في وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت إسرائيل عن تسلل أحد المقاتلين، المشتبه في انتمائهم إلى حزب الله، من لبنان، والذي عبر الخط الأزرق -الذي رسمته الأمم المتحدة- وتهرب من الدوريات الحدودية وأنظمة الكشف عن بعد.
قطع المقاتل ما يقرب من ستين كيلو مترًا جنوبًا إلى مفترق مجيدو، وزرع عبوة ناسفة متطورة، من النوع الذي يستخدمه حزب الله عادةً، مما أدى إلى إصابة فلسطيني بجروح خطيرة عند تفجيرها. ثم استقل سيارة عابرة، بينما كانت قوات الأمن تقود عملية مطاردة. عندما أوقفت السلطات السيارة بالقرب من بلدة يارا الحدودية، خرج السائق من السيارة، لكن منفذ التفجير -الذي كان يحمل أسلحة وحزام ناسف- رفض، وسرعان ما قُتل بالرصاص.
في تحليله حول تغيير قواعد الصراع بين حزب الله وإسرائيل، يشير ماثيو ليفيت زميل معهد واشنطن/ TWI، ومدير برنامج رينهارد لمكافحة الإرهاب والاستخبارات. إلى أن الحادث هو الأحدث في سلسلة طويلة من جهود حزب الله المتصاعدة لتغيير التفاهمات والخطوط الحمراء التي تحكم صراعه مع إسرائيل.
يقول: لم تعلن السلطات الإسرائيلية -حتى الآن- عن النتائج التي توصلت إليها بشأن هوية المشتبه به. لكن الجيش وجهاز المخابرات -الشاباك- يعتقدان أنه كان يعمل نيابة عن حزب الله.
في الوقت نفسه، أعلنت مجموعة لم تكن معروفة من قبل عن الهجوم على موقع تيليجرام/ Telegram، وتطلق على نفسها اسم ” قوات الجليل- الذئاب المنفردة”. ونشرت أيضًا صورًا لمواقع ومسئولين إسرائيليين مختلفين، مع تسمية توضيحية تقول “الأهداف التالية”.
اقرأ أيضا: لبنان| شروط الاستفادة من ثروة الطاقة “المتوقعة”.. 3 معضلات وأمل
لكن، يشير ليفيت إلى أن السلطات الإسرائيلية تنظر إلى هذا الادعاء على أنه دعاية تهدف إلى تشتيت الانتباه عن دور حزب الله.
يقول: في النهاية، القليل من الأحداث عبر الحدود دون موافقة حزب الله، والجهاز المستخدم في الهجوم من النوع المرتبط بالتنظيم، وليس الفصائل الفلسطينية.
تحديث الخطوات
عندما نشر حزب الله الجزء الأكبر من قواته للدفاع عن نظام الأسد خلال الحرب الأهلية في سوريا، سعى لكسب الوقت فيما يتعلق بقتاله مع إسرائيل. كان هذا يعني التركيز على مشاريع طويلة الأجل من شأنها تحسين قدرته على مهاجمة إسرائيل في وقت لاحق، مثل الاستثمار في أنفاق الهجوم العابرة للحدود، واستيراد وتطوير صواريخ دقيقة التوجيه.
يوضح مدير برنامج رينهارد لمكافحة الإرهاب والاستخبارات أن حزب الله أمضى سنوات وأنفق أموالا كبيرة في المشروع الأول. حيث قام ببناء الأنفاق التي كشفتها إسرائيل في ديسمبر/ كانون الأول 2018 ودمرتها خلال الأشهر القليلة الماضية. بينما لا يزال المشروع الثاني يشكل تهديدًا، على الرغم من جهود إسرائيل لمنع عمليات النقل المتعلقة بالصواريخ عبر سوريا، والكشف علنًا عن منشآت الصواريخ العاملة في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان في لبنان.
يقول: في الآونة الأخيرة، مع عودة الغالبية العظمى من قواته إلى لبنان، كان حزب الله حريصًا على إعادة تأسيس أوراق اعتماده في “المقاومة”، وإن كان ذلك بطريقة تقلل من احتمالية حدوث انتقام عسكري إسرائيلي واسع النطاق.
