تعاني العمالة المصرية في الخليج العربي منذ ظهور جائحة كورونا، من انتهاكات متواصلة في ظل تنامي الفوبيا تجاه الأجانب، واتهامهم بنقل الفيروس، وسط اتجاه للعنف البدني واللفظي تجاههم، التي كان آخرها صفع مواطن كويتي لعامل مصري في أحد المحال الغذائية الذي أثار جدلاً كبيرًا على مدار الأيام القليلة الماضية.
يصل عدد العمال المصريين بمنطقة الخليج العربي إلى 5 ملايين، يمثلون نصف عدد المغتربين المصريين بالخارج، وظلت الحكومات المصرية قرابة نصف قرن تعتمد عليهم كأحد الموارد الأساسية للنقد الأجنبي بجانب قناة السويس والسياحة، وحل سهل لمواجهة التزايد السكاني، وما يتبعه من ارتفاع في معدلات البطالة.
وتعيش بعض الدول الخليجية حاليًا حالة من الشعبوية بخطاب من سياسيون وفنانون معروفون بتصريحاتهم الإعلامية أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يحاولون عبره جني المزيد من الشهرة والشعبية بمهاجمة العمالة المصرية، ومطالبات الحكومات باستبدالها بمحلية أو آسيوية رخيصة بزعم مساهمتها في الاختلال الديموجرافي للسكان وزيادتها عن عدد السكان الأصليين.
العمالة فى الكويت
تفاقمت أوضاع العمالة المصرية بالكويت، التي تضم ما بين 500 و650 ألفا، مع عمل الكثير منهم في الصفوف الأمامية في مهن تتعلق بمقاومة “كورونا”، أو تقديم خدمات تتطلب التواصل المباشر مع قطاع كبير من الجمهور كالبيع في المحال التجارية والصيانة والبنية التحتية، وإلزامهم بتطبيق الإجراءات الاحترازية الحكومية على الجميع ما يعتبره البعض انتقاصًا من كرامتهم .
لم يكن تعرض موظف الحسابات “الكاشير” للصفع ثلاثة مرات على وجهه في جمعية “صباح الأحمد” بالكويت أخيرًا بسبب تصميم مواطن كويتي على دفع ثمن مقابل مشترياته بأسلوب يخالف لوائح البيع والشراء في الجمعية، الحادثة الأول من نوعها في الأسابيع الأخيرة، فقبلها تعرض مصري يعمل في الاستقبال بجمعية تعاونية للضرب بسبب رفضه دخول شخص إلى مقر عمله دون تطبيق القرارات الحكومية التي تحظر دخول الزائرين دون ارتداء كمامات أو قفازات.
في التوقيت ذاته، تعرض طبيب مصري، بجنوب الكويت أيضًا، للضرب المبرح الذي أصابه بكسر في عظام الركبة وتركيب شرائح ومسامير بسبب تدخله لإنقاذ طفل صغير من الضرب على يد والده في العيادة، بعدما تقيأ على ملابسه.
انتهاكات مالية
لا تتعلق المشكلات التي يتعرض لها المصريون بالانتهاكات البدنية فقط، لكنها امتدت للجوانب المالية أيضًا، فكثير من الشركات اتخذت كورونا ذريعة للإخلال بتعاقداتهم مع الموظفين واقتصاص جزء كبير من رواتبهم أو التخلي عن دفعها طوال شهور الأزمة (بداية من يناير حتى مايو) واشترطت صرفها حال استئناف العمل مرة أخرى.
ويقول شادي محمد، مهندس المصاعد، الذي عاد قبل أيام بعد 10 سنوات عمل، إنه مصدوم من القرارات التي اتخذتها شركته الكويتية حتى الآن، فمع اندلاع الأزمة وحتى قبل تأثر أعمال شركته بكورونا تم اتخاذ قرار بتخفيض راتبه 70% لمدة أربعة أشهر، ومع عودته لمصر لا يعرف مصيره حتى الآن ما إذا كانت الشركة ستعيده للعمل أم لا.
