اتفاق سعودي-إيراني يغير خريطة الشرق الأوسط، ويصوغ تشابكات سياسية جديدة في المنطقة التي بدا أنها تسعى إلى التهدئة خلال فترة يغلب عليها سوء الأوضاع الاقتصادية الناتجة عن أزمتي كورونا والحرب الروسية الأوكرانية. الاتفاق الذي لا يزال قيد الاختبار، يعد جزءا متصلا من مسار متصاعد؛ لتهدئة المنطقة وإعادة تشكيلها في الأعوام الثلاثة الأخيرة، خاصة مع اتفاقات السلام الإبراهيمي، والمصالحات الخليجية مع قطر وتركيا.
كما يشير هذا الاتفاق إلى تواجد صيني كبير في المنطقة على حساب التواجد الأمريكي، لكن ذلك يتم وفق رؤية مرتبط بشبكة مصالح معقدة.
في الملف الذي أعده “مصر 360” بعنوان (إعادة تشكيل الإقليم: تداعيات اتفاق السعودية وإيران.. والخيارات المصرية)، اشتبك كُتابه مع شبكة المصالح الآنية والمستقبلية التي تحكم هذا الاتفاق. الذي يتوقع أن يلعب دورًا كبيرًا في إعادة تشكيل أزمات المنطقة، والدور الصيني الذي بدأ في التوغل في منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى موقف ومستقبل العلاقات المصرية السعودية والإيرانية.
للاطلاع على ملف كاملًا:
سيناريو التهدئة
وفي هذا الصدد، يقول الكاتب عبد الله السناوي في تحليله: “لم تكن المصالحة مفاجـأة كاملة، ولا كان سيناريو التهدئة مستبعدًا في الأفكار، والتصورات التي حلقت فوق الخليج على مدى عامين كاملين، جرت خلالهما جولات تفاوض في مسقط وبغداد”.
وفق السناوي، بالنسبة للسعودية فإن للمصالحة ضروراتها في وقف النزيف الاقتصادي، والعسكري الذي تتعرض له في حرب اليمن بالإضافة إلى النزيف الفادح في الصورة. إنهاء الحرب اليمنية يفضي بالضرورة إلى تأمين خاصرتها الجنوبية، وحماية أراضيها من أية ضربات صاروخية دأب الحوثيون على إطلاقها استهدافًا لمواقع نفطية وحساسة.
أما “بالنسبة لإيران المأزومة في أوضاعها الاقتصادية، والاجتماعية بأثر العقوبات الأمريكية عليها، والمحاصرة في محيطها المباشر بدواعي التوتر مع دول الجوار؛ فإن مصلحتها تقتضي اختراق الحصار بالمصالحة مع البلد الخليجي الأكبر”.
رسائل الاتفاق وتداعياته
الاتفاق الذي وصفه السناوي بأنه نصف انقلاب إقليمي، يجمع الكثير على تأثيراته التي تتجاوز الحدود الإقليمية. هنا يقول الكاتب عمرو الشوبكي :” اللافت أن الدول الثلاث: سواء من رعت الاتفاق، أو التي وقعت عليه تشهد علاقتها شدا وجذبا، مع الولايات المتحدة. فالتنافس الصيني الأمريكي متصاعد والتوتر بين إيران وأمريكا قائم. وجاء الفتور بين السعودية والولايات المتحدة، ليجعل وقع الاتفاق على واشنطن كبيرا، وخاصة على حضورها في الشرق الأوسط وعلى مستوى تنافسها مع الصين”.
ويضيف الشوبكي: أن الاتفاق مثل رسالة من السعودية تقول: “إنها تسعى لتثبيت أركان قوتها عربيا وإقليميا ودوليا بتوجيه رسالة “بعلم الوصول”، بأنها ليست قاصرا وإنها يمكن أن تُدخل المنطقة في ترتيبات أمنية وسياسية جديدة برعاية صينية وخارج المظلة الأمريكية”.
أشرف الصباغ يعول على الوقت لاستشراف مستقبل الاتفاق، يقول :”من السابق لأوانه الإعلان بأن تقارب السعودية وإيران هو فشل لإسرائيل أو فشل للولايات المتحدة. فالأخيرة على سبيل المثال، لا يهمها إلا ما يتعلق بمصالحها المباشرة كأولوية. ثم تأتي الدائرة الأوسع قليلًا بشأن ما يتعلق بمصالحها بشكل غير مباشر. وعادة ما تترك واشنطن هامشًا من المناورة لحلفائها، بشرط أن ينفذوا إجراءات معينة متفق عليها، وبقية الأمور متروكة لهذا الطرف أو ذاك من الحلفاء ليدبر أموره بنفسه”.
