نفذت شركة فودافون العالمية في الآونة الأخيرة عملية بيع حصتها البالغة 55% من شركة فودافون مصر إلى شركة فوداكوم Vodacom التابعة لها والعاملة في جنوب إفريقيا.
لم تكن تلك هي المحاولة الأولى لشركة فودافون العالمية لبيع حصتها في الشركة المحلية فودافون مصر، ففي عام 2020 حاولت الشركة العالمية بيع حصتها إلى شركة الاتصالات السعودية STC بقيمة تقترب من 2.4 مليار دولار، لكن الصفقة تعطلت بعد رفض هيئة الرقابة المالية المصرية.
وبحسب بيان شركة فوداكوم، بلغ إجمالي قيمة الصفقة قرابة 2 مليار و738 مليون دولار، على أن تسدد الشركة نحو 80% من القيمة المالية من الصفقة عبر إصدار أسهم جديدة لمجموعة فوداكوم مع تسوية الرصيد نقدًا.
وتبلغ الحصة السوقية لفودافون مصر نحو 40 بالمئة من سوق المحمول المصري بعدد عملاء يبلغ نحو 44 مليون عميل وفقًا للشركة.
يرصد هذا التقرير الطريق التي سلكتها شركة فودافون العالمية لتجنب دفع ضريبة الأرباح الرأسمالية الناتجة عن عملية بيع صفقتها في القاهرة، وكذلك تقدير حجم الخسارة المصرية في هذه الصفقة.
قانون الازدواج الضريبي
بدايةً، تخضع صفقة بيع “فودافون” إلى المادة رقم 49 من قانون الضريبة على الدخل رقم 91 وتعديلاته، والتي تفيد بأن قيمة الضريبة على الربح الرأسمالي المُحقق من هذه الصفقة تبلغ 22.5%. هذا بالإضافة إلى ضريبة الدمغة بواقع 3 في الألف على البائع والمشتري.
لكن واقع الأمر، فإن شركة فودافون العالمية لن تدفع تلك الضريبة إلى مصر، أو بمعنى أدق، تجنبت دفع الضريبة المستحقة، مستغلة اتفاقية الازدواج الضريبي بين مصر وهولندا.
خطة الشركة العالمية
في البداية، امتلكت فودافون العالمية حصتها من الشركة المحلية فودافون مصر عبر شركتين، هما شركة “فودافون العالمية القابضة بي في” بحصة بلغت 20.11% من فودافون مصر، وشركة “فودافون أوروبا بي في” بحصة بلغت 34.89% من فودافون مصر.
بعد ذلك، قامت شركة فودافون العالمية بتسجيل الشركتين ” فودافون العالمية القابضة بي في – فودافون أوروبا بي في” في هولندا التي تمثل إحدى أكبر دول الملاذات الضريبية.
ووفقًا للبحث عبر قاعدة بيانات الشركات المفتوحة، اُنشأت شركة “فودافون العالمية القابضة بي في” بهولندا عام 2018، وسُجلت بالرقم 24235177 في السجل التجاري الهولندي. أما شركة “فودافون أوروبا بي في”، فتأسست عام 2009 في هولندا أيضًا، وسُجلت بالرقم 27166573 في السجل التجاري الهولندي.
لماذا تم تسجيل الشركتين في هولندا؟
هولندا واحدة من الدول التي وقعت مع مصر اتفاقية بتجنب الازدواج الضريبي قبل أكثر من 20 عامًا، ففي عام 2000، صدر القانون رقم 138 بشأن الموافقة على اتفاق تجنب الازدواج الضريبي ومنع التهرب فيما يتعلق بالضرائب على الدخل بين حكومتي مصر وهولندا، ونشر هذا الاتفاق في الجريدة الرسمية في أكتوبر سنة 2000.
وبحسب بنود تلك الاتفاقية، فإن الضرائب الخاضعة لها هي:” ضرائب الدخل التي تفرضها إحدى الدولتين، وضرائب مفروضة على الدخل، جميع الضرائب المفروضة على مجموع الدخل أو على عناصر الدخل بما في ذلك الضرائب على الأرباح الناتجة من التصرف في ممتلكات منقولة أو عقارية والضرائب على مجموع الأجور والمرتبات التي تدفع بواسطة المشروع وأيضًا الضرائب على إعادة تقييم رأس المال”.
الضرائب التي يُطبق عليها هذا الاتفاق على وجه الخصوص، بالنسبة لمصر، هي الضريبة العقارية، وتشمل ضريبة الأطيان والضريبة على العقارات المبنية، والضريبة الموحدة على دخل الأشخاص الطبيعيين، والضريبة على أرباح شركات الأموال، ورسم تنمية الموارد المالية للدولة، والضرائب الإضافية المفروضة بنسبة مئوية من الضرائب المبينة عاليه أو المفروضة بطرق أخرى.
وبالنسبة لهولندا، فإن الاتفاقية تنفذ على ضرائب:” ضريبة الدخل، والضريبة على الأجور، والضريبة على الشركات بما في ذلك حصة الحكومة في الربح الصافي الناتج عن استغلال الموارد الطبيعية والتي يتم تحصيلها وفقًا لما ورد بفصل التعدين 1810 الخاص بالامتيازات الصادرة منذ 1967 أو الامتيازات المتعلقة بخريطة التعدين بالقارة 1965 “الفصل الخاص بمناطق التعدين الهولندية على امتداد قاع البحر الساحلي خارج المياه الإقليمية 1965، والضرائب على أرباح الأسهم”.
