خلال 5 أيام، ترفع وزارة المالية مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2023/2024، إلى مجلس النواب؛ لمناقشته وإقراره نهاية العام المالي الحالي في 30 يونيو/ حزيران المقبل، وسط ملامح لمستهدفات طموحة رغم استمرار تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، التي تفرض ضغوطًا على أسعار الوقود والمواد الغذائية الأساسية.
ينص الدستور المصري في المادة 124 منه على أن يُعرض مشروع الموازنة العامة للدولة على مجلس النواب قبل تسعين يومًا على الأقل من بدء السنة المالية، ولا تكون نافذة إلا بموافقته عليها، ويتم التصويت على جميع أبوابها، وحال عدم موافقة المجلس على المشروع قبل أول يوليو/ تموز، يتم مد العمل بالموازنة القائمة لحين إقرار الجديدة.
تحديات قائمة
يواجه مشروع الموازنة ظروفًا اقتصادية شديدة التعقيد، إذ تعاني مصر جراء تعدد الصدمات الخارجية، بداية من الحرب الروسيةـ الأوكرانية، والموجة التضخمية التي طالت جميع الاقتصاديات، وارتفاع أسعار الفائدة حول العالم، وصعوبة الوصول لأسواق المال العالمية للحصول على سيولة.
يفترض مشروع الموازنة ارتفاع أسعار السلع الأساسية ومدخلات الإنتاج، واستمرار السياسات النقدية التقييدية المتبعة من قبل البنوك المركزية التي ستجعل الفائدة مرتفعة، ما يلقي بأعباء شديدة على الاقتراض الخارجي، ويقلص المساحات التمويلية المتاحة لدول العالم الثالث.
ترجح وزارة المالية تسجيل النفط مستوى 92 دولارًا في 2023 ينخفض إلى 80 دولارًا في 2024، وزيت الصويا مستوى 1550 دولارا في 2023 و1537 دولارًا في 2024، والذرة 290 دولارًا في 2023 و287 دولارًا في 2024، والقمح الأمريكي 410 دولارات في 2023 و405 في 2024، وزيت النخيل 1050 دولارًا في 2023، مقابل 1054 دولارًا في 2024.
مع استمرار سياسات التقييد النقدي، ترجح الوزارة متوسطًا لسعر الفائدة على الأذون الحكومية عند 15% في 2023/2024 على أن يهبط إلى 14% خلال العام التالي، و13.5% في 2025/2026، و13% في 2026/2027.
الدين الحكومي
يستهدف مشروع الموازنة ارتفاع معدل نمو الإيرادات إلى حوالي 31% لتصل لأكثر من 2 تريليون جنيه، مقابل 1.5 تريليون و18 مليار جنيه في الموازنة الحالية، وزيادة المصروفات بنمو حوالي 30.5% لتصل لحوالي 2 تريليون و838 مليار جنيه مقابل إنفاق متوقع يبلغ 2 تريليون و71 مليار جنيه في الموازنة الحالية بزياد قدرها 767 مليار جنيه.
يأتي مشروع الموازنة مواكبًا لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي تبنته الحكومة بالتعاون مع صندوق النقد. إذ ينص على عودة المسار النزولي لنسبة المديونية الحكومية للناتج المحلي بدءًا من العام المالي 2022/2023، مع استهداف خفض المديونية لأقل من 80% من الناتج لمحلي بنهاية العام المالي 2026/2027 مقابل 87.2% بنهاية يونيو/ حزيران 2022.
يستهدف المشروع، أيضًا، تخفيض دين أجهزة الموازنة العامة إلى الناتج المحلي إلى 90.1% في العام المالي الجديد مقابل 92.3% في العام 2022/2023 على أن يهبط إلى 87% في 2024/2025، ثم إلى 83.3% في 2025/2026 ثم 79.8% في 2026/2027.
تستهدف الحكومة خفض تكلفة الاقتراض وخدمة الدين الحكومي لتصل فاتورة خدمة أجهزة الدين إلى 6.5% من الناتج المحلي خلال العام المالي 2026/2027 مقارنة بـ 7.6% بموازنة العام المالي 2022/2023 ما يقلل نسبة الفوائد لإجمالي مصروفات الموازنة لأقل من 30% مقارنة بنسبة مستهدف 33.4% خلال العام المالي 2022/2023.
تسعى وزارة المالية لتحقيق تلك الخطوة عبر إطالة عمر دين أجهزة الموازنة ليقترب من 5 سنوات في المدى المتوسط بدلًا من 3 سنوات، حاليًا، ما يقلل الحاجة للتمويل السريع. وهو أمر مرهون بخفض إصدارات الأذون، الأدوات قصيرة الأجل واستبدالها بإصدارات سندات حكومية متوسطة وطويلة الأجل، واستهداف أدوات دين حكومية لتوسيع قاعدة المستثمرين، وجذب سيولة إضافية لسوق الأوراق المالية الحكومية لتخفيض تكلفة الدين.
