أقل من شهر واحد، وتكمل صفاء الكوربيجى الصحفية بمجلة الإذاعة والتلفزيون عامها الأول قيد الحبس الاحتياطي، بعد أن أتمت 345 يومًا خلف القضبان، على ذمة التحقيقات في القضية 441 لسنة 2022، بعد مشاركتها في احتجاجات ماسبيرو بدايات العام الماضي 2022، التي اندلعت بسبب عدم صرف مستحقات العاملين.
وفي أحد أيام إبريل/نيسان، وبالتزامن مع تحركات احتجاجية للعاملين بمبنى ماسبيرو، استمرت عدة شهور للمطالبة بصرف مستحقاتهم المتأخرة، فوجئت الكوربيجي باقتحام قوة شرطية كبيرة مدججة بالسلاح منزلها بحي المقطم، في البداية كسروا باب شقتها، ثم فتشوا محتوياتها، وتحفظوا على هاتفها وكمبيوترها الشخصي، واصطحبوها إلى مكان غير معلوم.
وبعد ثلاثة أيام من الاختفاء، ظهرت صفاء في سرايا النيابة، سرًا ودون محام، ما اعتبرته مؤسسات حقوقية حينها انتهاكًا لحق الدفاع المكفول للمواطنين بحكم الدستور.
واجهت الكوربيجي، تهمًا مكررة، تشبه نفس التهم التي وُجهت لصحفيين وسياسيين وشباب الأحزاب الذين تم القبض عليهم خلال السنوات الماضية، نشر أخبار كاذبة ومشاركة جماعة إرهابية أهدافها. أما الأحراز فكانت مجموعة من الفيديوهات التي بثتها الكوربيجي على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، ضمن نقاش عام حول احتجاجات زملائها من العاملين في ماسبيرو الذين اعتصموا بالمبنى ضد مخططات التصفية، ونقل بعض العاملين إلى وزارتي الصحة والتعليم.
احتجاجات ماسبيرو
على خلفية تخوفات من التصفية وتأخير صرف المستحقات، وانخفاض في الأجور، اعتصم العاملون بماسبيرو، وانضم إليهم عدد من العاملين بمجلة الإذاعة والتلفزيون والقنوات العامة والمتخصصة، ولم يغب أصحاب المعاشات عن زملائهم السابقين بالمبنى عن المشهد، دفعهم تأخر صرف مستحقاتهم من رصيد الإجازات ومكافأة نهاية الخدمة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2018 وحتى بداية 2022، إلى الانضمام والتحصن بزملائهم وتضمين مطالبهم ضمن لائحة مطالب أخذت في الاتساع.
رفع العاملون عدة مطالب فتحت نقاشًا عن مستقبل مبنى ماسبيرو ومصير العاملين فيه، تضمنت رفض التصفية ونقل العاملين لوزارة الصحة وإخلاء المبنى، كما رفضوا تركيع العاملين وتقليص وحجز مستحقاتهم.
اقرأ أيضًا: العاملون بماسبيرو في انتظار مذبحة القلعة
في هذا التوقيت، انضمت الصحفية صفاء الكوربيجى والمذيعة هالة فهمي، المتهمتان في نفس القضية 441، كقيادتين طبيعيتين في هذه الاحتجاجات، وضمن مشهد الدفاع عن حق العمل والحصول على الأجور، وصرف المستحقات المتأخرة، وتوحيد لائحة الأجور، ورفع أشكال التمييز، غير مطالبتهم بالتصدي للفساد والمحاباة.
جاءت هذه المطالب مع سحق مساحات الحرية، الذي خلع عن مبنى ماسبيرو وأغلب مؤسسات الإعلام المصري، قيمته ودوره وتأثيره.
رحلة من الضغوط الحياتية
رُحلت صفاء إلى سجن القناطر، وهو السجن المخصص للنساء، في القضايا السياسية والجنائية على حد سواء، وهي تخوض معركة الوقت داخل محبسها، لتكون شاهدة هي الأخرى على سجن الصحفيات مع خفوت أصوات المدافعين والمدافعات.
قبل سجنها، كانت صفاء تخوض معاركها الحياتية الاعتيادية، بشكل فردي، كيف تدبر تكاليف المعيشة؟، بعد أن طالها الظلم والقهر6 سنوات من حرمان من ثلث الأجر، وقد استنفدت كل طرق الشكوى، وانحشرت وانضغطت وقُهرت ضمن قنوات شرعية للتظلم لا ترفع للعدل سبيلًا.
وضمن مواقف عدة ضاغطة، كانت تعيش صفاء مع والدتها المسنة لترعاها، لكنها في الوقت ذاته، عجزت عن تدبير غرفة رعاية مركزة لها حين أصيبت بالجلطة. أعباء حياتية تُضاف إلى رحلة معاناتها بعد الانفصال عن زوجها.
فصل تعسفي
مهنيًا واجهت الكوربيجي، والتي شغلت موقع سكرتير تحرير مجلة الإذاعة والتلفزيون، قرارات وصفت بالتعسفية، منها قرار رئيس تحرير المجلة، خالد حنفي باستقطاع ثلثي راتبها لمدة 6 سنوات.
وأمام ذلك تظلمت الكوربيجى إلى رؤساء مجالس الإدارات المتعاقبين ورئيس الهيئة الوطنية للإعلام حسين زين غير عدد من الشكاوى إلى النيابة الإدارية ونقابة الصحفيين، لكن لم تجد صدى لهذه الشكاوى.
قبل القبض عليها بثلاثة أشهر، صدر قرار بفصلها من مجلة “الإذاعة والتلفزيون” على خلفية قضائها إجازة مرضية، ذلك دون إنذارات، أو تحقيق، كما أن الكوربيجي عضوًا بنقابة الصحفيين، ويستلزم فصلها أن يتم بحضور لجنة ثلاثية.
صحيًا، صدر قرار فصل الكوربيجي، على الرغم من أنها ينطبق عليها نص المادة 62 من اللائحة التنفيذية لقانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 10 لسنة 2018، والتي تنص على “يجوز للعامل أن يقوم بإنجاز العمل عن بعد، وذلك بعد موافقة السلطة المختصة ودون الحاجة لتواجده في مكان العمل، على أن تُخطر الجهة الإدارية المختصة بالبيانات الكاملة التي تطلبها من العاملين الذين يخضعون لنظام العمل عن بعد”.
مطالبات بالإفراج
ضمن مطالبات عدة بالإفراج عن الكوربيجي وهالة فهمي، منها مناشدات من صحفيين وعاملين بالمجال الحقوقي، طالبت مؤسسة حرية الفكر بإطلاق سراحها والسماح بعودتها إلى العمل بشكل طبيعي.
معلوماتيًا، جاءت مصر في الترتيب الثالث عالميًا ضمن الدول التي تحتجز الصحفيين، حيث يقبع الآن خلف القضبان ما يقارب 30 صحفيًا، غير مئات من السياسيين وكتاب الرأي تهمتهم نشر أخبار كاذبة.