بين ملفات سياسية وأخرى اقتصادية، جاء اللقاء الأول بين رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني والرئيس التركي رجب أردوغان في العاصمة التركية أنقرة، الأسبوع الماضي. وخلال الاجتماع سعي الجانبان إلى تفاهم سياسي مشترك وتعزيز التعاون الاقتصادي، كما جرى الاتفاق على مشروع طريق التنمية والذي تراهن عليه بغداد للتحول إلى مركز للتجارة العالمية يربط بين آسيا وأوروبا.
وقبل هذا اللقاء، شهدت العلاقات بين البلدين، تواترت حادة، على إثر هجوم الجيش التركي على شمال العراق كان آخرها هجمات إبريل/نيسان، ونوفمبر/تشرين الثاني خلال العام الماضي 2022، واستدعت حينها بغداد السفير التركي في بغداد رضا كوناي، وسلمته مذكرة احتجاج شديدة اللهجة، ولعل ذلك ما دفع لطرح، خلال اللقاء الأخير، الملف الأمني بقوة ومسألة تأمين الحدود وتبادل المعلومات.
دوافع الزيارة
يشير د. هاشم العوادي مدير المركز العراقي الإفريقي للدراسات الاستراتيجية أن هناك تشابك في المصالح بين البلدين كون تركيا تمثل قيمة هامة للعراق، وخاصة في المجال الاقتصادي كممر لبيع النفط بالإضافة إلى حجم التبادل التجاري الذي بلغ 24 مليار دولار العام الماضي.
وحسب العوادي، هناك عدة أسباب تدفع إلى تحقيق التعاون والتنسيق العراقي التركي، يبرز ضمن هذه الأسباب أزمة المياه والانفراد التركي بقرار بناء السدود على نهري دجلة والفرات والآثار البيئية والاقتصادية المترتبة عليه، خاصة مع غياب اتفاقية لتنظيم تقاسم المياه.
تهدئة التوترات وتعزيز الشراكات، أبرز نتيجتين، يشير إليهما العوادي من اللقاء الأخير الذي تم في أنقرة، ويتصل الهدفان بدور لعبته بغداد على صعيد إقليمي خلال الانفتاح على دول الجوار والسعي الى تصفير المشاكل معها، كما جرى في الاتفاق السعودي الإيراني.
تُصنف زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى أنقرة على أنها إحدى المحاولات التركية لفك الخناق الاقتصادي الذي تعاني منه تركيا بعد انهيار الليرة، يقول العوادي، أن هذه الزيارة جاءت تلبية لدعوة الرئيس التركي رجب أردوغان، حيث يشير إلى أن البلدين في مرحلة الاحتياج المتبادل لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية المشتركة، وهو ما دعا تركيا إلى تخفيف حدة الخطاب تجاه المطالب العراقية سواء المتعلقة بالمياه أو المتعلقة بالتدخلات العسكرية التركية في شمال العراق.
نتائج إيجابية
أسفرت الزيارة عن نتائج إيجابية في عدة ملفات، منها الملف الاقتصادي، حيث اتفق الجانبان حول تدشين مشروع طريق التنمية أو ما يسمى مشروع ميناء الفاو الكبير والذي من المقرر أن يشمل ممر القناة الجافة المتمثل بطريق سريع وخط سكة حديد بطول 1200 كيلومتر، ويمتد من البصرة مرورًا بالديوانية والنجف وكربلاء وبغداد والموصل، ويمتد إلى الحدود التركية، حتى ميناء مرسين التركي ومن ثم إلى أوروبا، والذي وصفه أردوغان بأنه “طريق حرير جديد”.
وفي هذا الصدد، أوضح الرئيس التركي أن طريق التنمية لا يعتبر مشروعًا استراتيجيًا مهمًا لتركيا والعراق فحسب، بل للمنطقة بأسرها، وأضاف أن ملايين الأشخاص في مناطق واسعة من أوروبا إلى الخليج سيستفيدون من القيمة المضافة التي ستظهر مع إنشاء هذا الطريق.
