ضمن مشروع “جائحة كوفيد- 19 والحماية الاجتماعية”، أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ورقة سياسات حول العمالة الهشة في ظل الأزمات الاقتصادية. تناقش الورقة التي كتبها الباحث الاقتصادي والاجتماعي محمد جاد بالتعاون مع الباحثين بوحدة العدالة الاقتصادية, أحوال العمالة الهشة والقطاعات التي يعملون بها، كما تلقي نظرة على سوق وظروف العمل للقطاعات الهشة.
وعرفت الأمم المتحدة العمالة الهشة بأنها “تتألف من إجمالي العاملين لحسابهم الخاص والعاملين المساهمين في عمل الأسرة ، والأشخاص الذين تقلّ حظوظهم في الحصول على ترتيبات عمل رسمية، وهم بالتالي يفتقرون إلى ظروف العمل اللائقة، والضمان الاجتماعي المناسب و فرصة فعلية لإيصال صوتهم من خلال النقابات والمنظّمات المماثلة”.
وضمن الورقة، فإن وباء كورونا سلط الضوء على أوضاع العمالة الهشة، بما فيها الاحتياج إلى مظلة حماية اجتماعية، أثرت على سوق العمل بشدة، خاصة في الوقت الذي سادت فيه الإجراءات الاحترازية، بما فيها حظر التجوال، والذي أدى إلى تعطل بعض الأنشطة الاقتصادية وتراجع بعضها الآخر.
تتناول الورقة أيضًا، الإجرءات الحمائية التي تم اتخاذها رسميًا في مصر بالمقارنة بسياسات الحماية في دول أخرى، وتعرض مثالين، أمريكا وبريطانيا. وحاولت الورقة تقييم الإجراءات الرسمية وأثر الجائحة على قطاعات العمل الهشة، وانتهت بعرض توصيات لتحسين مظلة الحماية الاجتماعية.
أوضاع العمالة الهشة
تستعرض الورقة أنواع العمالة الهشة، من يعمل دون تعاقد قانوني وتغطية تأمينية، والذين يعملون بعقود مؤقتة، ونوع ثالث يعمل في أنشطة مؤقتة وموسمية، كما الأنشطة السياحية وقطاع البناء.
وتشير الورقة إلى ضعف الدور الرقابي في حماية حقوق العمال، وتآكل الأجور في ظل تراجع قيمة الجنيه، وعدم قدرة العمال المطالبة برفع الأجور.
آثار كورونا
ضمن آثار اقتصادية للوباء ترتبت على إجراءات احترازية، منها الإغلاق، أصيبت الأنشطة الاقتصادية بالشلل، خاصة أنشطة المطاعم والمحال التجارية والنقل التي تعطلت بسبب حظر التجوال، إضافة إلى الأنشطة السياحية.
وأظهرت المؤشرات العامة تضرر سوق العمل خلال فترة حظر التجوال، حيث ارتفعت نسبة البطالة إلى 9.6 % في الربع الثاني من 2020. وإن كانت قد عادت للانخفاض منذ الربع الثالث، لكن هذا المؤشر وحده لا يكفي لتقديم صورة كاملة عن أحوال سوق العمل، وتظهر دراسة لجهاز الإحصاء على عينة محدودة من العاملين أن ما يزيد عن 26 % من العينة تعطلت خلال الأشهر التالية للجائحة.
الوظائف والأجور
وبجانب ذلك، فإن جودة الوظائف المؤقتة عادة ما تكون متدنية، ولا يستطيع العامل أن يضمن تراكم الامتيازات الناتجة عن طول فترة الخدمة. كما لا يمنح العمل المؤقت ميزة التصاعد التدريجي في الدخل، فالقانون يضمن للعامل الدائم علاوة بنسبة % 7 من الأجر سنويا يتم ضمها للأجر الأساسي، أما العامل الذي يوقع عقد جديد كل سنة لا يتمتع بهذه الميزة.