يوضح ليفيت أنه في الفترة التي سبقت حرب عام 2006، أخطأ الأمين العام حسن نصر الله بشكل كبير في تقدير كيفية رد إسرائيل على اختطاف جنودها عبر الحدود. ومع ذلك، وفقًا لمحللين إسرائيليين، يعتقد الآن أنه يستطيع التنبؤ بسلوك العدو بشكل أكثر دقة، مما دفعه إلى زيادة حدة لهجته، والموافقة على سلسلة من الإجراءات العدوانية المتزايدة على مدى السنوات الثلاث الماضية.
دفاعات جوية
في السابق، كان “التفاهم غير المكتوب” هو أن حزب الله لن يهاجم إسرائيل، ما دامت القوات الإسرائيلية تقتصر على استهداف شحنات أسلحتها في سوريا، ولن يتم تجاوز الخطوط الحمراء للجماعة إلا إذا قصفت إسرائيل أهدافًا على الأراضي اللبنانية، أو قتلت أفراد الجماعة في أي بلد.
حدث هذا في 1 أيلول/ سبتمبر 2019، عندما أطلق حزب الله صواريخ مضادة للدبابات على سيارة إسعاف عسكرية إسرائيلية كانت تسير بين بلدات أفيفيم وييرون الحدودية، في رد -على ما يبدو- على هجومين إسرائيليين، تمثلا في غارة جوية قتلت عنصرين من حزب الله في سوريا، وغارة بطائرة مسيرة في بيروت، استهدفت خلاط وقود يستخدم في صناعة الصواريخ الموجهة بدقة.
لكن في الوقت نفسه، بدأ حزب الله في اتخاذ خطوات لتغيير قواعد اللعبة. بعد غارة الطائرات بدون طيار في بيروت عام 2019. عندما تعهد نصر الله بإسقاط طائرات الاستطلاع الإسرائيلية بدون طيار من سماء لبنان، سواء كانت متورطة في الهجمات أم لا.
يقول ليفيت: بحلول فبراير/ شباط 2022، كان يتفاخر نصر الله بأن قدرات حزب الله المضادة للطائرات أجبرت إسرائيل على الحد بشكل كبير من طلعات المسيرات فوق جنوب لبنان، والامتناع عن أي تحركات جوية من هذا القبيل فوق وادي البقاع.
ويشير إلى أن قائد سلاح الجو الإسرائيلي، عميكام نوركين، أكد بعض هذه المزاعم في إبريل/ نيسان، عندما اعترف بـ “الدفاعات الجوية العدوانية لحزب الله”، وأشار إلى أنه كاد يسقط طائرة إسرائيلية بدون طيار في عام 2021، ووصف الخمول الناتج عن وقف تحليق المسيرات المختصة بجمع المعلومات الاستخباراتية بأنه ” لم يعد لدى إسرائيل الحرية الكاملة في التصرف في لبنان “.
بالمثل، خلال الخطاب نفسه في أغسطس/ آب 2019 الذي هدد فيه بإسقاط طائرات إسرائيلية بدون طيار. حذر نصر الله الجنود الإسرائيليين المتمركزين على طول الحدود ليكونوا على أهبة الاستعداد. قال “بدءًا من اليوم، يجب أن تقف على ساق ونصف وتنتظرنا”.
وفي يوليو/ تموز 2020، أفادت التقارير أن الجيش الإسرائيلي أحبط هجوما داخليا لعناصر من حزب الله.
اقرأ أيضا: الساحة الفلسطينية.. تحذيرات من الفوضى
طائرات بدون طيار
سرعان ما أدى انفجار مرفأ بيروت في أغسطس/ آب 2020 إلى صرف انتباه حزب الله عن التوترات المتصاعدة، على الأقل فيما عدا زيادة نقاط المراقبة التابعة له على طول الخط الأزرق. لكن، يشير مدير برنامج رينهارد لمكافحة الإرهاب والاستخبارات، إلى أن خطاب التهديد عاد مرة أخرى في عام 2021.
يقول: عندما أرسلت إيران شحنة من النفط إلى لبنان في أغسطس/ آب 2021، حذر نصر الله، علنا، من أن أي هجوم على السفينة سيعتبر هجومًا على الأراضي اللبنانية، وبالتالي سيؤدي إلى رد حزب الله.
وهو بيان وصفه ليفيت بأنه “محفوف بالمخاطر، وسط تصعيد متبادل بين إسرائيل وإيران، ضد مصالح الشحن الخاصة ببعضهما البعض”.