ولم تضرب الكويت حتى الآن موعدًا لعودة العمالة المصرية حتى مع إعلان فتح مطار الكويت الدولي في أغسطس الحالي، وسط مقترحات لنواب بمجلس الأمة، بتنظيم دخول الأجانب إلى البلاد، وضمان عدم تأثيرهم على التركيبة السكانية بدولة الكويت، والذي يعني حال تطبيق التخلص من نصف مليون مواطن.
يبدي “شادي” قدرًا كبيرًا من التشاؤم بسبب حالة الاشتباك على مواقع التواصل الاجتماعي بين المصريين والكويتيين في أعقاب قرار الكويت بمنع القادمين من 31 دولة بينها مصر لاعتبارات صحية، معتبرًا أنه تمهيد مستتر لاستبدال العمالة المصرية بجنسيات آسيوية أرخص اتساقا مع مطالبات نيابية أعقبت أزمة مراكز إيواء المصريين قبل شهور.
مراكز إيواء العمالة بالكويت
ونشبت مشكلة في مايو الماضي بسبب العمالة المصرية غير القانونية العالقة في مراكز إيواء العمالة بالكويت، بعدما نظموا مظاهرات من أجل العودة إلى وطنهم، واستمرت الأزمة لأكثر من شهرين، حتى قررت الحكومة الكويتية ترحيلهم وتحمل تكاليف وتذاكر السفر، ومن بيومها تشهد صفحات التواصل الاجتماعي تراشقًا بين شباب من البلدين.
وساهم الخطاب الشعبوي لفنانين مثل حياة الفهد التي قالت إن الأمر لو كان بيدها لألقت العمالة الأجنبية ومن بينها المصرية في الصحراء، وكررت الأمر الفنانة هيا الشعيبي التي قالت إن مصيبة كورونا في بلادها ليست في الكويتيين، بل في الوافدين والأجانب والمخالفين والمسئولين عنهم”.
خطاب تحريضى
ومع تنامي الخطاب التحريضي تنامت دعوات مصرية لحرق العلم الكويتي الذي اعتبرته سفارة الكويت بالقاهرة أنه يمثل إساءة بالغة، ومرفوضة لرمز بلادها الوطني من شأنه أن ينعكس وبشكل سلبي على العلاقات الأخوية بين البلدين، وبعدها تم اتخاذ قرار من الإدارة العامة للطيران المدني بالكويت بحظر الرحلات التجارية القادمة من عشرات الدول من بينها مصر.
احتواء مصري
ووفقًا لحمدي إمام، رئيس شعبة التوظيف بالخارج بالغرف التجارية، فإن ما يقرب من 1.5 مليون مصري عامل بالخليج قد يفقدون وظائفهم نتيجة تضرر الاقتصاديات المحلية بسبب انخفاض أسعار النفط لأدنى مستوياتها، واتجاه الشركات لتسريح العمالة الأجنبية مع صعوبة الحصول على عمل بديل باعتبار أن الأزمة عامة ولا تتعلق بقطاع بعينه.
يقول “إمام” إن دول الخليج كانت تستقبل سنويًا نحو 600 ألف فرصة عمل سنويًا من مصر تضم مهنًا متنوعة تبدأ من الطبيب والمهندس وحتى العمالة اليدوية التي تقدم خدمات شاقة في أعمال البناء والبنية التحتية.
السعودية والعمالة المصرية
تستحوذ السعودية على النصيب الأكبر من العمالة المصرية بسوق العمل الخليجية بقرابة 3 ملايين عامل، تليها الإمارات بنحو مليون عامل، بينما يعمل في سلطنة عمان 500 ألف عامل، وقطر حوالي 350 ألف عامل، والبحرين بنحو 250 ألف عامل.
ولا تثير المشكلات التي تواجه العمالة المصرية في السعودية الكثير من البلبلة مثلما يحدث في الكويت، ربما لطبيعة الشعب المتحفظة واحتوائها سريعًا في إطار الأجهزة الأمنية والتنفيذية دون انغماس أو تدخل شعبي فيه، وتؤكد السلطات السعودية دائمًا بأن حوادث الاعتداء التي يتعرض لها المواطنون المصريون لديها “فردية” وليست جماعية ووتيرة تكراراها ضعيفة.
