شهدت إسرائيل سلسلة من الاحتجاجات، على إثر قرار رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو تنفيذ مخطط الإصلاحات القضائية، والذى ضمن نتائجه اتساع سلطته التنفيذية، والإضرار بالسلطة القضائية، تلك الخطة المقترحة عمقت الانقسامات السياسية، خاصة مع إقالة وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت والذى عارض مخططات بنيامين نتنياهو.
ورغم قرار تجميد المخطط كما أعلن مؤخرا، إلا أن المطالبات مستمرة بإلغاء خطة الإصلاحات القضائية، بل وهناك مطالب بوضع دستور جديد لإسرائيل.
وينظر إلى التغيرات بوصفها مهددٍ للأمن والاستقرار الإسرائيلي من جهة، وبالتبعية تؤثر على التحالفات الداخلية وعلاقة اسرائيل بالشركاء الدوليين، مما يخل بالتوازنات في منطقة الشرق الأوسط.
اقرأ أيضا: تهور نتنياهو يدفع آلاف الإسرائيليين إلى الشوارع
لماذا يحتج الشارع؟
تتضمن خطة الإصلاح القضائي، تقليص سلطة المحكمة العليا في مراجعة القوانين أو إلغائها، لصالح أغلبية بسيطة في الكنيست، كذلك بموجب الخطة تستحوذ الحكومة على قرار تعيين القضاة بما في ذلك قضاة المحكمة العليا.
وهو الوضع الذي يؤهل لإنفراد السلطة التنفيذية، والتحكم فى مجمل السلطات، خاصة مع إقرار البرلمان قانونا يصعب من عملية إقالة رئيس الوزراء، وهو ما اعتبر إخلال بالديمقراطية واستقلالية القضاء.
بدأت الاحتجاجات 14 يناير/ كانون الثاني الماضي، وأخذت الاحتجاجات تتصاعد، وتطالب باستقالة رئيس الوزراء نتنياهو، وبلغت الأحداث ذروتها خلال الآونة الأخيرة، لاسيما بعد قرار نتنياهو بإقالة وزير الدفاع يوآف جالانت الذي طالب بوقف مخطط الإصلاح القضائي، محذرا من أن ذلك يمثل تهديدا للأمن القومي.
خرجت الاحتجاجات في أكثر من 150 موقعًا، وأغلق المحتجون الطرق الرئيسية الرابطة بين أحياء تل أبيب والطريق الرابط بين تل أبيب والقدس، ودخلت قطاعات الجامعات والأطباء ونقابة العمال إلى إضراب عام، كما أغلق مطار بن غوريون الدولي وميناءا حيفا وأسدود.
لم تقتصر أشكال الاحتجاج في الداخل، قدم القنصل الإسرائيلي العام في نيويورك استقالته احتجاجا على إقالة وزير الدفاع، وشهدت عواصم أوروبية احتجاجات مشابهة.
ومن جانب آخر، أصدرت المعارضة الإسرائيلية بيانا حول تجاوز نتنياهو الخط الأحمر، مشددة أن أمن إسرائيل لا يمكن أن يكون ورقة في اللعبة السياسية، وطلبت الحركة من أجل جودة الحكم من المحكمة إجبار نتنياهو على الانصياع للقانون، ومعاقبته إما بغرامة، أو بالسجن في حال أقدم على مخالفة القانون.
أمام هذا الوضع المعقد، امتدت حالة القلق إلى واشنطن، حيث أعلن البيت الأبيض أن الولايات المتحدة “قلقة للغاية من الأحداث في إسرائيل”.
كما أعرب المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي أدريان واتسون عن قلق شديد حيال التطورات في إسرائيل وتداعياتها على الجيش، وأكد ضرورة للتوصل إلى حل وسط ومن أجل عودة الاستقرار .
تنافس سياسي
تشير أسماء الصفتي المدرس المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، أن النظام السياسي في إسرائيل يعاني منذ عام 2020 حالة تنافس سياسي بين “نتنياهو” والأطياف السياسية.
تقول الصفتي: هذه الأزمة نتيجة الصراع بين اليمين الديني الإسرائيلي المتطرف، الذي يدعم استمرار “نتنياهو” على رأس السلطة، وما بين اليسار والتيارات الليبرالية الأكثر تحررا والتي ترفض استمرار رجل متهم في عدد من قضايا الفساد على قمة النظام السياسي في إسرائيل.
يضاف إلى ذلك أن مخطط رئيس الوزراء، يعنى تقليص السلطات القضائية ،وقدرتها على ممارسة دور رقابي على النظام السياسي هذا فى الوقت الذي ينظر فيه العديد من الإسرائيليين إلى القضاء باعتباره العمود الذي يحفظ الديمقراطية ،ويمنع إغارة وهيمنة تيار سياسي على الحياة السياسية.
