تثير الانتقادات الموجهة بشكل دائم إلى أوضاع السجون المصرية، أهمية القيام بخطوات غير تقليدية لإصلاح المنظومة العقابية في مراكز التأهيل والإصلاح حسب مسماها الجديد، وبالرغم من إجراء بعض التعديلات على القانون المنظم للسجون 396 لسنة 1956 خلال السنوات الماضية كان آخرها القانون رقم 14 لسنة 2022، والذي تضمن عدة تعديلات على مسميات أنواع السجون، وكذلك تعديل مسميات للقانون ذاته وإدارات السجون، حيث أشار التعديل في المادة الأولى من القانون إلى ثلاث أنواع من السجون هي -مراكز إصلاح وتأهيل عمومية، مراكز إصلاح جغرافية، كما أبقى على ” السجون الخاصة “ بمسمى مراكز إصلاح وتأهيل خاصة، كما نص على تعديلات أخرى في مجال تشجيع النزلاء على الاطلاع والتعليم وتيسير الاستذكار وتمكين السجناء من حضور الامتحانات.

وتوازى ذلك مع إنشاء مراكز جديدة في مدينة بدر ووادي النطرون، وإنشائها وفقًا لأحدث المواصفات المعمارية بديلًا عن بعض السجون القديمة التي جرى هدمها ومنها سجن طرة. إلا أن هذا النهج لم يمنع من تزايد شكاوى السجناء ومنظمات حقوق الإنسان فيما يتعلق بالمعاملة العقابية داخل هذه السجون والتي شملت بعض المراكز المنشأة حديثًا مثل مركز إصلاح بدر و الذي أدى إلى إضراب سجناء عن الطعام داخله.

ويرى قطاع من المنظمات الحقوقية أن هذه الخطوات غير كافية وجزئية إلى حد كبير، ولم تؤد إلى إحداث خطوات مهمة في تحديث العمل بالسجون والتنفيذ العقابي.

وتركز أغلب الشكاوى على سوء الرعاية الصحية للسجناء والمحبوسين احتياطيًا على ذمة قضايا تتعلق بحرية الرأي والتعبير، مما يؤدي إلى كثير من حالات الوفاة، حيث وصل عدد المتوفين في السجون ومقار الاحتجاز إلى 7 سجناء منذ بداية العام 2023، و53 سجينًا خلال عام 2022.

ومنها أيضًا تأخر عرض المقبوض عليهم على نيابة أمن الدولة بالإضافة إلى استمرار الحبس الاحتياطي المطول والتي لم يوازيها تقديم حلول بتعديل مواد الحبس الاحتياطي بقانون الإجراءات الجنائية.

وسوف تستمر إثارة تلك الشكاوى والانتقادات وإثارة الملف من جانب المنظمات الدولية والمحلية المعنية وبشكل خاص خلال المناسبات الخاصة بالنظر في التقارير الوطنية أمام الهيئات التعاقدية والمراجعة الدورية لملفها الحقوقي طالما لم تحظ بنظرة كلية لوضع حقوق الإنسان عامة وأوضاع السجون بشكل خاص.

وهناك عدد من المطالب الأولية في هذا السياق أهمها:

ـ  ضرورة مراجعة ظاهرة القبض المتزايد على ذمة قضايا أمن الدولة، حيث تصل تلك القضايا سنويا لما يزيد على 2000 قضية في اتهامات تتعلق بنشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام وسائل التواصل الجماعي والانضمام إلى تنظيم محظور، وغيره من تلك الاتهامات التي تتصف بالعمومية والغموض، وإمكانية تطبيقها على أي مواطن يبدي رأيه على وسائل التواصل الاجتماعي.

وهو ما يتطلب وقف هذه الممارسات فورًا، واحترام حرية الرأي والتعبير حتى لو كان مبالغًا فيه طالما لم يدع إلى العنف أو يصل إلى حد السب والقذف، وهناك المئات من الأحكام لمحاكم النقض والدستورية العليا التي تنتصر لمبادئ الحريات والحقوق الأساسية.

ـ من الضروري أيضًا التأكيد على التوسع في تطبيق منظومة لبدائل العقوبات السالبة للحرية والذي يعالج مشكلة الاكتظاظ خاصة في الجرائم البسيطة، واللجوء إلى الحبس الاحتياطي كإجراء استثنائي في أضيق الحدود، والتوسع في تطبيق نظام الإفراج الصحي عن السجناء المرضى وكبار السن.

من جانب آخر، علينا التعامل مع أوضاع السجون والسجناء بنظرة شمولية وليس جزئية، تبدأ من تعديل المنظومة القانونية ذات العلاقة بهذا الموضوع وأبرزها قوانين العقوبات والإجراءات الجنائية والطوارئ والإرهاب. وقانون السجون ولائحته التنفيذية وخاصة فيما يتصل بأعمال ضمانات المحاكمة العادلة، خاصة أن هناك تعديلات أجريت على قواعد الحد الأدنى لمعاملة السجناء ” قواعد نيلسون مانديلا”، وتنفيذ المبادئ الواردة في نصوص الدستور الخاصة بسيادة القانون بأن الأصل في المتهم البراءة، وصون الحريات الشخصية والعامة. والتأكيد على استقلال القضاء، وإعادة النظر في جود ونيابات ومحاكم أمن الدولة، فالاختصاص العام يجب أن ينعقد إلى النيابة العامة التي يجب أن تحظى باستقلال كامل إداريًا وتأديبيًا وفنيًا.

