هل كانت السيدة أمال إبراهيم ميخائيل وزوجها “أصحاب قضية الطفل شنودة” يعرفان أن القانون يمنعهما من تسجيل الطفل، الذي عثرا عليه داخل الكنيسة، باسميهما في الأوراق الثبوتية؟ بالطبع لا. علاوة على ذلك، فإن “الجزء” الخاص بالتبني في لائحة 38 للأحوال الشخصية تم إيقاف العمل به منذ عقود إبان فترة تولي البطريرك الراحل البابا شنودة الثالث رئاسة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

كان هم السيدة وزوجها أن يحملا الرضيع، ويأخذانه إلى المنزل، باعتباره هدية من الله بعد حرمانهما من الأطفال لسنوات طويلة، وزاد من هذا الشعور باستحقاقية الطفل وعدم الالتفات لـ”تقنين” وضعه، هو كلام كاهن الكنيسة، حينما قال لهما:” إن الله بعث لكما هذا الطفل”.

والأسئلة الأخرى التي يجب أن تُطرح: هل تمنع المسيحية التبني؟ هل ينص القانون على أحقية المسيحيين في التبني؟ هل تُفعل المادة الثالثة من الدستور التي تقول بـ”احتكام غير المسلمين إلى شرائعهم فيما يخص مسائل الأحوال الشخصية”؟ وهل يُمكن فتح ملف التبني مرة أخرى؟ وأخيرًا، هل يُغني قانون الأسرة البديلة أو ما يُعرف بالتكافل، الأسر المسيحية عن “التبني”؟

أسرة بديلة أم تبني؟

قضية الطفل “شنودة” -المعاد حديثًا إلى أسرته بقرار من النيابة العامة وبعد فتوى من مركز الفتوى تفيد بمسيحية الطفل اعتمادًا على وجوده داخل الكنيسة- أعادت فتح ملف “التبني”، بعد أن تنازلت الكنيسة عنه في مشروع قانون الأحوال الشخصية المقدم لوزارة العدل، والمزمع مناقشته برلمانيًا خلال دور الانعقاد الحالي.

في سبتمبر من العام الماضي، أبلغت ابن شقيقة "فاروق فوزي" عن تزوير الزوجين شهادة ميلاد الطفل، وعدم صحة نسبته إليهم، خوفًا من حجب ميراث خالها
في سبتمبر من العام الماضي، أبلغت ابن شقيقة “فاروق فوزي” عن تزوير الزوجين شهادة ميلاد الطفل، وعدم صحة نسبته إليهم، خوفًا من حجب ميراث خالها

وتعود واقعة “الطفل شنودة” إلى عام 2018 بعد أن وجدت السيدة “آمال ميخائيل”، وزوجها “فاروق فوزي” رضيعًا داخل إحدى الكنائس. وقررا تبنيه بعد إطلاع كاهن الكنيسة على تفاصيل القصة، واعتبراه “هدية من السماء”-على حد تعبيرها، ثم استخرجا شهادة ميلاد رسمية تثبث نسب الطفل إليهما.

وفي سبتمبر من العام الماضي، أبلغت ابن شقيقة “فاروق فوزي” عن تزوير الزوجين شهادة ميلاد الطفل، وعدم صحة نسبته إليهم، خوفًا من حجب ميراث خالها.

وبعد اتخاذ الإجراءات القانونية، قررت النيابة العامة إجراء تحليل الحمض النووي DNA للزوجين، والذي أسفر عن عدم إثبات نسب الطفل لهما. وبناء عليه قررت النيابة إيداع الطفل في دار للرعاية مع تغيير اسمه وديانته، وبعد فتوى الأزهر الشريف أعيد الطفل مرة أخرى لأسرته البديلة.

لكن وضمن القرار، فقد كلفت النيابة السيدة أمال وزوجها موقتاً، بالاعتناء بالطفل كعائل مؤتمن، ولم تقر تبنيهما له بل كلفتهما باستكمال إجراءات “كفالة” الطفل وفقاً لنظام “الأسر البديلة”.

