“تغير النظام وليس تغير المناخ!” كان الشعار الذي يتردد في شوارع باريس خلال مفاوضات المناخ COP21. لقد كان مطلبًا بقدر ما كان اتهامًا بفشل المؤسسات السياسية في الاستجابة بشكل مناسب للأزمة البيئية.
تقول حركة العدالة المناخية، في تقرير لها، إن مبادرات “إنقاذ الكوكب” تبدو وكأنها قرارات فردية لا تكلف الكثير، مثل التبديل بين فُرَش الأسنان.
وقد أدت العولمة وتوسع الإنتاجية وازدياد استخدام الوقود الأحفوري إلى تعميق أزمات التغير المناخي. بينما محليًا تنشط الشركات الدولية الملوثة للبئية في مصر، ولا تأخذ في الاعتبار تكاليف صحية وبيئية، وتكتفي بالمشاركة في برامج المسئولية الاجتماعية للشركات فيما لا تزال هناك أضرارًا تقع على السكان صحيًا واقتصاديًا.
تغيير النظام كمدخل للتعافي
النظام الذي يحتاج إلى تغيير لتجنب كارثة المناخ هو الرأسمالية، التي تفقد شرعيتها إلى حد كبير، ذلك بسبب الفشل في الاستجابة بفعالية لتغير المناخ.
وفقًا لماركس وإنجلز (1824)، فإن الثروة المادية التي خلقتها الرأسمالية في المائة عام التالية على ظهورها تجاوزت مجموع كل الأوقات السابقة من حيث النمو الهائل للإنتاجية. بينما وفق نظرية (جولد وشنايبرج 2003)، العلاقة بين الإنتاج والنظام البيئي علاقة مباشرة، من استغلال الموارد أو إنشاء المصانع أو استخدام المواد الكيميائية في مجالي الصناعة والزراعة.
اقرأ أيضًا: 113 مليون إفريقي مرشحون للهجرة بحلول 2050.. ما الذي يفعله التغير المناخي بسكان القارة؟
بعد قرون من ظهور الرأسمالية، أدت انبعاثات الغازات الدفيئة البشرية المنشأ إلى تفاقم وتسريع تغير المناخ، ما ساهم بشكل أكبر في حدوث ظواهر الطقس المتطرفة.
ومن الممكن أن نتخيل أن النظام الحالي الذي يحافظ على رأسمالية العمل كالمعتاد مشغول بمواصلة إنتاج وبيع واستهلاك المنتجات والخدمات التي تعتمد على الوقود الأحفوري، ويتم الحفاظ عليه أيضًا من قبل المستفيدين والمستثمرين في الطاقة الأحفوري.
نقل التلوث إلى الدول النامية
يستمر التدهور البيئي نتيجة للعولمة التي كانت إطارًا فعالًا لنقل الصناعات الملوثة من البلدان المتقدمة إلى البلدان النامية بشكل يتعارض مع أهداف التنمية المستدامة. وهنا، تبرز الحاجة إلى تحول سريع نحو اقتصادٍ خالٍ من الكربون.
وعلى الرغم من بعض الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة، إلا أنه لم يتم التعامل مع تغير المناخ كحالة الطوارئ.
ديمقراطية الطاقة
التغيير الذي نحتاجه يجب أن يصل أيضًا إلى السبب الجذري للمشكلة. هنا، تتحدث حركة Global Justice Now عن ضرورة إيجاد ما تسميه بـ”ديمقراطية الطاقة“. إذ تشير إلى أنها ستتحقق عبر إنشاء نظام يتحول بسرعة إلى مصادر الطاقة المتجددة، والحفاظ على الكهرباء لتكون في متناول الجميع. وحسبها، يمكن الجمع بين الملكية العامة والتعاونيات في إطار تغيير أولويات نظام الطاقة.
وضمن ديمقراطية الطاقة ومن أجل تحققها، نحتاج أيضًا إلى نظام نقل عام مجاني، يتم دفع تكاليفه من خلال الضرائب، ودعم الزراعة البيئية والانتقال العادل إلى الإنتاج الأخضر. ما يضمن عدم ترك العمال يعانون في الصناعات الملوثة.
كذلك هناك ضرورة إلى التحول التدريجي من استخراج النفط والفحم والغاز إلى مصادر متجددة، حتى يمكننا وقف تغير المناخ الجامح.