ويشير يعكوف عميدرور المستشار السابق لشؤون الأمن القومي الإسرائيلي، إنه إذا استمر الجدل القضائي دون حل، فإن بعض قدرات إسرائيل العسكرية ستضعف حتماً، ولا سيما سلاح الجو، ولهذا السبب فإن احتمال مشاركة جنود احتياط في القوات الجوية في أعمال احتجاجية،يضغط على النظام، ويشجع الفئات الأخرى، لممارسة الضغط على الحكومة وانتزاع تنازلات.
وحول تأثير الأحداث على المستوى الخارجي، تفيد الصفتي أن هذا الاضطراب أثر على حكومة “نتنياهو” خلال أواخر عام 2020 ومطلع عام 2021 تجاه دول المنطقة.
حيث أظهرت قدر من الانفتاح على تدشين علاقات دبلوماسية مع عدد من الدول العربية، في محاولة لترويج هذه الانفراجات السياسية باعتبارها انتصارا خالصا لسياسات حكومته، إلا أن هذا الأمر لم يكلل بالنجاح، وخرج “نتنياهو” من المشهد السياسي الإسرائيلي مؤقتا، وواجهت الحكومة اللاحقة جملة من الانتقادات غير المسبوقة، في أعقاب التصعيد بينها وبين الفلسطينيين.
هذا وشهدت إسرائيل مواجهات فى القدس، خلال إخلاء حي الشيخ جراح وما تبعها من مواجهة بين حماس والجيش الإسرائيلي.
على صعيد دولي، وحسب الصفتي، أن التأثير السلبي الأكبر للأحداث الراهنة يتمثل في خلق رأي عام عالمي معاد لإسرائيل، وسياستها تجاه الشعب الفلسطيني، بل تتصاعد حدة الانتقادات والانفصال فيما بين يهود الداخل والخارج.
اقرأ أيضا: عصيان داخل الجيش واحتجاجات وإضرابات.. ماذا يحدث في إسرائيل؟
تداعيات الأحداث على المنطقة
على الرغم من الأحداث الحالية، تمثل أكبر حركة احتجاجات تشهدها إسرائيل في تاريخها، إلا أن المتابع لتعليقات وتفاعلات المتابعين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يدرك أن هذه التحركات أعادت تقديم الشعب والدولة الإسرائيلية، باعتبارهم مدافعين عن الديمقراطية بعيدا عن محاولات “نتنياهو” لبناء نظام سياسي أكثر ديكتاتورية، وهو مكسب سياسي ثمين تحصده إسرائيل.
وفي هذا الإطار، يصرح د. خليل أبو كرش الباحث في الشأن الإسرائيلي في معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي، أنه يمكن متابعة إنعكاس الحدث على الجاليات اليهودية خاصة المتواجدة في الولايات والداعية إلى صورة إسرائيل الديمقراطية.
كما هناك احتمالية قيام الائتلاف الحاكم بمحاولة لفت الأنظار بعيدا عما يجري من خلال عملية عسكرية ،وهناك احتمال أن ينجح الائتلاف في تمرير قوانين القضاء، لتتحول إسرائيل رويدا رويدا نحو دولة دينية وهذا يعزز النزعات الإقليمية الدينية، ومن ثم إعادة هندسة النظام في الإقليم استنادا للمفهوم الديني وليس القومي.
هذا في الوقت الذي ينظر اليمين القومي إلى الضفة الغربية والأردن بوصفها أراض إسرائيلية بمعنى إعادة إحياء ما يسمى بالخيار الأردني ومثال ذلك الخارطة التي أظهرها وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتيرش في أحد مؤامراته في الخارج.
الشعب الفلسطيني أكبر الخاسرين
من ناحية أخرى، فإنه من غير المتوقع أن تشهد العلاقات العربية-الإسرائيلية أي انفراج سياسي كبير من نوعه، على غرار ما حدث في عام 2020.
تختتم الصفتي وأخيرا، يعد الشعب الفلسطيني أكبر الخاسرين من أحداث الداخل، ففي حالة إقرار قانون إصلاح السلطة القضائية؛ستتضاعف حدة الانتهاكات الإسرائيلية تجاه فلسطيني الضفة والقدس.
وحتى في حالة عدم إقرار إصلاحات النظام القضائي الإسرائيلي، فإن أي حكومة إسرائيلية تخرج من رحم الأزمة السياسية الحالية، ستسعى إلى إرضاء الداخل، وأسهل طريق لتحقيق هذه الغاية، يتمثل في تضيق الخناق على الفلسطينيين على جميع المستويات، تحت دعوى استتباب الأمن والاستقرار في البلاد.