وطبقًا للقانون يجوز للأسر المسيحية رعاية طفل من إحدى دور الرعاية المسيحية بعد اتخاذ إجراءات فرضتها وزارة التضامن الاجتماعي طبقًا لـ”نظام الأسر البديلة”، من بينها أن تكون ديانة الأسرة هي ذاتها ديانة الطفل، وأن يكون أحد أفرادها مصريًا، وأن تتكون من زوجين صالحين تتوافر فيهما مقومات النضج الأخلاقي، والاجتماعي، بناءً على بحث اجتماعي.

يأتي ذلك بجانب ضرورة أن يكون دخل الأسرة كافيًا لسد احتياجاتها، وأن تتعهد الأسرة بتوفير احتياجات الطفل محل الرعاية.

لائحة 38.. والتبني

وحتى نهاية سبعينيات القرن الماضي، أتاحت لائحة الأقباط الأرثوذكس المعروفة بـ”لائحة 38″ التبني للمسيحيين، قبل أن يعطلها البطريرك الراحل البابا شنودة الثالث في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1971 بحجة تضمينها مواد تخالف الشريعة المسيحية.

ومع إعادة فتح ملف “التبني” في أعقاب قضية الطفل “شنودة” طالب د.إيهاب رمزي- عضو مجلس النواب، بعودة العمل بلائحة 38 المتضمنة إباحة “التبني” للمسيحيين، لافتًا إلى أنها عطلت بعد دستور 1971، والذي اعتبر الشريعة الإسلامية مصدرًا للتشريع، واللائحة تتعارض مع ذلك.

قال رمزي: إن الأمر لا يحتاج لإصدار تشريع جديد، إذا ما أقدمت وزارة التضامن الاجتماعي على تنظيم أحوال المسيحيين وفق لائحتهم، مشيرًا إلى أن القانون موجود بالفعل، لكنه معطل.

وأضاف رمزي لـ”مصر360″: أن صدور القرار يمكن المسيحيين من “التبني”، لكونه جائز في المسيحية، غير أنه ليس مدرجًا في قانون الأحوال الشخصية المقدم من الكنائس.

وفرضت لائحة الأقباط الأرثوذكس المعروفة بـ”لائحة 38” شروطًا للتبني، منها “عدم جواز التبني إلا إذا وجدت أسباب تبرره، وتحققت فائدة للمتبنَّى”.يخول المتبني أن يلقب المتبنَّى وذلك بإضافة لقب إلى اسمه الأصلي، وأن يكون المتبني تجاوز سن الأربعين، وألا يكون عنده أولاد ولا فروع شرعيين وقت التبني، وأن يكون حسن السمعة.

كما حظرت اللائحة الزواج بين المتبنَّى، والمتبني وفروع الأخير، وبين المتبنَّى وأولاد المتبني الذين رُزقهم بعد التبني، وبين الأولاد الذين تبناهم شخص واحد، ومنعت اللائحة أن يرث المتبنَّى تركة المتبني من غير وصية.

حتى نهاية سبعينيات القرن الماضي، أتاحت لائحة الأقباط الأرثوذكس المعروفة بـ"لائحة 38" التبني للمسيحيين، قبل أن يعطلها البطريرك الراحل البابا شنودة الثالث في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1971
حتى نهاية سبعينيات القرن الماضي، أتاحت لائحة الأقباط الأرثوذكس المعروفة بـ”لائحة 38″ التبني للمسيحيين، قبل أن يعطلها البطريرك الراحل البابا شنودة الثالث في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1971

المادة الثالثة من الدستور

ورغم :أن الدستور المصري الصادر عام 2014 ضمن في مادته الثالثة احتكام غير المسلمين إلى شرائعهم فيما يخص مسائل الأحوال الشخصية، بالتوازي مع إباحة حق التبني في الشريعة المسيحية، غير أن تقنينه يحتاج إلى قانون مستقل حسبما أفادت د.سوزي عدلي ناشد: الأستاذ بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية، وعضو مجلس النواب السابق.

وقالت: إنه حتى الآن لا يمكن تقنين التبني إلا من خلال الكفالة، لافتة إلى أن النص الدستوري غير كاف لتقنينه، لأنه يضع فقط الأساس للقانون.

وأضافت لـ”مصر360″: أن وضع قانون لتقنين التبني أمر هام، رغم وضوح المادة الثالثة من الدستور، مستشهدة بـ”قانون تقنين بناء الكنائس” الذي نظم البناء وفقًا لقانون مستقل.

ووفق المتعارف عليه، فإن جميع الأطفال مجهولي النسب، هم مسلمون بالفطرة. ووفق القانون، يُمنع التبني للأطفال، مع طرف مشروع قانون الأسرة البديلة ” التكافل”.

يأتي ذلك متسقًا مع ما يقوله “شعبان سعيد”-محام بالنقض- حول صعوبة تقنين “التبني” بوصفه المتعارف عليه، لكنه في إطار الكفالة، أو نظام “الأسرة البديلة” بحيث لا يرث “المتبنى”، ويخضع المتبني لشروط القانون المفروضة لكفالة طفل.

ولا يحق للطفل المكفول أن يحمل اسم كافليه ولا أن يرثهما، ولكن يحق له فقط أن يُعطى “هبة”.

لكن المادة الثالثة في دستور 2014 أعطت غير المسلمين سنداً دستورياً في تطبيق شريعتهم. إلا أن كمال زاخر –مؤسس جبهة العلمانيين الأقباط- يراها مادة “شكلية”، وغير مفعلة حتى الآن.

واستطرد قائلًا:” إذا لم تفعّل، ولم تطبق شرائع غير المسلمين، فيجب أن تحذف مع المادة الثانية من الدستور، وتبدأ أولى خطوات الدولة المدنية”.

قضية “شنودة”.. هل تضع حلًا؟

ومع مطالبات بتقنين وضعية “التبني”، وتفعيل النص الدستوري، لم يعتبر “د.إيهاب رمزي” قضية الطفل شنودة انتصارًا لموقعة “تقنين التبني”، وإباحته للأقباط، لافتًا إلى أن حل مشكلة الطفل، لا تعني حل مشكلة الأقباط.

يصف “عضو مجلس النواب” وضعية الطفل العائد مؤخرًا إلى أسرته البديلة بأنها حالة فردية، لا يمكن البناء عليها، لأنها محاطة بإشكاليات قانونية، وتعقيداتها ترجع إلى غياب القانون.

ويضيف: لولا فتوى الأزهر في قضية الطفل “شنودة” لما تم حلها إطلاقًا، واستطرد قائلًا:”لا نرغب أن تكون مشكلة كهذه قائمة في مصر، داعيًا إلى تضمين التبني في مشروع قانون الأحوال الشخصية الخاص بالمسيحيين، والمزمع مناقشته برلمانيًا خلال دور الانعقاد الحالي”.

وعدلت مصر قانون الطفل عام 2018 الخاص بها، ما سمح لمزيد من الناس، من بينهم العازبات، بتبن وكفالة مجهولي النسب في ظل نظام الأسر البديلة في مصر.

في حين يرى “المحام بالنقض”-شعبان سعيد- أن التبني لا يندرج ضمن “الأحوال الشخصية” لكي تكون المادة الثالثة من الدستور مرجعًا في تقنينه، لافتًا إلى أن الكنيسة استبعدته من القانون احترامًا للنظام العام، واكتفت بتضمين “مشروع قانون الأحوال الشخصية” قضايا الزواج، والطلاق.

وهدفت التعديلات التي أُجريت على قانون الطفل، إلى معالجة إساءة معاملة الأطفال، واستغلالهم وتوفير إعانة مالية لدور الرعاية، وتتولى اللّجنة العليا للأسر البديلة، وهي لجنة قضائية، دراسة طلبات الكفالة. وقد حددت مجموعة من الشروط يجب أن يفي بها الزوجان اللّذان مضى على زواجهما ثلاث سنوات على الأقل. كما تلزم وزارة التضامن الاجتماعي المتقدمين بطلب التبني، بالمشاركة في برامج تدريبية للآباء للحصول على حقّ الكفالة.

