في محاولة لمواجهة التضخم، طرحت الحكومة مؤخرًا حزمة من إجراءات الحماية الاجتماعية للعاملين بالدولة، للمساعدة على مجابهة ارتفاع الأسعار، تضمنت القرارات الحكومية صرف منحة غلاء معيشة في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، وزيادة تُقدر بـ 1000 جنيه على الدخل الشهري للعاملين في القطاع العام وقطاع الأعمال.
لكن، العمالة غير المنتظمة، والتي تفوق نصف قوة العمل البالغة 30 مليونًا، لم تلتفت إليها هذه القرارات، وهي قوة تقدر بما يقارب 17 مليون عامل.
وفق القانون، يتم الاعتراف بهذه القوة من العمالة غير المنتظمة، ضمن المادة (26) من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003، وتشمل عمال الزراعة الموسمية، والمناجم والمحاجر والمقاولات، لكنها منسية على جانب آخر من اهتمامات الحكومة، وتغيب عنها أوجه الرعاية الاجتماعية والصحية.
والعمالة غير المنتظمة، وإن حملت همومًا مشتركة، فإنها ليست كتلة واحدة، وبالأرقام بلغت نسبة المشتغلين خارج المنشآت 44 % من إجمالي العاملين، جميعهم خارج منظومة التأمين والحماية الاجتماعية والصحية، في حين يحصل القطاع الخاص على نسبة 35 % من العاملين، ونحو 21 % في القطاع الحكومي وقطاع الأعمال العام.
والسؤال: ما الذي يعوق حصول هذه القوة العاملة على مزايا الحماية الاجتماعية التي طرحتها الحكومة مؤخرًا؟
اقرأ أيضًا: أجور القطاع الخاص تحت رحمة “الظروف”.. خبير: التوافق أفضل.. برلماني: المساواة الحل.. نقابي: نرفض التمييز
محدودية المساعدات
يشير سعد شعبان رئيس الاتحاد الديمقراطي للعمال، في حديث لــ “مصر 360” إلى صعوبات تواجه العاملين في الحصول على المساعدات ومزايا إجراءات الحماية الاجتماعية، رغم محدوديتها، من بينها، صعوبات في عملية الحصر وتسجيل العمالة غير المنتظمة.
بينما يقول عبد الوهاب خضر المتحدث باسم وزارة القوى العاملة لـ”مصر 360″، أن العمالة غير المنتظمة تحصل على منح مستمرة في المناسبات ولكن بشرط أن يكون العامل مسجلًا على قاعدة بيانات الوزارة.
يشير خضر إلى وجود حسابات تمول من أرباح الشركات، كما تصرف القوى العاملة جزءا من مخصصات صندوق الطوارئ لدعم الشركات المتعثرة وصرف المرتبات المتوقفة، وخلال أزمة كورونا، صرفت الوزارة مليارًا و200 مليون جنيه لقطاع السياحة فقط.
واستكمالًا للمعوقات التي أشار إليها شعبان، فإنه حال تقدم العامل بطلب إعانة تقوم الوزارة بعمل بحث للتحقق من البيانات، ويقوم مفتشو العمل بعملية بحث الطلب في المحافظات، وهي عملية تتطلب تكاليف في البحث والانتقال لإثبات صحة البيانات المقدمة من طالبي المساعدات.
وغالبا تكون عمليات التحقق ورقية، ويشترط للحصول على مساعدات أن يكون العامل مسجلًا لدى وزارة القوى العاملة، وغير قادر على الكسب، وغير مؤمن عليه.
ويشير سعد إلى أن بعض مفتشي العمل غير مؤهلين وغير مدربين للتعامل مع العمالة غير المنتظمة، ويعتمد بعضهم على أسلوب الترهيب وعمل محاضر للباعة الجائلين وعمال المقاولات.
بينما عملية التسجيل تحتاج وضع حوافز لجذبهم وتوضيح مدى الاستفادة التي ستعود على العامل، منها حصوله على المنح والإعانات والتأمين الاجتماعي.
ضبط سوق العمل
يرى دكتور أحمد البرعي وزير التضامن الأسبق أن هناك اضطرابًا شديدًا في سوق العمل، وهو ما يعمق الأزمة إلى جانب مشكلات التشريعات الاجتماعية، وقانون العمل.
وعن مشكلة الأجور، يقول البرعي لـ “مصر 360″ أنه يجب تمثيل كافة أصحاب المصلحة فى قانون العمل الجديد، ذلك ضمن جوانب معالجة مشكلات تتعلق بالأجر، لكنه يرى أن أغلب النصوص المطروحة للنقاش لا تختلف كثيرًا عن القانون الحالي.
