ثمة مؤشرات تقود نحو تحول، أو على أقل تقدير إعادة نظر من جانب المملكة العربية السعودية، بشأن ملف جماعة الإخوان خلال الفترة المقبلة، في ظل التحولات التي تشهدها مواقف الرياض، تجاه ملفات المنطقة بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان، وفي المقدمة منها الخطوة التي كانت بمثابة زلزال سياسي، بإعلان الاتفاق مع إيران على استئناف العلاقات، وما تبع ذلك من حديث بشأن مفاوضات مع جماعة الحوثي في اليمن، وكذلك تحول الموقف تجاه النظام السوري، والعمل على عودة دمشق لمقعدها في الجامعة العربية، بعدما عملت المملكة في بادئ الثورة السورية على دعم المعارضة المسلحة ضد الرئيس السوري بشار الأسد، وقبل ذلك كله التحول في موقف المملكة تجاه تركيا، وعودة العلاقات بين البلدين بعد سجال واسع عقب مقتل الإعلامي السعودي جمال خاشجقي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول عام 2017، وتوجيه الأتراك اتهامات مباشرة لبن سلمان، إضافة إلى مفاجأة الإعلان عن زيارة مرتقبة لوفد قيادي من حركة حماس للمملكة خلال الأيام المقبلة بعد فترة من القطيعة.
القائم بأعمال مرشد الإخوان
في التاسع عشر من مارس/ آذار الماضي، أعلنت جماعة الإخوان (جبهة لندن)، عن اسم الدكتور صلاح عبد الحق قائمًا جديدًا بأعمال مرشد الجماعة خلفًا لإبراهيم منير الذي وافته المنية في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وكان الإعلان عن اسم عبد الحق مفاجأة لأعضاء التنظيم أنفسهم، وذلك كون الرجل المحسوب على ما يعرف بمجموعة القطبيين، بعيدا تماما عن المشهد، وكذلك ظلت ترشيحات خلافة منير محصورة في ثلاثة أسماء، لم يكن بينهم القائم الجديد بأعمال المرشد، وهم حلمي الجزار مسئول إخوان الجيزة السابق، ومحيي الزايط نائب رئيس الهيئة الإدارية للجماعة “جبهة لندن”، التي تعادل مكتب الإرشاد في الوقت الحالي، والدكتور محمد الدسوقي عضو مجلس شورى الجماعة.
وما يشير إلى احتمالية تحول في الموقف السعودي، تجاه الجماعة رغم الخطاب الرسمي المعلن المعادي، والمعتبِر إياها تنظيمًا إرهابيًا، هو اسم القائم الجديد بأعمال المرشد نفسه، خاصة أن الرجل كان يقيم في المملكة، منذ أكثر من عشرين عاما، قضى منها 15 عامًا منها مسئولًا عن المنتدى الإسلامي العالمي للتربية “جهاز التربية داخل الجماعة”، حيث كان متواجدًا بالسعودية حتى الإعلان عن اسمه خليفة لإبراهيم منير.
وبحسب مصدر مقرب من الجماعة، لم يتم الإعلان عن اسم عبد الحق قائما بأعمال المرشد، إلا بعد مغادرته أراضي المملكة ،ووصوله لتركيا مقر إقامته الجديد لمباشرة مهام عمله، وذلك أيضا بعد استئذان السلطات التركية بشأن تلك الخطوة .
وبحسب المصدر نفسه فإن بقاء عبد الحق بالمملكة طيلة هذه السنوات، وممارسته “أعمال الدعوة”، لا يمكن أن يتم إلا تحت أعين جميع الأجهزة السعودية المسئولة، وموافقتها بل والتنسيق معها ، وهو ما يعني أن هناك صلات وعلاقات ممتدة بين عبد الحق ومسئولين في المملكة ، لافتا في الوقت ذاته النظر إلى أنه لا يمكن أيضا اختيار عبد الحق، ومن بعد ذلك مغادرته الأراضي السعودية دون علم المسئولين في المملكة، وهو مايعني ربما موافقة ضمنية ، وليس تنسيق.
في اليوم ذاته الذي كشفت فيه جبهة لندن عن مرشدها الجديد، كان هناك مؤتمر حاشد حضره نحو ألفين من أعضاء التنظيم المصريين في أحد فنادق إسطنبول، وهو الحشد الأكبر لأعضاء الجماعة المصريين منذ الإطاحة بالرئيس المعزول الراحل محمد مرسي، وخلال ذلك المؤتمر كان الحديث العلني الأول لعبد الحق، والذي تضمن رسائل وصفها مراقبون، بأنها حملت تعبيرا عن قناعات الرجل، والنهج الذي ستسير عليه الجماعة خلال ولايته .