أما عن الأجور، فهي متفاوتة في القطاعات الهشة، ففي حين ترتفع في أوساط عمال البناء وعمال النقل والتخزين، فإنها تنخفض في أوساط العاملين في قطاعات خدمات المطاعم والفنادق.
وعموما تعاني القطاعات كثيفة التشغيل من ضعف الأجور، وحتى أن ارتفع الأجر فيها فهي لا توفر عملاً مستقرًا، مثل أعمال الإنشاءات والنقل.
وساهمت موجات التضخم المتتالية، خاصة بعد تعويم الجنيه في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، في الحد من القيمة الحقيقية للأجور، وفي ظل العوائق القانونية والأمنية أمام تنظيم العمال كانت قدرة العاملين على تحسين أجورهم محدودة، وتتأثر أيضًا بطبيعة العمل المؤقت.
الحماية الاجتماعية خلال الجائحة
أشارت الورقة إلى أنماط وسياسات الحماية الااجتماعة التي طبقتها الولايات المتحدة وبريطانيا خلال فترة انتشار الوباء، وهي تتضمن سياسات حمائية منها ما تعلق بتمويل أجور العاملين، عبر توفير دعم للقطاع الخاص حتى لا يسرح العمال خلال الوباء. طبقت بريطانيا سياسات التمويل، بينما طبقت الولايات المتحدة الأمريكية إجراءات منها تقديم منح للعاملين وتعويض عن البطالة.
تجربة مصر
سعت مصر إلى تطبيق سياسة دعم الأجور ولكن في نطاق محدود، وتعلقت هذه المساعي بشكل رئيسي بالعاملين في قطاع السياحة. وفي السياق، أطلق البنك المركزي في أعقاب تفشي وباء كورونا مبادرة دعم قطاع السياحة لتوفير تمويل ميسّر لإحلال وتجديد الفنادق وتوفير رأس المال العامل والمرتبات.
كما وفر صندوق الطوارئ في وزارة القوى العاملة إعانات للبطالة فى قطاع السياحة والمنسوجات، أما تأمين البطالة فظل أمرًا شبه غائب كما كان قبل الأزمة، هذا على الرغم من النص على تطبيق تأمين البطالة في قانوني التأمينات رقم 79 لسنة 1975 والتأمينات الجديد 148 لسنة 2019.
واستحدثت وزارة القوى العاملة خلال أزمة كورونا سياسة تقديم منح مالية للعمالة غير المؤمن عليها، تمثلت في إعانة شهرية بقيمة 500 جنيه، تم تقديمها لمدة ستة أشهر.
إصلاح قانون العمل
قدمت الورقة عددا من التوصيات أهمها ضرورة إصلاح قانون العمل بما يساهم في تعزيز قدرة العمالة على تنظيم نفسها وتحسين شروط العمل وزيادة الأجور، والحد من التعاقدات المؤقتة واللارسمية.
إضافة إلى تعزيز رقابة وزارة القوى العاملة للحد من ممارسات الفصل التعسفي التي يصعب إثباتها أمام المحاكم العمالية، فضلًا عن تبني الدولة لسياسات تحفز القطاع الخاص على تخفيف تركيزه على الأنشطة الخدماتية والإنشائية، والتوجه بشكل أوسع نحو الأنشطة الصناعية، باعتبارها الأقدر على توفير فرص عمل مستقرة.
أما فيما يتعلق بمنظومة الحماية الاجتماعية للعمال خلال الأزمات، أشارت الورقة إلى ضروه اتخاذ خطوات منها التوسع في سياسة تمويل الأجور وقت الأزمات، وإحياء سياسة إعانة البطالة، وأيضًا بناء قاعدة بيانات متقدمة عن العمالة غير الرسمية وتوفير منح مالية لها في أوقات الأزمات تتماشى مع مستويات المعيشة.