ومن أجل حدوث تحول بيئي حول العالم، يحد من التغيير المناخي، نحتاج إلى إعادة توزيع للثروة على مستوى عالمي، وتوسيع نطاق حقوق الإنسان ليشمل النظم البيئية.
الرأسمالية المصرية وتغير المناخ
محليًا، هناك مصالح راسخة تجعل التعافي البيئي صعبًا، بما فيها من وضع سياسات للحد من الانبعاثات، وهي ما قامت به بعض الدول في تجارب مماثلة لمواجهة التغيير المناخي.
يلعب القطاع الخاص دورًا مهمًا في تحقيق التنمية، وقد نصت خطة التنمية المستدامة للعام 2016/2017 على مساهمة القطاع الخاص بنسبة 55% من التمويل. وتشمل القطاعات ذات الأولوية للاستثمار الخاص الزراعة والبنية التحتية والمنتجات البتروكيماوية.
ووفقًا لتصريحات رسمية، يساهم القطاع الخاص بنسب تتراوح من 70-75% من الاقتصاد القومي، وفق بيانات أصدرها معهد الموارد العالمية في 2020 أنتجت مصر 310 ملايين طن من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في عام 2016. وهى نسبة تمثل 0.6% من الحصيلة العالمية البالغة 49.3 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون. بينما تنتج منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ما يقرب من 10% من 3.3 مليار طن.
انبعاثات قطاع الطاقة
كانت قطاعات الطاقة مسئولة عن 71.4% من الانبعاثات عام 2015، وتنتج ما يزيد قليلًا عن 221 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون. كما ساهم إنتاج الكهرباء والحرارة بـ (45%) من مجموع الأنشطة في قطاع الطاقة. بينما تسبب أنشطة قطاع الزراعة 32 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون. ما يمثل تقريبا 10.2% من إجمالي عام 2016. هذا وشكلت الزراعة 11.8% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر 11.05% في عام 2019.
وفي الوقت نفسه، كانت معالجة النفايات وإدارتها رابع أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري. حيث بلغت 27 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون في عام 2016 (8.6%). تنتج غازات الاحتباس الحراري من النفايات عندما يتم دفن النفايات والتخلص منها بدلًا من إعادة تدويرها.
حجم الضرر الواقع على السكان
أظهرت مجموعة من الأبحاث أن الكوارث المرتبطة بالمناخ قد أثرت على السكان بما في ذلك الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي وإدارة المياه والصحة العامة. وترتبط التأثيرات على إنتاج الغذاء والأمن الغذائي بالقيود المتوقعة على إمدادات المياه في المستقبل، بالإضافة إلى ارتفاع درجة الحرارة. وقد شهدت بعض المحاصيل المزروعة انخفاضًا كبيرًا في الإنتاج.
النساء والأطفال الأكثر ضررًا
تؤثر التغيرات المناخية على ملايين النساء المصريات اللاتي يعتمدن على القطاع الزراعي، ونسبة كبيرة منهن دخولهن منخفضة وغير مستقرة، وتعاني العاملات في الزراعة من الفقر، وسيزيد تغير المناخ الأمور سوءًا.
كما أن تغير المناخ يؤثر على صحة الأطفال، وفق تقرير “الأطفال والتغيرات المناخية“، وهناك روابط بين تغير المناخ والأمن الغذائي وصحة الطفل.
ليست المخاطر تتعلق وحسب بالتقزم والهزال، ولكن أيضًا بالبيئة المادية والطبيعية للطفل، بما في ذلك سوء الصرف الصحي والسموم الفطرية التي تنقلها الأغذية والعدوى بالطفيليات. يتأثر كل ذلك بتغير المناخ.
شركات الانبعاثات تتحالف مع مؤسسات الدولة
في مصر، هناك فجوة واضحة تتعلق بعدم محاسبة الشركات التي تعمل في مجال المواد البترولية كأولى الشركات المنتجة للانبعاثات الدفينة. وتتبنى شركات النفط والغاز في مصر استراتيجية التركيز على العمل الخيري دون مشاركة في معالجة ما تتعرض له البلاد من مخاطر تغيرات المناخ.
وتصور بعض شركات النفط والغاز الدولية أو المملوكة للدولة باعتبار المسئولية الاجتماعية نهجًا لرد الجميل بشأن الاحتياجات الاجتماعية للمجتمع فيما يتعلق بالتنمية المستدامة. بينما اهتمامها بالاحتياجات البيئية متراجعًا. إذ تميل إلى تقديم مشروعات تنمية المجتمع، وتركز على المشاريع التعليمية والطبية وتهدف إلى تحسين خدمات الرعاية الصحية.
