في الثامن من مارس، اليوم العالمي للنساء، يحتفل العالم بالدور الذي تلعبه النساء في حياة الأمم، ويسلط الضوء على مشكلاتهن، ومظاهر التمييز والعنف المبني على النوع الاجتماعي، والذي يخصم من حقوق المرأة. الاحتفال الذي ترجع جذوره باليوم العالمي للنساء إلى 1908، حين خرجت ما يزيد عن 15000 امرأة في مسيرة احتجاجية بشوارع نيويورك، للمطالبة بتقليل ساعات العمل، والسماح لهن بالتصويت في الانتخابات. وعلى إثر هذه الاحتجاجات، قرر الحزب الاشتراكي الأمريكي الاحتفال بأول يوم وطني للمرأة في العام 1909.
واليوم، وبعد عشرات السنين من هذه الاحتجاجات، لا تزال النساء تعاني من مظاهر العنف الاقتصادي ويتحملن بدرجة أكبر فواتير الأزمات الاقتصادية. بل يدفعن أثمانًا كبرى في إعالة عدد ضخم من العائلات التي بلا عائل.
النساء وأزمة مصر
محليًا، تشكل الأزمة الاقتصادية واحدة من أكبر التحديات التي يعيشها المواطنون، وضمن مظاهرها ارتفاع معدل التضخم، وانخفاض القيمة الشرائية للجنيه.
فقدت العملة المحلية، منذ نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2022، ثلث قيمتها، بينما وصل التضخم 20%، بعض خبراء الاقتصاد يعتقدون أن المعدل الحقيقي للتضخم أعلى من ذلك بكثير، ويقدرون أن المعدل غير الرسمي يصل إلى 101%. بينما أعلن البنك المركزي عن معدلات تضخم تجاوزت 31% خلال شهر فبراير/ شباط 2023.
هذه الأزمة تركت آثارها على التكاليف المعيشية للسواد الأعظم من المواطنين، فالارتفاع غير المسبوق، في أسعار الغذاء، دفع العديد من الأسر لخفض نفقاتها، والاستغناء عن بعض المواد الغذائية، والتي كانت إلى عهد قريب مستلزمات أساسية لكل أسرة.
وأمام الأزمة، أطلقت دعوات الاستغناء عن بعض السلع، أو تصنيعها منزليًا لتقليص النفقات، هنا يتضح جزء من فاتورة الأزمة وتداعياتها، التي تتحملها النساء، فهن مطالبات بالاستغناء وتقليص الإنفاق، وتصنيع مستلزمات غذائية منزليًا.
زيادة العنف الاقتصادي
يتضمن العنف الاقتصادي ضد المرأة أعمالًا مثل الحرمان من الأموال، ورفض المساهمة المالية، والحرمان من الغذاء والاحتياجات الأساسية، والتحكم في الوصول إلى الرعاية الصحية، والتوظيف.
ويمكن فهم العنف الاقتصادي أيضًا من خلال الإساءة الاقتصادية، التي تعني التسبب في/ أو محاولة جعل الفرد يعتمد ماليًا على شخص آخر، من خلال إعاقة وصوله إلى الموارد أو السيطرة عليها و/ أو عرقلة النشاط الاقتصادي المستقل.
غالبًا ما يقع العنف الاقتصادي من جانب صاحب السلطة العليا في الأسرة (الزوج، الأب، الأخ) ويتضمن حرمان المرآة من التعليم، والذي يقلل بالضرورة توافر فرص العمل. وكذلك الحرمان من الوصول إلى الموارد الاقتصادية بحرمانها من العمل أو الترقي.
كما يتضمن الاستيلاء على أموال النساء (الراتب، مدخرات، ميراث) واستغلال النساء في العمل المنزلي ورعاية الأطفال والخدمات الأخرى المتعلقة بالرعاية والمشاركة في المشروعات الاقتصادية الخاصة بالأسرة دون أجر. وهذه الأشكال من العنف الاقتصادي جزءًا من العنف الممارس ضد النساء.
تصبح المرأة عرضة للعنف الاقتصادي، عندما تمر المجتمعات بأزمات اقتصادية وصحية أو بيئية، ويصبحن في مقدمة صفوف الضحايا الذين يتحملون العبء الأكبر من الأزمة، سواء على مستوى حجم المسئوليات أو دفع فاتورة الأزمة بتجاهل احتياجاتها أو إنكارها.
تدابير كوفيد 19
كانت أزمة جائحة كوفيد 19 ضمن أكبر الأزمات الحديثة التي عاشها العالم، وشهدت معدلات عنف متزايدة ضد النساء، حيث كانت التدابير والإجراءات التي اتخذتها الدول من أجل مواجهة تفشي الفيروس هي نفسها الأسباب التي ساهمت في ارتفاع وتيرة العنف وفى مقدمتها قرارات الإغلاق، وتكلفتها الاقتصادية.
في الولايات المتحدة الأميركية، فقد 45 مليون شخص وظائفهم نتيجة أزمة الإغلاق، وحظيت النساء على النسبة الأكبر من فقدان الوظائف، حيث أن أكثر من 60% من الوظائف التي تم تسريح العمالة منها تشغلها نساء.
