في افتتاحية أول أسابيع إبريل/ نيسان، احتلت حلبة الملاكمة غلاف مجلة الإيكونوميست البريطانية/ The Economist، والتي وقف فيها -الحلبة- أشهر لاعبي السياسية الدولية حاليا، الولايات المتحدة والصين. واللذان أطلقا مرحلة جديدة من المنافس.
تقول الافتتاحية: ربما كنت تأمل أنه عندما أعيد الانفتاح مع الصين، وتم استئناف الاتصال وجهاً لوجه بين السياسيين والدبلوماسيين ورجال الأعمال، إن ذلك سيخفف التوترات الصينية- الأمريكية في سلسلة من حفلات العشاء، والقمم، والمحادثات القصيرة.
لكن، الجو في بكين يكشف الآن، أن العلاقة الأكثر أهمية في العالم أصبحت أكثر مرارة وعدائية من أي وقت مضى.
في أروقة الحكومة، يشجب مسئولو الحزب الشيوعي، ما يرون أنه تنمر أمريكي. يقولون إنها -أي الولايات المتحدة- عازمة على ضرب الصين حتى الموت. بينما يصف الدبلوماسيون الغربيون أجواء مليئة بالترهيب وجنون العظمة.
ففي دار ضيافة الدولة ببكين، أعرب المسئولون التنفيذيون متعددو الجنسيات، الذين يحضرون منتدى التنمية الصيني، عن قلقهم مما قد يعنيه الانقسام الأعمق بالنسبة لأعمالهم.
اقرأ أيضا: في السياسة العالمية.. بعض القواعد تهم أكثر من غيرها
الشيء الوحيد الذي يتفق عليه الطرفان هو أن أفضل حالة هي الدخول في سنين من القطيعة. وأن الأسوأ هو ازدياد احتمالية الحرب.
طرق معكوسة
إن كل جانب يتبع منطقه الذي لا يرحم. لقد تبنت أمريكا سياسة الاحتواء، رغم أنها ترفض استخدام هذا المصطلح. إنها ترى صينًا استبدادية تحولت من حكم الحزب الواحد إلى حكم الفرد.
من المرجح أن يظل الرئيس “شي جين بينج” المعادي للغرب في السلطة لسنوات. وهو داخليا، ينتهج سياسة القمع التي تهدد القيم الليبرالية. وخارجيا لقد حنث بوعوده بالتحلي بضبط النفس، من هونج كونج إلى جبال الهيمالايا. وفي لقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا الشهر، أكد أن هدفه هو بناء نظام عالمي بديل يكون أكثر ودية للحكام المستبدين.
في مواجهة هذا الأمر، تسرع أمريكا بشكل مفهوم احتواءها العسكري للصين في آسيا، وتجدد التحالفات القديمة وتخلق تحالفات جديدة، مثل اتفاقية aukus “أوكوس”مع أستراليا وبريطانيا.
وفي التجارة والتكنولوجيا، تفرض أمريكا حظرًا صارمًا ومتوسعًا على أشباه الموصلات، والسلع الأخرى.
الهدف هو إبطاء الابتكار الصيني، حتى يتمكن الغرب من الحفاظ على تفوقه التكنولوجي. فلماذا تسمح أمريكا باستخدام اختراعاتها لجعل النظام المعادي أكثر خطورة؟.
بالنسبة لقادة الصين، فإن هذا يرقى إلى مستوى مخطط لشلها، أمريكا في نظرهم تعتقد أنها استثنائية. لن تقبل أبدًا أن تكون أي دولة قوية مثلها، بغض النظر عما إذا كانت شيوعية، أو ديمقراطية. لن تتسامح أمريكا مع الصين إلا إذا كانت خاضعة، أن تكون “قطة سمينة، وليست نمرًا”.
تعني التحالفات العسكرية الأمريكية- الآسيوية أن الصين تشعر بأنها مطوقة ضمن دائرة نفوذها الطبيعي. تم الاتفاق على الخطوط الحمراء في سبعينيات القرن الماضي، عندما أعاد البلدان العلاقات، مثل: تلك الموجودة في تايوان، الآن هذه الخطوط يلهو بها سياسيون أمريكيون جاهلون ومتهورون. بينما يعتقد حكام الصين أنه من الحكمة -فقط- زيادة الإنفاق العسكري.
وفي التجارة، يرى الصينيون أن الاحتواء الأمريكي غير عادل. لماذا يجب حرمان دولة يقل فيها الناتج المحلي الإجمالي للفرد بنسبة 83% عن نظيرتها في أمريكا من التقنيات الحيوية؟ أصيب المسئولون وأصحاب الأعمال بالذهول من مشهد TikTok، وهي شركة صينية، وهي “تحمص على الجانبين على طاسة جلسة الاستماع بالكونجرس الأمريكي هذا الشهر”.