كما تسري أحكام الاتفاقية على أيةً ضرائب مماثلة أو متشابهة في جوهرها تفرض بعد تاريخ توقيع الاتفاق بالإضافة إلى الضرائب الحالية أو بدلاً منها، على أن تقوم السلطات المختصة في الدولتين المتعاقدين بإخطار بعضهما البعض بأية تعديلات جوهرية تمت في قوانينها الضريبة الخاصة.
كيف حُرمت مصر من تحصيل ضريبة الصفقة؟
يشرح الدكتور محمود درويش أستاذ الاقتصاد بجامعة دمنهور، هدف اتفاقيات الازدواج الضريبي، بكونها تعمل على تجنب دفع الضريبة مرتين، وتقوم على توزيع الاختصاص الضريبي بين الدول، إما عن طريق منح دولة واحدة وهي دولة إنشاء الشركة حق فرض الضريية، وإما عن طريق منح دولة معينة الحق في فرض الضريبة وفقًا لتشريعاتها مع الاحتفاظ للدولة الأخرى المتعاقدة معها بحق فرض الضريبة.
وبناء على اتفاقية منع الازدواج الضريبي بين مصر وهولندا، يكون من حق دولة منشأ الشركة فرض ضريبة الأرباح الرأسمالية، وفي تلك الحالة ستكون هولندا هي الدولة صاحبة حق “تحصيل” الضرائب الخاصة بالصفقة باعتبار الشركتين “فودافون القابضة العالمية بي في، وفودافون أوروبا بي في” منشأتين على أراضيها.
واستكمالًا لخطة الشركة العالمية، التي اعتمدت على أن هولندا لا تفرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية، فإن شركة فودافون العالمية لن تدفع ضريبة سواء في مصر أو هولندا.
وفي النهاية خسرت مصر حقها في تحصيل الضريبة التي تُقدر بـ 22.5% بسبب القوانين والاتفاقيات التي تسمح للشركات بالتجنب الضريبي وعدم أداء حق الضريبة.
هولندا رابع أكبر ملاذ ضريبي
بحسب تقرير مؤسسة العدالة الضريبية، تحتل هولندا المرتبة الرابعة من بين أكبر الملاذات الضريبية على مستوى العالم، وفقًا لتقرير عام 2021.
كما كشف تقرير حالة العدالة الضريبية، المنشور عبر موقع هنا هولندا، أن الملاذات الضريبية تكلف العالم أكثر من 166 مليار دولار من ضرائب الشركات المفقودة كل عام، وهو ما يُعادل خسارة أكثر من 26 مليون راتب سنوي للعاملين في دول ذات الدخل المرتفع.
كما أن التسهيلات التي تسمح للشركات بالتجنب الضريبي تكلف العالم نحو 245 مليار دولار بشكل عام، ومن الشائع أن المستفيدين من تلك الامتيازات هم رجال الأعمال والأثرياء حول العالم.
خطة فوداكوم
بعد عملية البيع، امتلكت شركة فوداكوم الجنوب إفريقية نسبة 55% من شركة فودافون مصر، فيما تمتلك فودافون العالمية نسبة 60.5% من شركة فوداكوم الجنوب إفريقية، وتسعى لزيادة تلك النسبة إلى 65.1%.
وتُشير شركة فوداكوم إلى أهمية الصفقة في كونها تخدم استراتيجيتها لتعزيز وجودها في القارة وتزيد من ربحيتها، لا سيما في قطاع الخدمات المالية. ويذكر أن فوداكوم، كانت من أوائل الشركات التي قدمت فكرة تحويل الهاتف المحمول لمحفظة إلكترونية في كينيا، وهي خدمة يتاح من خلالها الاحتفاظ بالأموال في المحفظة، وتحويلها بين المستخدمين، في ما عُرف لاحقًا باسم “فودافون كاش”.
كما تتطلع فوداكوم إلى توسيع خدمة المدفوعات الرقمية “فودا باي” التي أطلقتها حديثًا في السوق المصري.
شركة فودافون مصر:
– في نوفمبر 1998، باعت الحكومة المصرية الترخيص الثاني لشبكة محمول لجمعية بقيادة فودافون المملكة المتحدة، واُطلق عليها اسم شركة مصر للاتصالات Misrfone تحت اسم العلامة التجارية كليك جي إس إم Click..
– بدأ تواجد فودافون مصر من خلال ائتلاف بين ڤودافون العالمية، وشركة إير تاتش، وبعض الشركاء المحليين والدوليين.
– وفي عام 1999، استحوذت مجموعة ڤودافون على حصة إير تاتش، كما استطاعت في عام 2002، أن تستحوذ على حصة الشريك الفرنسي الدولي فيفاندي.
– في يناير عام 2002، تغيرت العلامة التجارية للشركة من كليك جي إس إم إلى ڤودافون مصر.
– في ديسمبر 2003، اشترت المصرية للاتصالات نسبة 25.5% من شركة فودافون مصر منهم 16.9% من أسهم فودافون و8.6% من مساهمي الأقلية.
– قامت فودافون والمصرية للاتصالات بتأسيس شركة جديدة باسم الوطنية، والتي تمتلك 51% من فودافون مصر.
– بعد الإعلان، تم إدراج شركة فودافون مصر في بورصتي القاهرة والإسكندرية، مما سمح للمساهمين الآخرين بتصفية ممتلكاتهم. قبل الاتفاقية مع المصرية للاتصالات، كانت شركة فودافون مصر مملوكة بنسبة 67% لشركة فودافون و10% لمجموعة ألكان و5% لبنك القاهرة المملوك للدولة.