وتكررت في الآونة الأخيرة حوادث تعرض لها مواطنون مصريون على يد سعوديين،فقبل أيام تعرض نجاري مسلح لإطلاق نار على يد مواطن سعودي أطلق أثناء قيامهما ببعض الأعمال الإنشائية لمنزله بعد خلافات مالية على المقابل الذي يفترض حصولهم عليه.
ولا يعاني السعوديون من حساسية “الدولة الصغيرة” كبعض البلدان الخليجية برغم تبني الحكومة سياسة “السعودة” لاستبدال العمالة المحلية بدلاً من الأجنبية بصورة مرحلية ساهمت في إنهاء خدمات قرابة مليوني عامل خلال عامي 2018 و2019، ربما لارتفاع عدد السكان الذي يناهز 21.1 مليون نسمة الذي لا يثير تخوفات من حجم العمالة المصرية الكبير.
ووافقت السعودية، قبل أيام، على عودة العاملين بالقطاع الطبي فقط لمواجهة جائحة فيروس كورونا، فالأطباء البشريين المصريين العاملين بها يبلغ حوالي 70 ألف طبيب، أما عن الفئات الأخرى فلم يصدر قرارًا بشأنها حتى الآن.
وسمحت السعودية للشركات بإنهاء تعاقدات العمالة التي لم تعد مجدية خاصة في القطاعات التي تضررت نتيجة أزمة كورونا وتداعياتها الاقتصادية وتدوير العمال حيث يمكن للعامل أن يبحث عن فرصة عمل أخرى في شركة أخرى، لكن الوضع لن يكون بهذه السهولة.
ووفقًا لجمعية المهندسين المصريين بالسعودية، فإن عدد المهندسين المصريين المسجلين بالسعودية 73 ألفًا بجانب 40 ألف آخرين متواجدين بالمملكة يعملون بمهن أخرى، كما تضم نسبة كبيرة من بين 167 ألف محاسب أجنبي يعملون بها، بعضهم يقبل برواتب متدنية لا تزيد أحيانًا عن 1500 ريال.
إشكالية الكفيل
مع اتخاذ الحكومة السعودية قرارات مثلت حماية بعض الشيء للعمالة الأجنبية تتعلق بمد الإقامة لمن انتهت إقامتهم، من بينها توقيع غرامة قدرها 10 آلاف ريال على المنشآت التي تُنهي تعاقدها مع العاملين بطرق غير شرعية، والإعفاء من المقابل المالي على الوافدين المنتهية إقامتهم وتمديدها لمدة ثلاثة أشهر دون مقابل.
وتعاني العمالة المصرية من مشكلات طوال تاريخها، لا تزال قائمة، في مقدمتها “الكفيل”، الذي تم اتخاذ قرار بشأن إلغائه في السعودية لكن دون تنفيذه، ويحصل عبره الكفيل على متوسط بين 500 و1000 ريال شهريًا، مع المماطلة في تسوية المستحقات بعد تقديم الاستقالة وطول إجراءات التقاضي مما يجعل المتعاقد غير قادر على الاستمرار في البلد للحصول على حقه، وعدم التزام بعض الكفلاء بصرف الرواتب لفترات طويلة، ومساومة بعض أصحاب الأعمال لمكفولهم عند طلبهم نقل للكفالة.
كما تتضمن المشكلات أيضًا تغير شروط العقد عما هو متفق عليه بعد الوصول إلى مقر العمل، وارتفاع رسوم تصاريح التي يدفعها العامل المصري،أو تغير المبلغ الموجود في العقد عن المتفق عليه مع الكفيل، أو تحمله تكليف الإقامة رغم نص العقد على تحميلها لصاحب العمل.
مصر والبحرين
ويمكن تقسم العمالة المصرية في البحرين لفئتين، أولهما من العاملين بمهن مرموقة ويلقون معاملة جيدة حتى أن السلطات المحلية تعتبرهم مواطنون محليون وتدفع بهم لتمثيلها في مؤتمرات خارجية برواتب تدور في فلك 17.5 ألف دينار، وبين المهن البسيطة التي لا تؤمن لصاحبها تكاليف إقامته فقط برواتب لا تتجاوز 100 دينار، ويتكبد خلالها مهام شاقة وصنوف من المعاملة غير الآدمية من الزبائن خاصة العاملين في قطاع التنظيف بالمطاعم والشوارع.