يستهدف مشروع الموازنة تحقيق معدل عجز كلي بنحو 6.37%، ينخفض إلى 6.1% حال عدم احتساب المنح، وذلك مقابل 6.7% خلال العام المالي الحالي، و5.5% مستهدفة للعام المالي 2024/2025، و4.8% في العام 2025/2026.
ماذا عن عجز الموازنة؟
بحسب الدكتور فخري الفقي، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، فإن مجلس النوب سيركز على مدى الوفاء بالاستحقاقات الدستورية، التعليم والصحة والبحث العلمي، الذي لا يقل الإنفاق عليه عن 10% من الناتج المحلي، وتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي والهيكلي، مؤشرات النمو أو التشغيل أو عجز الموازنة أو دين عام واحتياطي نقد أجنبي وميزان مدفوعات، إضافة إلى معدل التضخم وسعر الصرف.
يقول الدكتور إسلام شوقي، الخبير الاقتصادي، إن مشروع الموازنة العامة للعام 2023/2024 يجب أن يتضمن إجراءات حكومية للتقشف وزيادة إيرادات الموازنة وترشيد النفقات وتقليص الاقتراض لسد عجز الموازنة، والتوسع في شبكة الحماية الاجتماعية بجانب زيادة الإنفاق على التعليم والصحة.
يتضمن مشروع الموازنة التوسع في استخدام التكنولوجيا النظيفة ومشروعات إعادة التدوير في إطار مفهوم الاقتصاد الأخضر والمشروعات الصديقة للبيئة، كما تأتي الموازنة مع انتقال العمل للعاصمة الإدارية الجديدة الذي بدأ منذ بداية العام ويستمر تدريجيًا إلى الوصول بالعمل بشكل كامل من مقر الوزارات الجديدة، وتم تشكيل لجنة من قبل مجلس الوزراء لضمان جاهزية المباني لانتقال العاملين.
ويؤكد شوقي أن مواجهة عجز الموازنة يتطلب التركيز على الاستثمار والعمل على إزالة جميع عقبات المستثمرين وتبسيط الإجراءات والحد من البيروقراطية والاهتمام بالسياحة عبر برامج تنشيطية وترويجية تستغل انخفاض سعر الصرف لجذب المزيد من السائحين مع رخص المقصد السياحي المصري.
استهداف الفقر والبطالة
تركز الموازنة الجديدة على “البرامج الخاصة”، وتتضمن تصنيف المستفيدين من خدماتها على أساس النوع الاجتماعي والبعد الجغرافي، مع خفض معدل البطالة بشكل تدريجي لتصل إلى 6% في المدى المتوسط من خلال توسيع الطاقة الاستيعابية للاقتصاد المصري وتوفير ما يقرب من 900 ألف فرصة عمل سنويًا في مختلف القطاعات.
أيضًا، تستهدف الموازنة تحقيق تكافؤ الفرص أمام المواطنين وتخفيض معدل الفقر ما دون 25% بنهاية 2024/2025 والتوسع في المدن والتجمعات العمرانية لاستيعاب 10 ملايين نسمة، واستمرار تنفيذ مشروع حياة كريمة الذي تستهدف من ورائه الحكومة تحسين الحالة المعيشية لما يقرب من 60 من المواطنين يقطنون في الريف المصري.
يتضمن مشروع الموازنة زيادة بند الأجور بنسبة 15% بما يعادل 470 مليار جنيه، وزيادة منظومة الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية بمعدل 24% بما يعادل 496 مليار جنيه، وزيادة مخصصات الاستثمار إلى 512 مليار جنيه، وقفز دعم رغيف الخبز إلى 95 مليار جنيه مقابل 38 مليار جنيه في الموازنة الحالية مع ارتفاع أسعار القمح عالميًا.
يقول نادي عزام، الخبير الاقتصادي، إن الموازنة الجديدة تركز على الحماية المجتمعية وهو أمر مطلوب في ظل ارتفاع معدل التضخم ليصل إلى 32% ما يلقي بتبعات كبيرة على الطبقات الفقيرة، مشددًا على أن التحدي الأكبر أمام الموازنة هو مواجهة عبء الفوائد في ظل توقعات برفع الفائدة 3% خلال العام الحالي، فكل 1% ارتفاعًا بالفائدة يزيد معه 60 مليار جنيه في عجز الموازنة الذي يتم تمويله عبر الاقتراض.
يضيف عزام أن متوسط سعر الفائدة على الأذون الحكومية الذي يبلغ 15% في 2023/2024 أقل بكثير عند مقارنته بالعائد الحالي الذي سجل في آخر عطاءات الأوراق المالية الحكومية 20.8% لأذون 91 يومًا و22.58% لأذون استحقاق 182 يومًا، مشددًا على أن تلك الأرقام جيدة في ظل مصاعب حصول دول العالم الثالث كلها على التمويل الخارجي في ظل الفائدة المرتفعة بالخارج حاليًا.