نيازي مصطفى خبير التشريعات ومستشار وزارة القوى العاملة سابقًا، يشرح لـ”مصر360″ كيف تواجه العمالة غير المنظمة مشكلة في الاستفادة من العلاوات وزيادة الأجور بما يتناسب مع الأوضاع الاقتصادية والغلاء، لكونهم يعملون عند أرباب العمل بأجر غير ثابت:” لا يمكن إلزام صاحب العمل بزيادة هذا الأجر بنسب معينة”.
ويضيف مصطفى:” وكذلك جزء كبير منهم يعمل لحساب أنفسهم مثل الباعة الجائلين، والسائقين”.
ويستكمل كمال عباس المدير التنفيذي لدار الخدمات النقابية في حديث مع “مصر 360” تعداد المعوقات والمشكلات التي تواجه العمالة غير المنتظمة، فهي تفتقد إلى الرعاية الصحية، ولا يشملهم قانون التأمينات، ويعول عباس على مشروع قانون العمل الجديد أن يتضمن ضوابط تمنع استغلال مقاولي التوظيف وأن يشمل حماية العمالة غير المنتظمة.
أجر يرتبط بالتضخم
يرى البرعي أن الأجر والعلاوة لا يمكن تحديد أرقام قاطعة وثابتة لهما في القانون، بل يجب ربطهما بمستوى المعيشة والتضخم، حتى “لا نحتاج لتغيير القانون كلما تغير الوضع الاقتصادي والاجتماعي للعمال”.
يشاركه هذه الرأي، المدير التنفيذي لدار الخدمات النقابية، الذي يؤكد على أهمية تطبيق الزيادات في جميع القطاعات.
الحصر والتسجيل.. حل فوري
يقول نيازي لـ “مصر 360″ يصعب إقرار أي علاوات للعمالة غير المنتظمة، باستثناء عمال المقاولات الذين يمكن إلزام صاحب العمل بتسجيلهم شرط الحصول على الرخصة، هؤلاء يمكن النظر في أمرهم ورفع أجورهم، خاصة وأن قانون العمل يعطي للقوى العاملة رسم تشغيل العمالة غير المنظمة”.
ومن ناحيته يبين رئيس الاتحاد الديمقراطي للعمال، أنه حتى اليوم لا يوجد حصر شامل لهذه الفئة بوزارة القوى العاملة حيث تعتمد الوزارة على تسجيل العمال لأنفسهم، كما لا يصل مفتشو القوى العاملة إلى العمال الزراعيين وأغلبهم لا يجيدون التعامل مع الانترنت حتى يتمكنوا من تسجيل أنفسهم.
بينما تلفت المحامية الحقوقية رحمة رفعت إلى القرار الوزاري لسنة 2015 الخاص بتسجيل العمالة غير المنتظمة ومتابعتها. تقول رفعت لـ”مصر 360″ أن هذا القرار لم يطبق رغم مرور سبع سنوات على صدوره، وتضيف أن وزارة القوى العاملة لم تسجل العمال وهو أمر غير ممكن على المستوى العملي دون وجود نقابات لهؤلاء العمال وآليات تشغيل وفقا للمعايير الدولية.
تشير رفعت إلى ضرورة أن يتضمن مشروع قانون العمل الجديد، ضوابط لتشغيل العمال عن طريق المقاولين أو شركات التوظيف، تنطوي على حظر تقاضي المقاول أية مبالغ من أجر العامل، والمساواة بين عمال صاحب العمل الأصليين، وعمال المقاول، وأن يكون المقاول وصاحب العمل متضامنين في الوفاء بحقوق العمال.
وبحسب شعبان، فإن كثيرًا من أصحاب الأعمال اقترضوا بالدولار وتعثروا في ظل عجزهم عن تصريف منتجاتهم، فكان بعض العمال ضحايا التسريح وتم استبدالهم بعمالة غير منتظمة حتى لا يلتزم صاحب العمل بدفع ضرائب وتأمينات.
ويطالب سعد بضرورة وضع حوافز لصاحب العمل الذي يُشغِل 100 عامل فما فوق، كما يقترح تخفيض الضرائب أو خصم من شرائح الخدمات ويكون مقابل هذه الحوافز الاحتفاظ بالعمالة وتسجيلها وهذه الإجراءات طبقتها من قبل دول أخرى، مثل المغرب والجزائر.