المحور الثاني، يتعلق بقواعد التنفيذ العقابي للمحكوم عليهم بأحكام نهائية أو باتة والخاص بالمحبوسين احتياطيًا، وينبغي التفكير في إنشاء إدارة خاصة تشرف على التنفيذ العقابي للمحكوم عليهم داخل السجون والمؤسسات العقابية تتبع القضاء أو وزارة العدل أو كهيئة لها وضع خاص، وتكون مسئولة عن السجين أو النزيل منذ دخوله مقار الإيداع والاحتجاز حتى انتهاء فترة عقوبته أو حبسه الاحتياطي وضمان إعادة إدماج المسجونين في المجتمع بعد إطلاق سراحهم، بحيث يتمكَّنون من العيش معتمدين على أنفسهم في ظلِّ احترام القانون. ويمكن قصر التواجد الأمني خارج بوابات هذه المراكز السجنية.

كما أن وجود مؤسسة مختصة بذلك تشرف على التنفيذ العقابي أمر يؤكد الضمانات الخاصة بحقوق السجين، وتشير المعايير الدولية المتعلقة بأماكن الاحتجاز أنه يجب خضوعها إلى إدارة مدنية، لا تتسم بالطابع العسكري، الذي تتصف به وزارة الداخلية، حيث تخضع لتنظيم عسكري هيراركي  يقوم على تنفيذ الأوامر، واستخدام العنف في حالات محددة .

المحور الثالث، يعني بالنظر في تعديل قانون السجون بشكل عام، ومنها نظام تلقي الشكاوى من السجناء والمحبوسين احتياطيًا وأن تتسم هذه الإجراءات باليسر والتحقيق فيها من جهة مستقلة لا تكون تابعة للجهة  المشرفة على السجن.

ويمكن التأكيد على إبلاغ المقبوض عليه سبب القبض عليه والسماح بحضور محاميه معه أمام قسم الشرطة، وإلا كان التحقيق معه باطلًا، واحترام الحق في زيارة السجين من قبل ذويه، وأن يُحاط حق إدارة المركز العقابي  في  منع الزيارة بقيود إضافية حتى لا يتم التعسف في استخدام هذا الحق. واحترام الحق في الرعاية الصحية للسجناء والنزلاء، وأن تساهم نقابة الأطباء ووزارة الصحة في إجراءات الكشف الطبي للمحبوسين المرضى والراغبين في إجراء عمليات جراحية سواء على نققتهم الخاصة أو على نفقة إدارة التنفيذ العقابي. وتحويل أي مسجون بلغ سن الستين تلقائيًا إلى كشف عام دوري ووضع كل التقارير الصحية الخاصة به في ملف صحي يخص السجين للاسترشاد به في التعامل مع صحته، والسماح بإدخال الأدوية اللازمة للسجناء، ويجب أن يتوازى ذلك مع تطوير المستشفيات التابعة لإدارات التنفيذ العقابي، وإشراك وزارة الصحة في الإشراف الطبي والإداري عليها.

إلى جانب التعامل مع الشكاوى الخاصة بالحق في التريض وإدخال الكتب والصحف والمجلات على نفقة السجين.

المحور الرابع، يتعلق بمسألة الإشراف ومراقبة مقار الاحتجاز، وهنا يجب التصديق على البروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب والذي يتيح الزيارات الدورية للهيئات الدولية والوطنية المستقلة لمقار الاحتجاز.

ويواكب ذلك مراجعة كاملة لمواد التعذيب بقانون العقوبات بما يتطابق مع الاتفاقية والتي صدقت عليها الحكومة المصرية، وتنفيذ التوصيات المقدمة في ملف المراجعة الدورية أمام مجلس حقوق الإنسان وتتعلق بالإصلاح العقابي.

المحور الخامس، يتعلق بتعزيز ضمانات تفعيل حق رجال النيابة العامة وقضاة المحاكم الابتدائية والاستئنافية في زيارة مقار الاحتجاز بشكل دوري، وإعداد تقارير عن هذه الزيارات يتم عرضها على مجلسي النواب والشيوخ والمجلس القومي لحقوق الإنسان والمنظمات العاملة في المجال الحقوقي والرأي العام. وإتاحة الزيارة للمجلس القومي لحقوق الإنسان وتلك المنظمات لهذه المقار وإجراء المقابلات مع السجناء والمحبوسين احتياطيًا بشكل انفرادي وزيارة العنابر الخاصة بالسجن. وإعمال نوع من الزيارات المفاجئة لهذه لمقار للتأكد من عدم وجود أي إهمال في تنفيذ نصوص القانون وقواعد الحد الأدنى لمعاملة السجناء.

وينبغي التأكيد على ضرورة التعامل مع وضعية السجون بشكل مختلف عما يتم اتباعه سواء بتصوير بعض الأفلام الدعائية بغرض الإشارة إلى الجوانب الإيجابية لحالة السجون دون النظر إلى نقاط الضعف فيها، وما يحدث فيها من تجاوزات في عدد من تلك المقار.

كما ينبغي التعامل بشكل  أكثر موضوعية مع انتقادات المنظمات الدولية غير الحكومية لوضعية السجون باعتبار أنها تحظى بمصداقية على المستوى الدولي من خلال مناقشتها وعرض الجهود المبذولة من جانب الدولة، وعلاج كل مظاهر ونقاط الضعف الواردة في تلك التقارير.