يؤكد العوادي أن مشروع “طريق الحرير” سيشهد مرحلة جديدة من العلاقات التركية العراقية كونه من المقرر أن يمثل ممرًا عالميًا لنقل البضائع والطاقة، حيث يتضمن خط للسكك الحديدية لنقل البضائع على مرحلتين، في المرحلة الأولى بسعة 3.5 مليون طن، لنصل في المرحلة الثانية إلى 7.5 مليون طن، بالإضافة إلى أن المدينة الصناعية ستكون من أضخم المدن في الشرق الأوسط، والمكونات الصناعية في مشروع طريق التنمية (القناة الجافة) ستولد فرص عمل هائلة للعراق ودول المنطقة، بما فيها فرص للصناعات ورجال الأعمال، وتكون مركز استقطاب للتجارة العالمية.
وتسارع تركيا نحو هذا المشروع الذي سيكون له أثر كبير في مسار حركة التجارة العالمية بين الشمال والجنوب من جهة، ومراكز التجارة الأسيوية كالصين مثلًا ومراكز التوزيع في أوروبا وإفريقيا من جهة أخرى، ومن ثم لا يستبعد أن يكون لهذا المشروع سيساهم في معالجة العديد من الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها البلدان خصوصًا بعد انهيار الليرة التركية وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، يضيف “العوادي”.
عن التعاون المائي
انخفض مستوى نهر دجلة إلى 35% في الآونة الأخيرة، كما تفاقم انخفاض تدفقات الأنهار بسبب النقص الحاد في هطول الأمطار في السنوات الأخيرة، إذ تشهد البلاد أسوأ موجة جفاف منذ عقود، حيث تجاوزت درجات الحرارة 50 درجة مئوية في الصيف الماضي، وأفاد برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن البلاد تحتل المرتبة الخامسة الأكثر عرضة للتأثر بتغير المناخ في العالم، كما أدت شبكة السدود التركية والإيرانية التي أقيمت على نهري دجلة والفرات على مدى السنوات الخمسين الماضية إلى تفاقم مشاكل ندرة المياه.
وصرح نائب وزير البيئة جاسم الفلاحي الأسبوع الماضي إن الأنهار، التي تمثل أكثر من 90% من المياه العذبة في العراق، تتلقى حاليًا أقل من 30% من التدفق الطبيعي لها من تركيا وإيران.
وخلال اللقاء، أفاد أردوغان أن تركيا تعتبر مسألة المياه مجالًا للتعاون الذي يخدم المصالح المشتركة وليس للصراع، وأضاف أن تركيا، رغم تلك الظروف السلبية، قررت زيادة كمية المياه المتدفقة إلى نهر دجلة قدر الإمكان لمدة شهر واحد من أجل التخفيف من مشكلة العراق.
الشراكة الأمنية
توترت العلاقات التركية العراقية عقب هجوم دهوك شمال العراق يوليو/ تموز الماضي، والذي تسبب في سقوط نحو 9 أشخاص، وإصابة 33 آخرين جراء هجوم صاروخي تركي، فيما يعد انتهاك صارخ للسيادة العراقية، وتحاول تركيا الضغط على الحكومة العراقية لأجل وضع حزب العمال الكردستاني على قائمة الإرهاب، وخلال اللقاء توصل الطرفان إلى نقطة اتفاق بشأن الأوضاع الأمنية، إذ أكد السوداني إن العراق ملتزم بعدم السماح باستخدام أراضيه كنقطة انطلاق للعدوان على تركيا، وأن أمن المنطقة هو أمن واحد لا يتجزأ، ومن جانبه كرر أردوغان مطالبته للعراق بالاعتراف بحزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية.
ويفيد العوادي بأن عدم التزام العراق بأغلب الاتفاقات الأمنية مع الجانب التركي بشأن إنهاء وجود مسلحي العمال الكردستاني في العراق تعود لعدة أسباب أهمها؛ وجود عناصره بمناطق يصعب وصول القوات العراقية إليها، ضمن المثلث العراقي الإيراني التركي الواقع تحت إدارة إقليم كردستان العراق، والسبب الآخر عامل الدعم الإقليمي الذى يتلقاه مسلحو الحزب من فصائل مسلحة خاصة في مناطق سنجار، ولكن العراق مضطر حاليًا للتجاوب مع المطالب التركية فيما يتعلق بملف حزب العمال الكردستاني لوجود مصالح عراقية مع تركيا تتعلق بالتعاون الاقتصادي وموضوع المياه.