شركات الطاقة الدولية
في مصر، شركة أباتشي للبترول ومقرها هيوستن، وشركة غاز دانا للنفط التي تتخذ من الشارقة مقرًا، ضمن شركات تشارك في العمل الاجتماعي من خلال الخدمات التعليمية والطبية.
وقد أسست شركة أباتشي مبادرة “سبرنج بورد” التي تهدف إلى “توفير فرص تعليمية للسكان المحرومين” وساهمت ببناء 201 مدرسة من فصل واحد، التحقت بها حوالي 7000 فتاة. كما وسع البرنامج مبادرته ليستهدف 1000 مدرسة. وتعمل أباتشي مع وزارة التربية والتعليم.
أما بالنسبة لشركة غاز دانا، فقد استثمرت 4 ملايين دولار في تحقيق التنمية المحلية في المواقع التشغيلية للشركة، وفي السنوات السبع الماضية نجحت في تطوير بعض المراكز الصحية المحلية والمدارس.
وبينما تستكشف شركات النفط والغاز كمياتها المستهدفة وتنتج أنواعًا مختلفة من الملوثات، تتغاضى الدولة عن محاسبتها فعليًا عن هذه الآثار القاسية بقبول خططها الاستراتيجية كتعويضات، وضمنها توسيع الخدمات الاجتماعية داخل المناطق المحرومة مثل فرص العمل والمرافق المدرسية وبرامج التدريب.
اقرأ أيضًا: 50 مليار جنيه خسائر مصر السنوية بدون الزراعة حتى 2030 جراء تغير المناخ
تجارب دولية تحاول معالجة الأخطار
دشنت مصر سابقًا تجربة منصة “آلية التنمية النظيفة” وكانت إحدى أكبر منصات تداول الكربون التي تديرها الأمم المتحدة. وهي عبارة عن نظام عابر للحدود مصمم لخفض التلوث في العالم النامي، وتسمح الآلية لمنظمات القطاعين العام والخاص في الدول الغنية بتحقيق أهدافها المتعلقة بالانبعاثات من خلال شراء أرصدة الكربون من المشاريع النظيفة في العالم النامي وتداولها في البورصات.
وتم إدراج العديد من المشروعات المصرية في آلية التنمية النظيفة من 2008-2013، بما في ذلك مزرعة الرياح بالزعفرانة، بالإضافة إلى مبادرات الحد من انبعاثات أكسيد للنيتروز.
ولكن هناك تعقيدات في الإجراءات لإصدار شهادات الكربون، والتي تتطلب موافقة وزارة البيئة وقد تستغرق عامًا. ونتيجة لانهيار أسعار الائتمان التي صاحبت الأزمة العالمية في 2008 توقفت هذه المنصة بعد خمس سنوات.
وقد كانت شركات النفط والغاز بارعة في توصيل الوقود. ولكن السؤال الذي تواجهه الآن هو ما إذا كان بإمكانها المساعدة في تقديم حلول مناخية.
تجارب تقليل الانبعاثات
اتخذت بعض البلدان بالفعل سياسات لتقليل الانبعاثات فعلى سبيل المثال، قدمت كازاخستان مخططًا لتبادل الانبعاثات، وعمل الأردن على التخلص التدريجي من دعم الوقود، وأنشأت المملكة العربية السعودية مؤخرًا سوقًا إقليمية لائتمان الكربون.
وقد أقر الكونجرس الأمريكي بندًا يزيد من الائتمان الضريبي الذي يمكن أن تتخذه محطات الطاقة والصناعات إما لتخزين أو استخدام الكربون المحتجز.
محليًا، يجب على الجهات الفاعلة في مجال الطاقة إعادة النظر في توسع أنشطة المسئولية الاجتماعية لشركات النفط والغاز الحالية، التي تهدف إلى تواجد مناسب لاستعادة وتنشيط البيئة الملوثة، وإعادة النظر فيها لصالح التعافي المستدام والطويل الأجل والفعال.
كما يجب إشراك المجتمعات في المفاوضات حول السياسات التي تتبعها الحكومة تجاه الشركات والمؤسسات التي من شأنها أن تساعدهم في الحفاظ على محيطهم وبيئتهم.