الدور الصيني
الباحث ماريو ميخائيل يشير في تقريره إلى أن اهتمام الصين بمنطقة الخليج ليس بالأمر الجديد، فهناك عدة مصالح استراتيجية لبكين في المنطقة، ظهرت معالمها في السنوات الأخيرة.
ووفق ميخائيل، يورد ما يقوله الباحث بنيامين هوتون: في دراسة الدور الصيني في المنطقة، إن الصين تسعى لبناء توازنات في علاقاتها مع الطرفين المتصارعين بالمنطقة؛ إيران والسعودية، في إطار الحفاظ على مصالحها، وأبرزها اعتمادها المتزايد على النفط- الذي وصل إلى استهلاك 14.5 مليون برميل يوميًا في 2019.
أما عن فكرة سحب الصين الدور الأمريكي في المنطقة فهو أمر شديد التعقيد، يقول ميخائيل: “ربما الصين ليست قادرة على تنحية نفوذ الولايات المتحدة بالمنطقة، وربما لا تريد هذا، لكنها قد تنجح في إعادة رسم الخريطة السياسية والأمنية بالمنطقة. فعلاقاتها بالأطراف المختلفة في المنطقة جعلها لاعبًا فاعلًا قادرًا على تنفيذ أدوار عجزت فيها الولايات المتحدة”.
للاطلاع على ملف كاملًا.. اضغط هنا
أشرف الصباغ يؤكد هنا ما ذهب إليه ميخائيل، يقول الصباغ :” وفي الواقع، فإن الخطوة الصينية لا تنتقص إطلاقًا من رصيد الولايات المتحدة ولا من وضعها، وإنما تنتقص تحديدًا من رصيد روسيا ووضعها الجيو سياسي”.
وفى ذات الموضوع يري السناوي فى الصين لاعبًا دوليًا بدأ يتخذ مكانه في المشهد العالمي:” لم يعهد عن الصين لعب مثل هذه الأدوار، لكنها تقدمت إلى الوساطة، وأنجزت المهمة في خمسة أيام. بحكم علاقاتها الجيدة مع البلدين، اكتسبت دور الضامن. إننا أمام صين جديدة تتقدم إلى المسرح الدولي بثقل سياسي، يضيف إلى وزنيها الاقتصادي والعسكري صفة الدولة العظمى”.
موقع مصر من الاتفاق
موقف مصر من الاتفاق أثار الكثير من الجدل، فيما يخص ما مضى قبل الاتفاق، وكذلك مستقبل مصر ضمن هذا الاتفاق. السناوي أخذ على مصر تأخرها في هذا الملف، يقول :” تلكأت مصر طويلًا في الحديث مع إيران بالعلن الدبلوماسي، كان يمكنها أن تفعل ذلك على الأقل منذ عام (2014) حين كان الإيرانيون يطرقون الأبواب طلبًا للحوار وإعادة العلاقات دون جدوى”.
الزميل محمد خيال يشير في تقريره إلى تعقد الموقف وينقل على لسان أحد المصادر – رفض ذكر اسمه:” أن ملف تطبيع العلاقات المصرية مع إيران “ليس بالسهولة المتخيلة”، قائلا: إن الأمر معقد، خاصة في ظل حالة التوسع في الاستحواذات الخليجية، وفي المقدمة منها السعودية”.
يكمل المصدر، وفق خيال : “ويشير إلى أن “السعودية وإن كانت تتجه إلى استئناف العلاقات مع إيران، فإن هذا لا يعني أن تتقبل بسهولة التوسع في العلاقات المصرية- الإيرانية. إذا أن الضغط بورقة مصر سيظل أحد أهم الركائز التي ستعتمد عليها السعودية في علاقاتها مع إيران، في ظل السعي الحثيث من جانب طهران لاستعادة العلاقات مع القاهرة”.
للاطلاع على ملف كاملًا.. اضغط هنا
في مقابل ذلك، فإن أشرف الصباغ يقول: إنه لا يجب التقليل أو الضغط أو الهجوم على الدبلوماسية المصرية في هذا الملف، اعتمادا على أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة سحبت من رصيد القاهرة.
ويعتقد الصباغ :” بأن القاهرة تملك الآن جميع الفرص والإمكانيات؛ لتوسيع مساحات مناوراتها السياسية إقليميًا ودوليًا، مع عدم السقوط في فخ “الذيلية”، لهذه الدولة أو تلك، لأن الأمور تتغير بوتيرة سريعة، ومصر لا تمتلك رفاهية أي حسابات خاطئة، أو بيروقراطية. ومن الممكن أن تلعب الإصلاحات الداخلية السريعة في ملفات اجتماعية، وحقوقية وفي ملفات الحريات ورفع الأسقف دورًا مهمًا في دعم التحركات الخارجية، بدلًا من إحكام القبضة والهلوسات الأمنية. وبالتالي، تتوقف عملية السحب من رصيد السياسة الخارجية”.