للمرة الثالثة في 6 أشهر، وافق مجلس الوزراء على صرف حافز إضافي لتوريد القمح من المزارعين خلال موسم توريد 2023 الذي يبدأ منتصف إبريل/نيسان الحالي “أي اليوم”، ليصل سعر الإردب زنة 150 كيلو جرام إلى 1500 جنيه، في محاولة لتخفيض الفاتورة الاستيرادية من الخارج، وتحاشي المزيد من الضغوط على سعر صرف الجنيه أمام الدولار الأمريكي.
كانت الحكومة قد رفعت سعر التوريد في سبتمبر/أيلول 2022 من 870 جنيهًا إلى ألف جنيه للإردب، وعادت في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي وقررت صرف حافز توريد إضافي 250 جنيهًا ليصل إلى 1250 جنيهًا لسعر إردب القمح، قبل أن تزيد مجددًا أخيرًا بقيمة 250 جنيها أخرى قبل أيام.
تأتي تحركات الحكومة لتأمين أكبر قدر من القمح المحلى، وسط استمرار تأثير الحرب «الروسيةـ الأوكرانية» على أسواق الحبوب العالمية فتدفقات الصادرات من أوكرانيا مُقيدة، ومن المتوقع حدوث انخفاض كبير آخر في إنتاجها من القمح. أيضًا، من المرجح أن تؤدي التحديات اللوجيستية المستمرة وارتفاع تكاليف تأمين الشحن إلى ارتفاع تكاليف توافر القمح الروسي في السوق العالمية.
وحصد المزارعون الأوكرانيون بدايةً من أول ديسمبر/كانون الأول 2022 ما يزيد قليلاً عن نصف محصولهم من القمح لكن تراجع المساحات يقلل الإنتاج إذ لم يزرعوا سوى ما يقرب من 40% من مساحات المحاصيل الشتوية. وبلغ إجمالي الخسائر الزراعية المرتبطة بالحرب 34.25 مليار دولار، تعادل 75% من الناتج الزراعي للبلاد.
اقرأ أيضا: لماذا فشلت الحكومة في الاقتراض من الداخل والخارج؟
مستهدفات ضخمة للقمح المحلي
تستهدف وزارة التموين والتجارة الداخلية، جمع أكثر من 4 ملايين طن (الطن يعادل تقريبا 6.7 إردب) مقابل 3.8 مليون الموسم الماضي، مع زيادة السعات التخزينية إلى نحو 5.5 مليون طن قمح وتخصيص نحو 450 موقعًا لاستلام المحصول لكن تلك المستهدفات مرهونة بمدى إقبال الفلاحين على التوريد ورضائهم عن السعر الحالي بعد رفعه.
محمد برغش، نقيب الفلاحين السابق، يرى أن السعر العادل للقمح يجب ألا يقل عن 1800 جنيه للإردب من أجل مجابهة ارتفاع تكاليف الإنتاج، خاصة أن القمح هو أحد المحاصيل الاستراتيجية المهمة التي تشكل أمنًا قومًيا، مناشدًا الدولة بالتدخل لحمايته.
في الموسم الحالي، استهدفت وزارة الزراع مساحة منزرعة بالقمح تناهز 4 ملايين فدان مقابل 3 ملايين و650 ألف فدان في 2021/2022 وبزيادة حوالي 450 ألف فدان عن عام 2020/2021، كما تستهدف معدل إنتاجية 3 أطنان للفدان ليكون الإجمالي 12 مليون طن، ما يقترب من 60% من الاحتياجات المحلية.
أضاف برغش أن السعر الحر “سعر شراء التجار” للقمح في السوق تجاوز مستوى 2000 جنيه للإردب في الوجه البحري وقفز إلى 2150 جنيه في الصعيد، مطالبًا الدولة بمزيد من الدعم للمزارعين خاصة أن محصول القمح يظل 6 أشهر في الأرض، علاوة على أن إنتاجية الفدان في الأراضي السمراء تتراوح بين 16 و18 إردبًا.
رغم ارتفاع السعر الذي يطالب به نقيب الفلاحين السابق عن السعر الحكومي بـ 300 جنيه، لكنه أقل مما يطالب به قطاع من المزارعين الذين وضعوا سعرا عادلاً عند 1900 جنيه باعتباره يعادل السعر العالمي للقمح عالي الجودة، علاوة على صعوبة تحميل محاصيل أخرى على القمح في أرض واحدة، إضافة إلى أن السعر الحكومي ارتبط بالقمح شديد النظافة من التراب والتبن (قطع عيدان القمح) نقاوة 23.5 قيراط.
