ببطء ولكن بثبات، تمضي المملكة العربية السعودية في برنامجها النووي على مختلف المسارات. حيث لم يغير التقارب الأخير بين الرياض وطهران بشكل كبير الحقائق الأساسية في هذا السياق، بما في ذلك تصور المملكة للتهديد الإيراني. وترتكز رؤية المملكة 2030، التي بدأها ولي العهد -والحاكم الفعلي- محمد بن سلمان على ضرورة الحد من اعتماد البلاد على النفط، وإنشاء اقتصاد متنوع وتنافسي ومستدام. من بين أمور أخرى، قررت المملكة متابعة مشروعهم النووي.
وبينما تسعى تل أبيب لإنشاء علاقات وثيقة مع الرياض، التي ترفض بعناد حتى الآن، أقامة تطبيع رسمي مع الدولة العبرية، يشير الدكتور يوئيل جوزانسكي الباحث المختص في سياسات الخليج، معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي/ INSS، في المستقبل القريب، ربما ينشأ توتر بين إسرائيل والسعودية يحد من فرص التطبيع، ذلك بسب البرنامج النووي السعودي.
يقول: على الرغم من علاقات إسرائيل مع السعودية وإمكاناتها المستقبلية. يجب أن تكون الأولوية لاعتبارات منع مخاطر الانتشار النووى. يجب أن تكون إسرائيل مستعدة لاتخاذ خطوات مختلفة لمنع المملكة من تحقيق تخصيب اليورانيوم/ معالجة البلوتونيوم، حتى وان كان على حساب العلاقات الدبلوماسية مع الرياض.
اقرأ أيضا: لم تعد ضعيفة.. إسرائيل والبحث عن “حجة” للمساعدات الأمريكية
البرنامج النووي السعودي
في عام 2021، أعلنت المملكة، وهي من الدول الموقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي، عن رؤيتها لبناء 16 مفاعلا نوويا بحلول عام 2032، تم تأجيل ذلك إلى عام 2040. لكن فى 2017، أصدر السعوديون مناقصة دولية لبناء أول مفاعلين، وترتبط أسباب التأجيل -جزئيا- بصعوبات التوصل إلى اتفاقية تعاون نووي مع الولايات المتحدة.
على مدار سنوات مضت، كانت السعودية، تؤكد على أغراض سلمية لبرنامجها النووي. على الرغم من ذلك، أعلن كبار المسؤولين السعوديين، بمن فيهم ولي العهد، إذا كانت إيران تمتلك القدرة النووية، فيجب أن تمتلك المملكة هذه القدرة أيضًا.
يقول جوزانسكي: تصريحات من هذا النوع، والعملية البطيئة للبرنامج المدني، والمخاوف بشأن إيران. كلها أمور تعزز التقييم بأن المملكة ليس لديها مصلحة حقيقية في برنامج نووي مدني، وعندما يكون ظهرها للجدار، فإنها ستبحث عن طرق مختصرة لتحقيق هدفها.
ولفت إلى أنه “لهذا السبب، على ما يبدو، تصر الرياض على “حقها” في تخصيب اليورانيوم. وبهذه الطريقة تضغط على الغرب لمنع إيران من استكمال تطوير برنامجها النووي، خشية أن يؤدي عدم القيام بذلك إلى رد سعودي، وإطلاق سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط”.
وأكد أنه بشكل عام، يرغب السعوديون في تقديم أنفسهم كأنداد لإيران. بالإضافة إلى ذلك، يريد السعوديون إبقاء جميع خياراتهم النووية مفتوحة، حتى لو لم يكونوا ينوون العمل على تطوير أسلحة نووية على الفور.
سياسة نووية
في وثيقة تحدد سياستها النووية، تعهدت المملكة بالالتزام بتطوير برنامج نووي للأغراض السلمية، بما يتوافق مع المعاهدات الدولية الملزمة.
ولضمان السلامة النووية والشفافية التشغيلية والتنظيمية، واستخدام الموارد (اليورانيوم بشكل رئيسي) في أراضيها. يتقدم السعوديون ببطء نحو تحقيق رؤيتهم النووية. ومقارنة بجارتها الإمارات، فهي تشغل في أراضيها أربعة مفاعلات نووية كورية الصنع (APR1400).
وأشار جوزانسكي إلى أنه في مقابل المساعدة الدولية في هذا المجال، تخلت الإمارات عن تخصيب اليورانيوم ومعالجة البلوتونيوم. وهي سابقة أطلق عليها اتفاق “المعيار الذهبي”. بينما “لا تقبل المملكة بهذا المعيار، وقد اختارت مسارًا مختلفًا، وتروج بشكل منهجي لبرنامجها النووي من خلال عدد من المسارات”.
يوضح: أول المسارات هو تخصيب اليورانيوم. في يناير/ كانون الثاني 2023، أعلن وزير الطاقة السعودي، وشقيق ولي العهد، عبد العزيز بن سلمان، أن المملكة تعتزم استغلال رواسب اليورانيوم في أراضيها من أجل التخصيب المنخفض المستوى (LEU).
جاء ذلك بعد تصريحات لمسؤولين سعوديين كبار في السنوات الأخيرة، أكدوا فيها هدف المملكة في تحقيق الاستقلال في تشغيل دورة الوقود النووي.
لكن، هل يوجد بالفعل أي نشاط فعلي في هذا المجال؟
في عام 2020، تم اكتشاف أن لدى السعوديين منشأة لإنتاج “الكعكة الصفراء”. وهي المرحلة الأولى في إنتاج اليورانيوم، تم بناؤها بالتعاون مع الصين، لكن حتى الآن، لم يتم اكتشاف أية منشآت لتحويل أو تخصيب اليورانيوم.
