وافق البنك الدولي أمس الأربعاء على برنامج شراكة قُطرية جديدة مع مصر لمدة أربع سنوات، تستمر حتى 2027، تحصل القاهرة بموجبه على تمويل بقيمة 7 مليارات دولار، موزعة ببين مليار دولار سنويًا من البنك الدولي للإنشاء والتعمير، وملياري دولار خلال فترة الشراكة بأكملها من مؤسسة التمويل الدولية.
يأتي ذلك فيما تعاني مصر من فجوة تمويلية بقيمة 17 مليار دولار. وقد تعهدت الحكومة بسد هذه الفجوة عبر برنامج صندوق النقد الدولي، وتأمين قروض من شركاء إقليميين وعالميين. وكذلك من بيع عدد من الأصول المملوكة للدولة. وأعلنت -في هذا السياق- بالفعل عن قائمة تضم 32 شركة مملوكة للدولة عبر 18 نشاطًا اقتصاديًا مختلفًا سيتم إدراجها أو عرضها على المستثمرين الاستراتيجيين.
التمويل الجديد من البنك الدولي إنما يأتي في وقت يجري صندوق النقد الدولي أول مراجعة لبرنامج التمويل الخاص بمصر والذي سيتم تقييمه مرتين سنويًا في مارس/ آذار وسبتمبر/ أيلول حتى نهاية البرنامج في سبتمبر/ أيلول 2026، وبناءً عليه ستصرف شرائح متساوية بقيمة 347 مليون دولار.
وبموجب برنامج صندوق النقد التزمت مصر بسعر صرف مرن للعملة وأسعار وقود مرنة، مع الإلغاء التدريجي للدعم، ودور أكبر للقطاع الخاص، وتوسيع الإنفاق على برامج الأمان الاجتماعي، بالإضافة إلى مجموعة من الإصلاحات النقدية والمالية. هذا فضلًا عن رفع أسعار الوقود بمقدار 0.75 جنيه للبنزين 80 وجنيه للبنزين 92 و 0.75 جنيه للبنزين 95، لتصبح 8.75 جنيه للتر البنزين 80 و10.25 جنيه للتر البنزين 92 و11.50 جنيه للتر البنزين 95.
البنك الدولي.. أهداف تنموية محددة
التمويل الجديد من البنك الدولي يركز على أهداف محددة؛ أولها تحقيق تنمية خضراء قادرة على الصمود وشاملة للجميع، وزيادة فرص العمل غير الحكومية، وتحسينها وتهيئة بيئة داعمة للاستثمارات، وتكافؤ الفرص أمام القطاع الخاص، إلى جانب تعزيز نواتج رأس المال البشري بمساندة تقديم خدمات صحية وتعليمية أفضل تشمل الجميع، فضلًا عن برامج الحماية الاجتماعية الفعالة.
وقد صرحت مارينا ويس، المديرة القُطرية لمصر واليمن وجيبوتي، بأن البرنامج “يضع الشعب المصري في قلب استراتيجيته، مع التركيز بشكل كبير على خلق فرص العمل من خلال تحسين بيئة الأعمال”.
يرتبط التمويل المتاح أيضًا بتعزيز التجارة الإقليمية، وزيادة خدمات الربط البيني في مجالات البنية التحتية والنقل والطاقة والعمالة، ومساندة طموحات مصر في أجندة التخفيف من حدة تغير المناخ والتكيف معه في المنطقة خاصة بعد رئاستها لمؤتمر المناخ السابع والعشرين “كوب 27”.
قروض طويلة لقطاعات حيوية
يشجع البنك الدولي علي التنمية الاقتصادية والحد من الفقر من خلال توفير الدعم الفني والمالي لمساعدة البلدان الأعضاء على إصلاح قطاعات معينة أو تنفيذ مشروعات محددة – مثل بناء المدارس وتوفير المياه والكهرباء ومكافحة الأمراض وحماية البيئة.
القروض التي يقدمها البنك الدولي هي مساعدات طويلة الأجل بصفة عامة، وتمول من مساهمات البلدان الأعضاء ومن خلال إصدار السندات، وأغلب موظفي البنك الدولي من المتخصصين في قضايا متخصصة مثل المناخ، أو قطاعات محددة كالتعليم، وتختلف القروض التي يوجهها عن صندوق النقد، فالأخير يركز على قضايا الاقتصاد الكلي والاستقرار المالي في حين يركز البنك على التنمية الاقتصادية طويلة الأجل والحد من الفقر.
أما الصندوق فهو جهة تقدم مشورة بشأن السياسة الاقتصادية وقروضه قصيرة ومتوسطة الأجل لمساعدة البلدان الأعضاء التي تواجه مشكلات في ميزان المدفوعات والوفاء بالتزاماتها الدولية (سداد قروض أو فائدة).
وتُمَوَّل قروض الصندوق أساسًا من المساهمات التي تدفعها البلدان الأعضاء في شكل اشتراكات للعضوية، ومعظم موظفيه من الاقتصاديين المتخصصين في السياسات المالية والاقتصادية الكلية.
لكن البنك الدولي وصندوق النقد يتفقان مًعا على أن مصر بحاجة إلى الحد من دور الدولة في الاقتصاد لمنح المؤسسات الخاصة المزيد من الفرص.
تحديات اقتصادية صعبة
خفضت وزارة التخطيط توقعاتها لنمو اقتصاد البلاد في نهاية العام المالي 2023/2022 إلى4.2%، مقارنة بالتوقعات السابقة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي عند 5%، بما يتماشى مع توقعات وزارة المالية بأن يتراوح النمو بين 4 و5%.
توقع صندوق النقد الدولي، والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، والبنك الدولي، ووكالة فيتش للتصنيف الائتماني، نمو الناتج المحلي الإجمالي لمصر في نطاق “4 ـ 4.8% خلال العام المالي الحالي.
وبلغت نسبة رصيد الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي 32.4% نهاية سبتمبر 2022، وهي لا تزال في الحدود الآمنة؛ وفقا للمعايير الدولية. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يتراجع الدين الخارجي لمصر بنهاية يونيو/ حزيران المقبل إلى 151.2 مليار دولار مقابل155.7 مليار دولار في نهاية يونيو الماضي.
البنك والصندوق
يقول الدكتور وليد جاب الله، الخبير الاقتصادي، إن مصر ومجموعة البنك الدولي يربطهما تاريخ طويل من التعاون بعدما ساهم في تمويل الكثير من مشروعات التنمية كمشروع تنمية الصعيد ومشروعات الطاقة المتجددة والبنية التحتية، وتطوير التعليم وغيرها من المشروعات التي تتم وفقا لاستراتيجية التنمية المصرية.
ويرى أن البرنامج الجديد يدعم مسار التنمية المصري ويوافق في ذات الوقت سياسات وتوجهات مجموعة البنك الدولي، واستمرار البرنامج حتى عام 2027 مع مجموعة البنك الدولي يتضمن في ذاته شهادة ثقة من المجموعة على سلامة توجهات الاقتصاد المصري بصورة تجعلها تمول مشروعات دون تردد.
وهذا المسار لا يتعارض ولا يشكل بديلًا عن التعاون مع صندوق النقد الدولي، كما يوضح جاب الله، بل أن هذه الشراكة يمكن أن تكون نتيجة لاتفاق مصر مع الصندوق، وفي إطار تكاملي معه، حيث تتعاون مصر مع المؤسسات الدولية كافة في إطار استراتيجيها للتنمية وبما يتوافق مع أهداف كل مؤسسة.