وفي بريطانيا، فقد أكثر من 6 ملايين شخص وظائفهم في 800 ألف شركة بسبب الإغلاق. وهو وضع استثنائي لم تمر به المملكة المتحدة من قبل. حيث بلغت القوى العاملة قبل الأزمة 33 مليون شخص لينهار العدد بشكل متسارع نتيجة الاغلاق الى 27.9 مليون شخص.
مؤشرات بطالة النساء
محليًا ووفق نتائج بحث القوى العاملة الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة، يبلغ معدل البطالة بين النساء من حملة المؤهلات المتوسطة وفوق المتوسطة والجامعية وما فوقها من بين الفئة العمرية (15–29) نحو 41.9%، بينما تصل بين الذكور من نفس الفئة إلى 13.5 %، وذلك خلال عام 2020.
وعلى المستوى الإجمالي من جميع الفئات العمرية لنفس العام، بلغ معدل البطالة للنساء 17.7%، بينما بلغ معدل البطالة بين الرجال 6%. وبلغ معدل البطالة بين ذكور الحضر 8.7% وبين ذكور الريف 3.2% بينما بلغ معدل البطالة بين إناث الحضر 21% مقابل 10.7% بين إناث الريف نتيجة مشاركة الإناث في الأنشطة الزراعية المختلفة خاصة التابعة للأسرة كان أغلبها أعمال غير مدفوعة الأجر.
لكن خلال الربع الأخير من عام 2022، ووفق بيانات بحث القوى العاملة الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، بلغت البطالة بين النساء 19.3% من إجمالي عدد النساء في قوة العمل، بينما نسبة البطالة بين الرجال 4.7% من إجمالي عدد الذكور في قوة العمل.
وفي مقابل ذلك، تحملت النساء عبء الرعاية الأسرية خلال فترة الإغلاق المرتبطة بكورونا، فكانت النساء مسئولة عن تدابير الاحتياجات الأسرية في ظل انخفاض دخل الأسرة. كما كانت مسئولة عن رعاية الأطفال بشكل أكبر نتيجة إغلاق المدارس.
المرأة تتحمل عبء الحل
وفي ظل الأزمة الاقتصادية بما فيها من ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع الغذائية، انتشرت دعوات لتصنيع وإعداد المواد الغذائية في المنازل لمواجهة ارتفاع الأسعار، مثل تدميس الفول، وإعداد المعجنات، اللحوم المصنعة، تخزين الخضروات وغيرها. وغُلفت الدعوات، بالفائدة الغذائية الأكثر نفعًا للمواد الغذائية المعدة في المنزل عن تلك الجاهزة.
وبدأت البرامج المخصصة للطهي بعرض الوصفات التي يمكن صنعها في المنزل والتخلي عن قرينتها المعروضة في الأسواق نتيجة ارتفاع ثمنها. وهي دعوة صريحة لزيادة الأعباء المنزلية التي تقوم بها النساء كجزء من التكيف مع الأزمة الاقتصادية. وهو ما يعد دليلًا على استغلال النساء وممارسة المزيد من العنف ضدهن كإحدى الأدوات والتدابير التي يمكن اتباعها لمعالجة أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة.
احتياجات النساء
في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية عملت الدولة على تخفيف نتائج الأزمة على المواطنين، واتخذت عددًا من الإجراءات والقرارات منها تخصيص 130 مليار جنيه للتعامل مع تداعيات الأزمة وتخفيف آثارها على المواطنين.
كذلك اتخذت الدولة 60 إجراءً لتعزيز الحماية الاجتماعية، والحد من التداعيات السلبية لارتفاع الأسعار، وبلغت حزم ومخصصات الحماية الاجتماعية في موازنة العام المالي 2022/2023، 356 مليار جنيه.
وضمن الإجراءات كان قرار التعجيل بزيادة الأجور والمرتبات والمعاشات، فزاد الحد الأدنى للعلاوات المقررة للعاملين بالدولة وتم التعجيل بموعد استحقاقها ليصبح أول إبريل/ نيسان 2022 بدلًا من يوليو/ تموز 2022 إلى جانب زيادة المعاشات بنسبة 13%، علاوةً على صـرف مساعدات اسـتثنائية لــ 9 ملايين أسرة لمدة 6 أشهر بتكلفة مليار جنيه شهريًّا. وذلك ضمن حزمة إجراءات تم الإعلان عنها في يوليو/ تموز 2022.
كما تم إقرار 300 جنيه علاوة شهرية استثنائية دائمة للموظفين والعاملين بالدولة خلال شهر أكتوبر 2022 وإقرار 300 جنيه منحة استثنائية شهرية لأصحاب المعاشات، وذلك لمواجهة غلاء المعيشة، والتخفيف عن المواطنين.
وبالرغم من إيجابية تلك الإجراءات لمواجهة الأزمة الحالية إلا أن قرارات الحكومة لم تشمل احتياجات تخص النساء. فعلى سبيل المثل وليس الحصر، لم تكن الفوط الصحية من بين السلع التي قررت الحكومة دعمها من أجل مواجهة الأزمة الاقتصادية برغم أهميتها للحفاظ على صحة النساء سواء على المستوى البدني أو النفسي.
ولا تزال الفوط الصحية تعتبر من بين السلع التكميلية في مصر، وهو دليل على تجاهل احتياجات النساء وخروج تلك الاحتياجات من حزمة التدابير المتبعة من قبل الحكومة لدعم المواطنين في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة