تصاعدت الحرب الكلامية بين الولايات المتحدة الأمريكية، ومنظمة الدول المصدرة للنفط، وشركائها “أوبك بلس” بعد قرار 6 دول مُصدرة خفض إنتاجها اليومي من النفط بأكثر من 1.5 مليون برميل يوميًا، بدءًا من مايو المقبل حتى نهاية العام الجاري، في خطوة من شأنها رفع أسعار الخام، وفرض المزيد من الضغوط على مستوى التضخم عالميًا.
فاجأت روسيا، والسعودية، والإمارات، والكويت، وسلطنة عمان، والجزائر الأسواق، باتخاذ كل منها قرارًا منفردًا يتضمن أكبر خفض للإنتاج منذ أكتوبر 2022، وهو تحرك صادف انتقادات أمريكية كبيرة بعدما حرك أسعار النفط للأعلى؛ لتسجل العقود الآجلة لخام برنت تسليم يونيو/حزيران 86 دولارًا للبرميل، في أعلى مستوى في نحو شهر.
وتوقع “بنك جولدمان ساكس” زيادة أسعار العقود الآجلة لخام برنت لديسمبر/كانون الأول 2023، بنحو 5 دولارات إلى 95 دولارا للبرميل، فيما رفع التوقعات لديسمبر/كانون الأول 2024، إلى 100 دولار للبرميل.
هل يستطيع المنتجون المقاومة؟
تصدرت روسيا والسعودية قائمة الدول التي أعلنت التخفيض بواقع 500 ألف برميل يوميًا لكل منهما، وتبعهما العراق بـ 211 ألف برميل، والإمارات 144 ألف برميل، والكويت 128 ألف برميل، والجزائر 48 ألف برميل، وسلطنة عمان 48 ألف برميل.
وقالت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين: إن قرار خفض إنتاج النفط تصرف “غير بناء ومؤسف”، ومن شأنه أن يفاقم الضبابية بالنسبة لتوقعات النمو العالمي، والعبء على كاهل المستهلكين في ظل ارتفاع التضخم، لكن الكرملين دخل على الخط واعتبر استياء بعض الدول ـ قاصدا واشنطن ـ من خفض إنتاج النفط شأن خاص بها، وأن القرار جاء لمصلحة قطاع الطاقة العالمي.
بررت الدول الستة قراراها بأنه إجراء مسئول، ووقائي لاستقرار أسواق البترول عالميا بعد تراجع الأسعار لمستويات 74 دولارا للبرميل، لكن الدول الصناعية المستهلكة تراه ضربة للأسواق، باعتباره يضاف إلى تخفيض الإنتاج الذي اتُّفق عليه بالاجتماع الوزاري الثالث والثلاثين للدول الأعضاء بمنظمة أوبك، والدول المنتجة من خارجها (أوبك +)، الذي عُقد في 5 أكتوبر 2022.
في المقابل، اعتبرت مصادر صحفية بريطانية القرار رد فعل سعودي غاضب على قرار واشنطن بتأجيل مشترياتها الخاصة بإعادة بناء المخزون الاستراتيجي للنفط، فالرياض كانت تعول على “تطمينات أمريكية”، بأنها ستتدخل حال تراجع أسعار النفط، عبر إجراء مشتريات، لدعم مخزونها الاستراتيجي بالشكل الذي يضمن دعم الأسعار.
تشريع نوبك.. ورقة أمريكية للضغط
مع قرار “أوبك+”، عاد الحديث مجددًا في الولايات المتحدة حول تشريع “نوبك” (قانون حظر إنتاج وتصدير النفط، إذ يسمح للأفراد والشركات الامريكية بمقاضاة منتجي النفط الذين يتدخلون لرفع أسعار النفط) وهي خطوة من شأنها مقاضاة أوبك بتهمة الاحتكار لرفع الأسعار، لكن تلك الخطوة ستؤدي لتأزم في العلاقات الدبلوماسية مع دول الخليج في المقام الأول، كما ستخلق صورة سلبية عن الدول الصناعية السبع الكبرى والاتحاد الأوروبي وأستراليا التي سبق لها أن فرضت سقفًا سعريًا على صادرات النفط الروسية.
أمين منظمة الدول العربية المصدرة للنفط “أوابك” جمال اللوغاني، حذر واشنطن من تبني قانون «نوبك» باعتباره سيؤدي حال إقراره إلى عجز الإمدادات، عن تلبية الطلب المستقبلي في سوق النفط العالمية بشكل ملحوظ، خاصة في ظل انخفاض المخزونات الاستراتيجية إلى مستويات متدنية حرجة، بعد استخدامها من أعضاء في وكالة الطاقة الدولية كأداة للتأثير على السوق النفطية بعد الأزمة الأوكرانية، وهو الأمر الذي ثبت عدم فعاليته بمرور الوقت.
قالت هيلما كروفت: العضوة المنتدبة، والرئيسة العالمية لاستراتيجية السلع في RBC Capital، إن “السعودية تتبنى حاليًا استراتيجية اقتصادية مستقلة عن الولايات المتحدة، بعد تدهور العلاقات بين الرياض وواشنطن، معتبرة أن الرياض أرسلت إلى الولايات المتحدة رسالة، بأن العالم لم يعد أحادي القطب خاصة، بعد الصفقة الدبلوماسية الأخيرة التي تمت بين الرياض وطهران بوساطة الصين.
بحسب أحمد حنفي، الخبير الاقتصادي، فإن قرار “أوبك +” يحمل في ظاهره تحقيق التوازن بين العرض، والطلب، واستقرار السوق، وهو أمر تتبعه الدول المصدرة للنفط كإجراء احترازي للتحوط ضد المزيد من تقلبات السوق، لكنه سيزعج أمريكا باعتباره سيرفع الأسعار ما بين 5 و10 دولارات للبرميل الواحد على أقل تقدير.
وأضاف: أن القرار سيشهد ضغوطًا من الاتحاد الأوروبي، وأمريكا التي تعتبره سياسة “لي ذراع” من روسيا، والدول المتحالفة معها في “أوبك +”، علاوة على تأثيره على مستوى الأسعار عالميًا في الدول المستوردة للنفط.
وتواجه أوروبا أزمة كبيرة منذ اندلاع الحرب الروسية، مع ارتفاع أسعار النفط وعجزها حتى الآن عن إيجاد بدائل قوية للغاز الروسي، الأمر الذي رفع التضخم إلى 6.9% في مارس/ آذار مع تصاعد مستمر في أسعار المواد الغذائية، ومخاوف من أن يؤدي رفع الفائدة المستمر في دخول اقتصاديات المنطقة دائرة الركود.
انخفاض الاحتياطي وحلول واشنطن
ووفقاً لبيانات وزارة الطاقة الأمريكية، تمتلك الولايات المتحدة حالياً نحو 371 مليون برميل، ، وهي تمثل نصف طاقة احتياطي البترول الاستراتيجي، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى السحب التاريخي لـ180 مليون برميل العام الماضي لترويض أسعار البنزين المرتفعة في أعقاب الحرب في أوكرانيا، ما يعني ان واشنطن ليس لديها مساحات كبيرة لمواجهة الأسعار عبر الضخ من الاحتياطيات.
الدكتور نبيل المرسومي، أستاذ الاقتصاد بجامعة البصرة بالعراق، يقول إن القرار يتضمن اعتبارات اقتصاديةً وسياسية محتملة وأدى الى ارتفاع سعر خام برنت بنحو 5 دولارات لكنه يتفق مع سلوك المنتجين في سوق احتكار القلة الذين يستهدفون تعظيم ارباحهم وهو ما حصل فعلا في المدى القصير.
حذر من أن تخفيض الانتاج بقصد رفع الأسعار، سيؤدي الى الحاق الضرر بالنمو الاقتصادي العالمي خاصة، أن الدول الغربية تعاني حاليًا من ازمة الركود التضخمي، ما قد يؤدي في المدى المتوسط الى ضعف الطلب العالمي على النفط، وانخفاض أسعاره، فضلا عن مخاطر خسارة “أوبك +” لحصصها السوقية مستقبلا ومخاطر أخرى تتعلق باحتمال تشريع قانون “نوبك”، الذي يسمح للأفراد والشركات الامريكية بمقاضاة منتجي النفط الذين يتدخلون لرفع أسعار النفط.
هل تتأثر مصر من خفض “أوبك +” الإنتاج؟
ويرى المهندس مدحت يوسف نائب رئيس هيئة البترول السابق، إن خفض إنتاج “أوبك +” لن يحمل تأثيرات على الاقتصاد المصري على المدى القصير، فالأسعار الحالية للبرميل أقل من المستهدف في الموازنة العامة للدولة، لافتا إلى أن الأسعار تراجعت قبل صدور قرار أوبك + لمستويات 74 دولارًا بسبب ضعف الطلب.
ويبلغ سعر برميل النفط في موازنة مصر للسنة المالية الحالية 2022-2023 نحو 80 دولارًا، ومن المتوقع رفعها في مشروع الموازنة العامة للدولة الذي يناقشه مجلس النواب حاليًا، خاصة أن كل دولار زيادة في سعر برميل البترول، عن السعر المقدر له في الموازنة الجديدة، يضيف تكلفة إضافية على الحكومة بقيمة 2.3 مليار جنيه،لا سيما أن مصر تستورد 100 مليون برميل سنويًا.
أضاف مدحت يوسف: أن دول “أوبك +” الستة أصدرت قراراتها منفردة وليس بقرار من المنظمة ذاتها بهدف تحاشي الاتهام بخلق ممارسات احتكارية، ويأتي ضمن سياق أحقية كل دولة في اتخاذ قرارها منفردة بما يحقق مصلحتها.