بالنظر إلى هاتين النظرتين الراسختين والمتناقضتين، من السذاجة الاعتقاد بأن المزيد من الدبلوماسية وحدها يمكن أن تضمن السلام.
أدى اجتماع في بالي بأندونيسيا بين الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس شي في نوفمبر/ تشرين الثاني، إلى تخفيف حدة التوترات، لكن منطق المواجهة الأعمق سرعان ما أعاد تأكيد نفسه. وقد أظهرت أزمة بالون التجسس -يسخر المسئولون الصينيون من أمريكا لإسقاط ما يسمونه ” البالون المشاغب الضال”- كيف يجب أن يبدو كلا الزعيمين قويين في أوطانهم؟
الطريق إلى السلام
تريد أمريكا من الصين، أن تتبنى حواجز حماية للسيطرة على التنافس، بما في ذلك الخطوط الساخنة والبروتوكولات الخاصة بالأسلحة النووية. لكن الصين ترى نفسها على أنها الطرف الأضعف: لماذا تقيد نفسك بالقواعد التي وضعها المتنمر؟ لا شيء يوحي بأن الأعمال العدائية ستخف.
ستظهر الانتخابات الأمريكية في عام 2024 أن تقريع الصين هي ممارسة تنافسية سيشترك فيها الحزبان. بينما يواجه الرئيس تشي اقتصادا متباطئا، وقد ربط شرعيته برؤية أمة قوية و”متجددة”.
في مواجهة مثل هذا الخصم، يجب على أمريكا والمجتمعات المفتوحة الأخرى الالتزام بثلاثة مبادئ:
الأول: هو الحد من العزل الاقتصادي، الذي يعتقد صندوق النقد الدولي أنه يمكن أن يكلف ما بين 0.2% يمكن إدارتها من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و7% ينذر بالخطر.
تساعد التجارة في القطاعات غير الحساسة أيضًا، في الحفاظ على الاتصال الروتيني بين آلاف الجيوش، وبالتالي تضييق الفجوة الجيو سياسية.
يجب حفظ الحظر على القطاعات الحساسة، أو المناطق التي تمتلك فيها الصين افضلية، لأنها مورد احتكاري هذه تمثل أقلية من التجارة الصينية الأمريكية، حيثما كان ذلك ممكنًا، فإن الشركات التي تمتد عبر جانبي الحرب الباردة -مثل TikTok المتهم بنشر معلومات مضللة صينية- يجب أن يتم تطويقها أو بيعها، ولا يجب إجبارها على الإغلاق.
المبدأ الثاني: هو تقليل فرص الحرب.
الجانبان عالقان في “معضلة أمنية”. من المنطقي أن تدعم موقفك، حتى لو كان ذلك يجعل الطرف الآخر يشعر بالتهديد. الغرب محق في السعي إلى الردع العسكري لمواجهة التهديد الصيني المتزايد، بينما البديل هو انهيار النظام بقيادة الولايات المتحدة في آسيا. لكن السعي وراء الهيمنة العسكرية حول نقاط الرماد، لا سيما تايوان، قد يؤدي إلى وقوع حوادث أو اشتباكات تخرج عن نطاق السيطرة.
يجب أن تهدف أمريكا إلى ردع هجوم صيني على تايوان دون استفزاز بكين، وهذا يتطلب الحكمة وضبط النفس من السياسيين في واشنطن وبكين، التي على عكس قادة أمريكا والاتحاد السوفيتي في الخمسينيات من القرن الماضي، ليس لديها خبرة شخصية في أهوال الحرب العالمية.
المبدأ الأخير: هو أن أمريكا وحلفاءها يجب أن يقاوموا إغراء اللجوء إلى التكتيكات، التي تجعلهم أكثر شبهاً بخصمهم الاستبدادي.
في هذا التنافس، تتمتع المجتمعات الليبرالية والاقتصادات الحرة بمزايا كبيرة، من المرجح أن تخلق الابتكارات والثروة وتسيطر على الشرعية في الداخل والخارج، إذا تمسكت أمريكا بقيم الانفتاح، والمعاملة المتساوية للجميع وسيادة القانون، فسيكون من الأسهل الحفاظ على ولاء حلفائها.
يجب أن تكون أمريكا واضحة في أن خلافها ليس مع الشعب الصيني، ولكن مع الحكومة الصينية، وما تمثله من تهديد للسلام وحقوق الإنسان. إن مسابقة تحديد القرن الحادي والعشرين لا تتعلق فقط بالأسلحة والرقائق -إنها صراع على القيم أيضًا-.