ويقول أحمد هشام، العائد منذ أسابيع من المنامة، إنه سافر للبحرين قبل أسابيع فقط من تفشي فيروس كورونا وعاد مجددا لقريته بالغربية، لكن تجربته كانت كفيلة في العمل كـ”بستاني” في حديقة أحد الأثرياء كانت كفيلة لمعرفة كيفية النظرة الدونية للعامل كعبد يجب عليه القيام بكل شيء ونقيضه وتحمل أصناف السخرية من العيوب الشكلية، من أجل راتب لم يتجاوز سوى 120 دينارًا.
الإمارات
رغم تجريم القانون الإماراتي حجز جواز سفر العامل لدى صاحب العمل، إلا أن كثير من العمال المصريين يضطرون إلى تسليمه بسبب جهلهم أو عدم حصولهم على نسخة من عقود العمل من الأساس أو حتى تعرضهم للنصب قبل السفر من شركات التسفير المصرية، ما يدفعهم للرضاء بأي شروط أو إجحاف من أجل عدم العودة لأهلهم بخفي حنين.
دور وزارة الهجرة
وتحتوي وزارة الهجرة وشئون المصريين بالخارج دائمًا المشكلات التي تنشب للجاليات المصرية بالخارج وتضعها في إطار التعويض المالي فقط مع الحرص على ألا تصل للعلاقات السياسية القوية بين القاهرة والعواصم الخليجية التي تمثل الأكبر استثمارًا في مصر والأكثر دعما لها منذ ثورة 25 يناير 2011 على الصعيد المالي بعدما ضخت مليارات الدولارات في مشروعات للبنية التحتية وأخرى كودائع لدعم الاحتياطي النقدي المتداعي حينها.
العمالة العائدة والاقتصاد المصري
ولا يتحمل الاقتصاد المصري الذي يجاهد من أجل احتواء معدلات البطالة عودة تلك الدفعات من العمالة مرة واحدة، فوفقًا الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ارتفع معدل البطالة بمصر إلى 9.2% من إجمالي قوة العمل بنهاية شهر أبريل الماضي، مع توقعات بارتفاعها إلى 12% بنهاية 2020.
وينضم لسوق الراغبين في العمل بمصر ما بين 500 و750 ألف شاب جديد سنويًا ما يتطلب معدل نمو اقتصادي عند 5% على الأقل لتشغيله، لكن مع تداعيات كورونا لا يتوقع الخبراء تحقيق معدل نمو إلا عند 2% للعام المالي الحالي، الذي ينتهي بنهاية يونيو 2021.
ويتوقع خبراء اقتصاد أن يتم الاستغناء عن نحو 40 % من المصريين العاملين هناك خلال 2020/2021، سيتبعها انخفاض ملحوظ في حجم تحويلات المصريين التي سجلت العام الماضي 27 مليار دولار، ما يتطلب توفير أماكن بديلة للعمالة المصرية بأسواق جديدة كشرق أوروبا وإفريقيا وأستراليا واليابان في مجالات صناعة السيارات.
ويتوقع المركز المصري للدراسات الاقتصادية أن يحدث تفاقم “رهيب” في البطالة ومعدلاتها بمصر قد يصل بها إلى 20% من إجمالي قوة العمل نتيجة الأزمة الحالية، وعودة العاملين بالخارج، خاصة دول الخليج بأعداد ضخمة.
لا يعشق المصريون الغربة كثيرا، لكنهم أكرهوا عليها، فلا بديل لفرص عمل محيلة تمنحهم الرواتب ذاتها، يتحملون أصنافا من الانتهاكات من أجل لقمة العيش، تتراوح بين السخرية من العيوب الجسدية أو انتهاك الكرامة أو حتى اقتصاص جزء من الرواتب دون وجه حق، لكنهم في النهاية يشعرون بسعادة غير طبيعية حينما يرون تأثير المبالغ التي يحلونها على سعادة ذويهم في الداخل.