أعباء ثقيلة على المزارعين
بحسب نقابة الفلاحين، في تصريح سابق، فإن زراعة فدان واحد من القمح تتكلف في المتوسط نحو 20 ألف جنيه، موزعة بين حرث الأرض من مرتين إلى أربعة مرات بتكلفة ألف جنيه وسماد بلدي بتكلفة 4000 جنيه، وتقاوي بنحو 1500 جنيه، وسماد “مٌدعم” بحوالي 1500 جنيه، وحال الإصابة بالآفات يحتاج لنحو 500 جنيه “رش ومبيدات”، علاوة على تكاليف الري التي تزيد حسب نوع الأرض والزراعة بنحو 2000 جنيه، وحوالي 3 آلاف جنيه «عمالة» على مدار دورة المحصول.
ويرحب حسين أبو صدام، نقيب عام الفلاحين، برفع الحكومة سعر توريد الموسم الحالي عن العام الماضي بنحو 700 جنيه للإردب، بزيادة 14 ألف جنيه في الفدان الذي ينتج في المتوسط نحو 20 إردبًا من القمح، بجانب 8 حمولات تبن أبيض زنة 260 كيلو.
توقع أبو صدام إنتاجية للقمح العام الحالي بنحو 10 ملايين طن بمتوسط إنتاج 3 أطنان لكل فدان، معتبرًا أن زيادة أسعار توريد القمح أمر ينعكس بقوة على الاقتصاد المحلي في تقليل كميات القمح المستورد، وتوفير العملة الصعبة، وتعزيز الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية.
اقرأ أيضا: كل الأسباب تدفع “المركزي” لرفع الفائدة اليوم.. فهل يتوقف وحش التضخم؟
الجفاف يهدد إنتاج القمح
نادر الخبيري، عضو مجلس النواب، طالب الحكومة بتقديم المزيد من الحوافز التشجيعية لمستثمري القطاع الزراعي حتى يشعر الفلاح بثمرة مجهوده ووجود عائد من زراعة القمح خاصة أن مصر قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية الاستراتيجية وفي مقدمتها القمح وقصب السكر والأرز خلال السنوات القليلة المقبلة، إذا استمرت الحكومة في سياساتها برفع أسعار توريد هذه المحاصيل بما يتناسب مع أسعارها العالمية.
دعت نقابة الزراعيين، أيضًا، إلى استراتيجية تربط بين زيادة معدلات تحقيق الاكتفاء الذاتي من الخبز المدعم وإنتاج القمح وتقليل استيراده من الخارج، وتحديد سعر مجزٍ وعادل للمزارع قبل زراعة القمح لتحفيزه على الزراعة، مع توفير الأسمدة الأزوتية المدعمة كأحد مستلزمات الإنتاج الزراعي الرئيسية بداية الموسم حتى لا يتأثر المحصول بأي انخفاض في المتوسط العام للإنتاجية.
تأتي تلك المطالب في ظل مخاوف تتعلق بأسعار القمح عالميًا، فمع الحرب الروسية الأوكرانية، يعاني باقي منتجي القمح من أزمات تتعلق بتغير المناخ، فظروف الجفاف المستمرة بالمناطق الرئيسية المنتجة للقمح الشتوي في الولايات المتحدة تؤدي إلى استمرار نقص المعروض بأسواق القمح الأحمر الصلب عالي البروتين، ما يساهم في ارتفاع الأسعار.
الأرجنتين كذلك، تواجه العام الحالي أسوأ موجة جفاف منذ عقود والتي تهدد 60% من محصول القمح ما خفض مستوى الرطوبة في التربة وهو أمر مهم في جودة محصول القمح، وتبحث الحكومة حاليًا عن إجراءات تسمح لها بتأخير تسليم الشحنات المتفق عليها مع الدول المستوردة.
وخفضت بورصة الحبوب في الأرجنتين “روزاريو” توقعاتها لمحصول القمح الأرجنتيني في موسم 2022/2023 إلى 13.7 مليون طن، ما يمثل أقل مستوى للمحصول في البلاد منذ سبع سنوات، وأقل كثيرًا من مستوى 23 مليون طن الذي سجلته البلاد في الموسم السابق 2021/2022.
أيضًا، قد تتراجع صادرات أستراليا، ثاني أكبر مصدر للقمح في العالم بعد روسيا، خلال العام الحالي بنسبة 20% من مستوياتها القياسية، في ظل انخفاض الإنتاج مع تحول المناخ إلى نمط أكثر جفافًا، فيما توقع المكتب الأسترالي للاقتصاد الزراعي أن الصادرات قد تنخفض إلى 22.5 مليون طن في 2023 / 2024، من أعلى مستوياتها على الإطلاق البالغة 28 مليون طن في العام السابق.