لا صدام وفرصة للتهدئة
حملت كلمات عبد الحق الأولى كقائم بأعمال المرشد، رسالة واضحة بعدم الرغبة في الصدام مع الأنظمة الحاكمة، والسعي ربما لتهدئة تلتقط فيها الجماعة أنفاسها، وتلملم جراحها، هذه الرسالة المبطنة في حديث عبد الحق الأول، جاءت بين السطور التي استعرض خلالها تفاصيل لقاء جمع مؤسس الجماعة حسن البنا بإبراهيم عبد الهادي باشا رئيس وزراء مصر الأسبق، في أعقاب مقتل محمود فهمي النقراشي “رئيس وزراء سابق” في ديسمبر 1948، قائلا إن البنا عرض خلال هذا اللقاء صفقة بشكل واضح على عبد الهادي بتهدئة الأوضاع مع الدولة وقتها مقابل ” المشروعية والعلنية “، بحسب التعبير الذي ذكره القائم الجديد بأعمال المرشد .
إضافة إلى ذلك استعرض عبد الحق، موقف مرشد الجماعة الأسبق عمر التلمساني مع الرئيس الراحل أنور السادات، مستندا على ألفاظ محددة من التلمساني بأن السادات رغم مشاركته الحكم على قيادات الجماعة، إلا أنه بمثابة قائد جديد للدولة وذلك في إطار ترويج التلمساني وقتها لاتفاقه مع السادات، ما حمل دلالة واضحة على إمكانية تجاوز الخصومة المباشرة.
الأهم من ذلك هو ما جاء على لسان عبد الحق، في كلمة متلفزة له تحت عنوان “الإخوان المسلمون والثورة”، في الرابع عشر من إبريل/ نيسان الجاري.
وبمطالعة الكلمة، وقراءة ما بين سطورها ، فإنها تحمل موقفا إجماليا يؤكد على رفض المشاركة في أية ثورات، بعدما حدد أربعة شروط ستحكم موقف الجماعة من أي ثورة، وهي الشروط التي من الاستحالة توافرها في أي عمل ثوري باعتبار فعل الثورة نفسه هو فعل عفوي مفاجئ.
والشروط كما حددها عبد الحق جاء أولها “وجود الزعامة”، لأنها بحد تعبيره “تختصر لنا جهودا وأوقاتا”، وثانيها ”أن يكون للثورة منهاج “خارطة طريق”، تعطي لكل عقبة ما تحتاجه من الجهد”.
أما الثالث، وهو الأهم فحمل إشارة لضرورة قبول الأطراف الإقليمية والدولية، بينما حمل الشرط الرابع، ضرورة تفهم حجم مصر وطبيعة دورها في المنطقة، بقوله “إننا في وطن تتجه إليه المطامح والآمال، فالحسابات في مصر أكثر حذرا وتعقيدا؛ لأن الذي يسمح به لغيرها لا يسمح به لها”.
ما يعزز الاحتمالات الخاصة بتحول الموقف السعودي تجاه جماعة الإخوان، وهو التحول المفاجئ نحو حركة المقاومة الفلسطينية حماس التي تعد امتداد للجماعة في فلسطين ، حيث من المقرر أن يزور وفد قيادي منها برئاسة إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة، وخالد مشعل رئيس الحركة بإقليم الخارج، السعودية خلال الأيام المقبلة بعد قطيعة استمرت لعدة سنوات.
ووصلت العلاقات بين السعودية و”حماس”، لأسوأ مراحلها على خلفية اعتقال السلطات في الرياض ممثل الحركة في المملكة محمد الخضري، ونجله، ضمن حملة طالت عشرات الفلسطينيين.
وفي أغسطس/ آب لعام 2021، قضت المحكمة الجزائية السعودية، بالحبس 15 عاما على الخضري، بتهمة دعم المقاومة، ضمن أحكام طالت 69 أردنيا وفلسطينيا، تراوحت ما بين البراءة والحبس 22 عاما.
وفي 19 أكتوبر 2022 أعلنت حركة حماس أن السعودية أفرجت عن الخضري، بعد 3 سنوات من الاعتقال.
وتمنت “حماس”، في بيان أن تكون هذه الخطوة مقدمة لفتح صفحة جديدة مع السعودية.
الزيارة المرتقبة من المقرر أن تتضمن لقاءات رسمية بين وفد حماس، والمسئولين السعوديين، والسماح لقيادات الحركة بتأدية مناسك العمرة.
خلاصة القول أن الأيام المقبلة، ربما تشهد تحولات دراماتيكية قد لا تقل في أهميتها ومفاجآتها عن الاتفاق المفاجئ بين السعودية وإيران بشأن استئناف العلاقات .