحامية الحقوقية نهاد أبو القمصان عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان إلى وجود أزمة في المناهج التي تدرس بكليات الطب، فمن وجهة نظرها يتم التركيز على الجانب العملي وتهميش الجانب النفسي والاجتماعي.
تقول أبو القمصان إن أغلب الأطباء لا يجيدون التعامل النفسي مع الحالات، وشددت على أهمية تدريب الأطباء وتدريس حقوق الإنسان، مطالبة نقابة الأطباء بتفعيل لجان التأديب وممارسة دورها في الرقابة على الطبيب لحماية الطبيب من الادعاءات الكاذبة ضده وحماية المريض من الأخطاء الطبية.
بينما تشير مها موافي ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان، إلى ظاهرتي الزواج المبكر للفتيات والختان، بوصفهما يرفعان معدلات العنف ضد النساء، وتشير إلى تعاون ما بين الصندوق والمؤسسات الدينية، أنتج وثائق تجرم الختان.
وأشارت سلمى الفوال المتحدثة عن منظمة اليونسيف، بالملتقى، إلى أنه لا يمكن إنهاء العنف ضد المرأة دون النظر إلى العنف ضد الأطفال، لافتة إلى وجود عملية تفريغ للعنف الأسري يدفع ثمنها الأطفال.
غياب الكفاءة الخدمية
يشير دكتور جمال سرور الرئيس الأسبق للاتحاد الدولي لأمراض النساء والتوليد إلى أن تراجع كفاءة الخدمة بالمستشفيات أحد أبرز حقوق الإنسان الغائبة للنساء الحوامل، ووفق وجهة نظره، يتطلب تضافر جهود الدولة مع المنظمات الدولية بالتعاون مع المؤسسات الدينية ومنظمة الأمم المتحدة للتركيز على هذه المشاكل.
كما أشار إلى ضرورة الاهتمام بثقافة التربية السكانية بالمناهج التعليمية، ورفع مستوى التعليم للوصول لـ 4 ملايين من الطلاب في المدارس والجامعات.
وفي الصعيد، تشير النائبة نجلاء باخوم عضو مجلس الشيوخ عن محافظة سوهاج، إلى تزايد معدلات القيصرية بمحافظات الصعيد، مطالبة بتعاون مؤسسات الدولة من وزارة التضامن والمجتمع المدني لعمل حملات توعية بالقرى والنجوع للتعريف بأضرار الولادة القيصرية، وتوعية الأطباء الشباب.
وتعتبر هبة أبو بكر منسق المشاركة المجتمعية بالصحة، بمنظمة الصحة العالمية أن “المستشفى” ليست أدوية وعلاج وفقط، بينما هي حالة من توفير الرعاية النفسية والاجتماعية الكاملة للمريض يحتاج لفريق مدرب للوصول بالخدمة إلى حد الكفاءة.
ويظهر ذلك في تطبيق هذه الإجراءات بالوحدات الصحية بالمحافظات والقرى والنجوع واستخدام وتدريب الرائدات الريفيات في توصيل الرسالة بخطورة الولادات القيصرية وتقديم الرعاية بشكل أفضل بالوحدات ومشاركة النساء في اتخاذ القرار.
ومن الناحية التشريعة، قالت أبو بكر إن مصر سباقة في تجريم ختان الإناث مشيدة بدور مستشفى قصر العيني في تعزيز الخدمات الصحة للمرأة خلال جائحة كورونا بداية من ٢٠٢٠ بشكل فاق العديد من الدول المتقدمة.