في يوليو/ تموز 2022، زاد نصر الله المخاطر، من خلال التهديد باستهداف منصات الغاز الطبيعي البحرية الإسرائيلية، إذا بدأت في الاستخراج من حقل كاريش قبل التوصل إلى اتفاق حدودي بحري مع لبنان. بعد ذلك بوقت قصير، أُسقطت ثلاث طائرات مسيرة تابعة لحزب الله في طريقها إلى منصة كاريش.
يقول ليفيت: على الرغم من أن التحقيقات اللاحقة أشارت إلى مسيرات حزب الله لم تكن مسلحة، إلا أن الرسالة كانت واضحة.
بالفعل، حذر نصر الله من أن هذه الطائرات هي “البداية فقط”، وتعهد بخوض الحرب بشأن قضية الغاز إذا لزم الأمر. وأتبع حزب الله ذلك بفيديو دعائي، يظهر لقطات بطائرة بدون طيار لحقل كاريش يُستهدف -على ما يبدو- بسلاح.
يؤكد زميل معهد واشنطن أن استعداد نصر الله للمخاطرة بالصراع مع إسرائيل كان مدفوعًا -جزئيا- بالضغوط الاقتصادية والسياسية المحلية.
يقول: لا شك أنه استمتع بفرصة إخبار الشعب اللبناني أن أسلحة حزب الله قد وفرت حماية لتسليم النفط من إيران وحصلت على صفقة أفضل على الحدود البحرية وحقل الغاز. ومع ذلك، بدا أنه يعتقد أيضا أنه من غير المرجح أن ترد إسرائيل بطريقة جادة على تهديداته، نظرا لترسانة حزب الله للصواريخ الدقيقة، وأنظمة الدفاع الجوي الموسعة.
المخاطر الحالية للتصعيد
خلال مناوشات كاريش، قدر نصر الله أن إسرائيل ستقلص رحلات طائراتها بدون طيار، وستمتنع عن مهاجمة شحنة النفط الإيرانية، وتؤخر استخراج الغاز حتى يتم إبرام الاتفاقية البحرية. يلفت ليفيت إلى أنه “في كل مرة كان تقييمه صحيحًا”.
لذلك، السؤال الذي يناقشه محللو المخابرات الإسرائيلية الآن، هو ما إذا كانت هذه السلسلة من التقييمات الدقيقة قد شجعت نصر الله على تحمل مخاطر أكبر؟
في 6 مارس/ آذار، قبل أسبوع من تفجير “مجيدو “، زعم نصر الله أن حزب الله قيد حرية إسرائيل في العمل، من خلال إعادة إقامة “توازن الردع”. وفي إشارة إلى الاضطرابات السياسية المستمرة في البلاد، أعلن أن إسرائيل على شفا حرب أهلية وخلص إلى أن “كل المؤشرات تشير إلى نهاية الدولة اليهودية”.
أيضا، بالإضافة إلى القصف، شهد هذا الشهر تقارير متزايدة عن مضايقات عبر الحدود ضد الإسرائيليين. مثل توجيه أشعة الليزر على السائقين والمنازل، والتسبب بانفجارات مدوية على الحدود اللبنانية، وصب مياه الصرف الصحي باتجاه البلدات الإسرائيلية. كما عطل حزب الله الجهود الإسرائيلية لتعزيز الحاجز الأمني في عدة نقاط على طول الخط الأزرق.
يؤكد ليفيت أن “هذه العدوانية الزاحفة”، حسب تعبيره، إلى جانب إحساس نصر الله بأنه ردع إسرائيل وأضعف موقفها العسكري. تشير إلى أن حزب الله سيستمر. بينما من جهته، تعهد وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف جالانت، بأن “المسئول عن الهجوم سوف يندم عليه. سنجد المكان والزمان المناسبين وسنضربهم “.
وينصح الإسرائيليين بأنه “يمكن أن يتأثر اتخاذ القرار بشأن هذا الرد، ليس فقط بالاعتبارات الأمنية، ولكن أيضًا بالتشكيل المتشدد للحكومة ورغبتها في تهدئة الأزمة الداخلية الإسرائيلية”.
بعبارة أخرى، توفر عوامل متعددة، على كلا الجانبين، فرصا كبيرة لسوء التقدير والتصعيد غير المقصود.