في ورقة سياسات جديدة، أصدرها “مصر 360″، يناقش الباحث محمد عبد الكريم، تداعيات استئناف العلاقات السعودية الايرانية، بعد انقطاعها عام 2016. إذ يرى أن مسألة دعم مصر للسعودية في ملف مواجهة “التهديد الإيراني” كان بندًا دائمًا في تحليلات توازن القوى في الشرق الأوسط، لكن اليوم أصبحت “المصالحة” السعودية الإيرانية وتداعياتها المرتقبة في القارة الإفريقية عبئًا مضافًا على جهود مصر في إفريقيا.
للاطلاع على الورقة كاملة..
تركز الورقة على الآثار المحتملة للاتفاق. ومنها تحقيق طهران اختراقات مهمة في القارة. وتعرض الآثار المرتقبة للاتفاق في ضوء قراءة لمصالح القاهرة في القارة الإفريقية غربًا في منطقة الساحل وشرقًا في القرن الإفريقي.
تداعيات اقتصادية
على صعيد اقتصادي، ستطلق السعودية استثمارات في غرب القارة، وهي تداعيات بدت عليها مؤشرات واضحة في مطلع العام الجاري، ويقصد هنا تحديدًا عدم وجود شروط “سعودية- إيرانية” متبادلة عند توجيه الاستثمارات المختلفة لدول غرب إفريقيا كما اتضح في مؤتمر أخير عقد في طهران (مارس/ آذار 2023)
خلال المؤتمر، أخذت تعهدات باستثمارات وتعاون اقتصادي يمثل طفرة إيرانية نسبيًا بعد تراجع ملحوظ في السياسات الإيرانية في إفريقيا طوال نحو عقد سابق تقريبًا. وقد بادر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي قبل أكثر من عام (فبراير/ شباط 2022) خلال قمة جمعته بنظيره الموزمبيقي فيليب نيوسي Filipe Nyusi في طهران بالإعلان عن استعداد الأخيرة بتوسيع التعاون الاقتصادي والتجاري مع موزمبيق والدول الإفريقية الأخرى.
وسبق وأشار “رئيسي” إلى نهب الغرب موارد إيران الطبيعية، الأمر الذي يتشابه مع نهب موارد الدول الإفريقية بعد الاستعمار. كما دعا “رئيسي” منذ تقلده منصبه (أغسطس/ آب 2021) إلى زيادة مستوى التعاون مع إفريقيا، مع ملاحظة أن مقاربة “رئيسي” الإفريقية، اتسمت بشكل عام بواجهة الصورة النمطية عن “النفوذ الإيراني في إفريقيا”.
مصالح السعودية في القارة
وفي سياق متصل، تناقش ورقة السياسات خريطة المصالح السعودية في القارة، حيث اتخذت منذ مطلع 2022 عدة خطوات لتعزيز حضورها في القارة لا سيما في غرب إفريقيا.
وعلى سبيل المثال، التقى الرئيس الغيني مامادي دومبويا في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 بالرئيس التنفيذي للصندوق السعودي للتنمية سلطان عبد الرحمن المرشد وتوصل الطرفان لمذكرة تفاهم وافق خلالها الصندوق على دعم مشروع للمياه بقيمة 8 ملايين دولار خصصت لبناء 140 بئرا (تعمل بالطاقة الشمسية).
كما عززت الرياض رؤيتها لجنوب إفريقيا، ثالث أكبر اقتصادات إفريقيا بعد نيجيريا ومصر، كبوابة للقيام بالأعمال في القارة، وحاولت الرياض تعزيز علاقاتها مع بريتوريا حيث وقعت معها في أكتوبر 2022 صفقات كبرى بهدف تطوير صناعة الهيدروجين ذلك ضمن مشروعات للطاقة المتجددة والبترول، ليبغ حجم التمويل السعودي 15 بليون دولار.
وسبق أن أعلن ولي العهد محمد بن سلمان عزم الرياض تخصيص حوالي بليون دولار كاستثمارات وقروض لمساعدة الدول النامية في التعافي من الأثر الاقتصادي لجائحة كلوفيد- 19، كما تعهدت الرياض بعدها بدعم أكبر لدول مثل كينيا لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
تفادي الآثار
أما عن استجابة القاهرة ومصالحها يتوقع أن تكون استجابة القاهرة عبر تعزيز دورها الأمني والعسكري في الإقليم واستبعاد – قدر الممكن- أي قرار أحادي بانسحاب القوات المصرية العاملة في الإقليم وضرورة طرح أدوات لتعزيز التعاون العسكري والاقتصادي مع دول الإقليم ضمن صيغ التعاون الإفريقي-الإفريقي الثنائية أو الجماعية القائمة أو التي يمكن وضعها على المدى القريب.
وترى الورقة أن على مصر تبني مقاربات إفريقية أكثر شمولا واستحداث منصات للتعاون المصري الإفريقي بشكل مباشر وموازي لأدوات الاتحاد الإفريقي ومنظماته الفرعية.
كما يمكن أن تتفادى القاهرة التداعيات السلبية للتقارب الإيراني السعودي على مصالحها في إفريقيا عبر تكريس وتبني سياسات منفتحة تتفق مع تفادي حساسية الدول الإفريقية الراهنة تجاه مشروطيات التعاون والعلاقات الثنائية. وكذلك تعزيز سياسات مصرية في القارة تقوم على فك الارتباط بسياسات الدول الخليجية واستعادة مصر للمبادرة كاملة في إدارتها لعلاقاتها الإفريقية، وهي خطوة مهمة ستغير كثيرًا من حالة التخبط الراهنة في ملفات مصرية- إفريقية متعددة.
تأثيرات معنوية
تراجع الحروب المذهبية، أحد ثمار الاتفاق حسب ما يورد عبد الكريم، والذي يتوقع أن تقود عملية تطبيع العلاقات بين طهران والرياض إلى تراجع حدة المواجهة بينهما في القارة الإفريقية، ذلك كواجهة للخلافات السياسية التي تصاعدت قبيل الإعلان عن التطبيع.
وربما يفضي ذلك إلى اتساع أفق حركة مصر في هذا المسار عبر مؤسسة الأزهر الشريف، التي تعد إلى جانب الكنيسة القبطية أحد أهم أدوات سياسات القاهرة التقليدية في إفريقيا، لكن التوقعات لا تبدو مبشرة في هذا السياق في ضوء أن الزيارة الأخيرة لشيخ الأزهر أحمد الطيب لنيجيريا تمت قبل نحو سبعة أعوام كاملة.
ورغم زخم أجندة الزيارة وقتها بقضايا تهم مصر ونيجيريا معًا (مثل مواجهة التطرف والإرهاب، ونشر الوعي)، فإن هذا التعاون لم يترجم بشكل واضح على الأرض.
وهكذا، فإن استفادة مصر من المتغير المرتقب في تراجع الخلافات المذهبية السعودية-الإيرانية تتوقف على قدرة القاهرة على تنشيط دور الأزهر وتعميق فهم كونه أداة فعالة في استعادة الحضور المصري في إقليم غرب إفريقيا، وتحرير رؤية دوره من الاقتصار على ملف مواجهة الإرهاب والتطرف إلى تفعيل تعاون علمي والتوسع في أنشطته في الإقليم.
وذلك على نحو يخدم قطاعات واسعة من السكان بغض النظر عن الانتماء المذهبي سواء في دول ذات أغلبية مسلمة أم ذات أقليات إسلامية كبيرة. خاصة في شرق القارة التي شهدت مواجهات بين نشاط شيعي وآخر سني.