ونتيجة لذلك، ارتفع عدد الأطفال المكفولين من 3000 عام 2015 إلى 12,000 عام 2018، وذلك بحسب قطاع الرّعاية الاجتماعية التابع لوزارة التضامن الاجتماعي.

ويُعد نظام الكفالة الأقرب إلى أنظمة التبني في مصر، إذ لا يحق للطفل المكفول حمل اسم أبويه نظرًا لحرص الشّريعة الإسلامية على عدم اختلاط الأنساب لحماية النسب والميراث.

موقف الكنيسة

وحول موقف الكنيسة من التنازل عن “التبني” بقانون الأحوال الشخصية المقدم للحكومة، يرجع المستشار منصف سليمان –وكيل لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب- والمستشار القانوني للكنيسة سبب تنازل الكنيسة إلى رغبتها في عدم مخالفة النظام العام للدولة، لافتًا إلى أنه على الرغم من توافق التبني مع الشريعة المسيحية، لكن قوانين الدولة تجرمه.

ويضيف “سليمان”: في تصريحات صحفية” أن لائحة 38 المنظمة لشؤون الأقباط الأرثوذكس فيما يخص الأحوال الشخصية، والتي تبيح التبني، لا علاقة لها بالوضع الحالي، ويستطرد قائلًا: “لا يجوز التبني في الشريعة الإسلامية، ونحن نحافظ على النظام العام”.

تعود واقعة "الطفل شنودة" إلى عام 2018 بعد أن وجدت السيدة "آمال ميخائيل"، وزوجها "فاروق فوزي" رضيعًا داخل إحدى الكنائس.
تعود واقعة “الطفل شنودة” إلى عام 2018 بعد أن وجدت السيدة “آمال ميخائيل”، وزوجها “فاروق فوزي” رضيعًا داخل إحدى الكنائس.

ويشير –وكيل لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب- إلى أن ممثلي الكنائس استجابوا لمطالب الدولة بحذف النصوص الخاصة بالتبني، مراعاة للنظام العام، رغم أن المادة الثالثة من الدستور تسمح لغير المسلمين بالاحتكام إلى شرائعهم، لكن الكنائس توافقت على مبدأ:”بما لا يؤذي إخواننا المسلمين”.

لكن القس رفعت فتحى الأمين العام لسنودس النيل الإنجيلىي يقول: إن الشريعة المسيحية لا تحرم التبنى، وإن كان من حقنا الاحتكام لشرائعنا الخاصة وفقا للمادة الثالثة من الدستور، فمن حقنا ضم التبنى للقانون على أن يصبح للأطفال المسيحيين فقط.

ويضيف: أعرف أسر تبحث عن طفل تكتبه باسمها، ومن حق الدولة أن تضع الضمانات التى تكفل تبنى الطفل المسيحى لأسرة مسيحية، رافضا اعتبار القانون مدخلا لتنصير الأطفال لأنه نوع من الخداع- على حد وصفه.

ومع ذلك تراجعت الكنيسة الإنجيلية في نهاية الأمر عن بند “التبني”، قبيل إرسال مشروع قانون الأحوال الشخصية إلى وزارة العدل في يوليو من العام قبل الماضي.

ويقول “شعبان سعيد”: إن موقف الكنيسة محسوب لها، لافتًا إلى تفضيلها استقرار المجتمع، والحفاظ على نظامه، ويستطرد قائلًا:”يصعب تقنين التبني لأن الشريعة الإسلامية تحرمه، لكن بعد واقعة “الطفل شنودة” يجب أن تكون الكفالة بين طفل وأسرة متطابقين في الديانة، فالمسيحي يكفل أطفالًا من دور رعاية مسيحية، وكذلك المسلمين، حتى لا يقال: إن الكفالة تفتح باب توتر ديني.

وسبق أن تنازلت الكنيسة الأرثوذكسية عن المادة الخاصة بالتبنى فى مشروع “قانون الأحوال الشخصية” باعتبارها مخالفة للقانون المصرى العام المستمد من الشريعة الإسلامية التي تحرم التبني.