يشير الباحث الإسرائيلي إلى أن “الافتقار إلى الجدوى الاقتصادية للتخصيب، وإمكانات المملكة الشمسية، واحتياطيات النفط الضخمة. مؤشرات دالة على أن المملكة لا تتطلع وحسب إلى بناء برنامج نووي لأغراض سلمية تتعلق بإنتاج الطاقة.
اقرأ أيضا: الساحة الفلسطينية.. تحذيرات من الفوضى
مشروعات بحثية نووية
في عام 2022، طرحت المملكة مناقصة لبناء مفاعلين، كل منهما 1.4 جيجاوات على ساحل الخليج -حدودها مع قطر والإمارات- وتدرس الآن مقترحات من روسيا والصين وفرنسا والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.
يلف جوزانسكي إلى أن كوريا الجنوبية تحظى بأفضل فرصة للفوز، وذلك بفضل التعاون القائم بين الدولتين، وسابق خبرتها في بناء المفاعلات الإماراتية.
يقول: لكي تشتري السعودية المفاعلات من كوريا الجنوبية، تحتاج سيول إلى موافقة الولايات المتحدة، لأسباب سياسية وربما تكنولوجية. حيث يزعم الأمريكيون أن التكنولوجيا المستخدمة في المفاعلات تنتمي إلى شركة Westinghouse Corporation.
هناك عقبة أخري، كون المملكة ليست من الدول الموقعة على “اتفاقية 123” للتعاون النووي مع الولايات المتحدة (سميت الاتفاقية على اسم بند في قانون الطاقة الذرية الأمريكية لعام 1954).
بالنسبة لجهود البحث. أشار المحلل الإسرائيلي إلى أن أرض مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية/ KACST في الرياض، ستكون مكان لإنشاء مشروع مفاعل بحثي أرجنتيني صغير. تشارك فيه كوريا الجنوبية أيضًا. وهو مفاعل الماء الخفيف ذو سعة منخفضة (30 كيلو وات)، ومخصص بشكل أساسي لأغراض التدريب، ولا يمثل خطرًا من حيث الانتشار.
أيضا، المملكة لديها مؤسسة بحثية أخرى، مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة /KACARE.
يوضح المحلل الإسرائيلي أن هناك مسارا آخر يمكن للرياض اتباعه من أجل تسريع برنامجها النووي. يقول: لدى المملكة نظام علاقات استراتيجية طويلة الأمد مع باكستان. بينما لا تزال الرياض تقدم الدعم المالي لإسلام أباد، وعليه يمكن لباكستان أن تساعدها بعدة طرق لتحقيق حل سريع وجاهز للتعامل مع الاختراق النووي الإيراني، هذا بجانب كوريا الشمالية التي يمكنها مساعدة السعوديين أيضًا.
الانتشار النووي وثمن التطبيع
في أعوام سابقة، ناقشت إدارتا أوباما وترامب “اتفاقية 123” مع السعودية. لكن، يبدو أن السبب الرئيسي لعدم إحراز تقدم يرتبط برفض المملكة للشرط الأمريكي: التخلي عن تخصيب اليورانيوم / معالجة البلوتونيوم على أراضيها، والتوقيع على البروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية. وهو ما يسمح بمراقبة أوثق لمنشآتها وصورة أكمل للجهود النووية السعودية.
هنا، يشير جوزانسكي إلى أنه “فيما يتعلق ببرنامجها النووي المدني والجهود المبذولة للضغط على واشنطن لتخفيف مطالبها بشأن الاتفاقية، فإن للسعوديين نفوذًا إضافيًا محتملاً: التطبيع مع إسرائيل”.
بالفعل، تردد أن أحد شروط المملكة لتوطيد العلاقات مع إسرائيل هو تمكين نشاطها النووي. في هذه الحالة، سيطلب السعوديون من الولايات المتحدة تخفيف شروط التعاون النووي معهم، مقابل إجراءات بناء الثقة تجاه إسرائيل.
يقول: تحافظ تل أبيب والرياض على علاقات هادئة، حتى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والذي أعلن عن نيته العمل نحو اتفاق سلام مع المملكة. لكن عندما تزن إسرائيل الثمن المحتمل لمثل هذه الاتفاقية، يجب عليها أيضًا أن تأخذ في الحسبان جوانب الانتشار النووي.
ويشير إلى أن الانتشار النووي الإقليمي في السياق السعودي سوف ينضم إلى خطر حدوث أضرار حركية للمفاعلات المستقبلية. على سبيل المثال من خلال الطائرات بدون طيار/ الصواريخ التي ترسلها إيران أو وكلائها. وتشمل المخاطر التي يجب أخذها في الاعتبار التشغيل غير المصرح به، وفقدان السيطرة على أي أسلحة أو مواد نووية في المستقبل.
يؤكد أنه “يجب مناقشة الأمر، حتى خلف الأبواب المغلقة”. لافتا إلى أن هذا “يختلف جوهريًا عن العملية التي أدت إلى التطبيع مع الإمارات، والتي من الواضح أن إسرائيل منحت خلالها موافقتها على شراء الإماراتيين لطائرات إف -35”.
وينصح جوزانسكي صانع القرار الإسرائيلي بـ “معارضة أي تعاون نووي بين واشنطن والرياض، ما لم يتضمن تبني المعيار الذهبي. فقد أخفت المملكة سابقا، جوانب من برنامجها الصاروخي النووي، ومن المهم الحفاظ على اليقظة الاستخبارية فيما يتعلق بالتطورات من هذا النوع في أراضيها الشاسعة”.