أصدر حاكم الإمارات، محمد بن زايد، قرارات تمكن عائلته من الحكم مستقبلًا، والتحكم فى عملية اتخاذ القرار، فعين ابنه خالد بن محمد ولي عهد إمارة أبوظبي، وشقيقه منصور بن زايد نائبًا لرئيس الدولة، وطحنون بن زايد وهزاع بن زايد نائبين لحاكم أبو ظبي. وهي قرارات لم تأت من فراغ، فمنذ تولى محمد بن زايد ولاية العهد في 2004 بدأ في زيادة نفوذه، وبحلول 2010 أصبح الحاكم الفعلي لإمارة أبو ظبي، وتدريجيًا أصبح الرجل الأقوى والحاكم لإمارة أبو ظبي ثم رئيسًا للإمارات في مايو/ أيار 2022 بعد وفاة خليفة بن زايد آل نهيان.
كثيرًا ما يقارن بن زايد بنظيره السعودي محمد بن سلمان. ورغم أنهما يتشاركان في السعي لإحكام قبضتهما على الحكم، يبقى طريق محمد بن زايد الأطول، والأكثر هدوءًا من عنفوان محمد بن سلمان.
أوجه التشابه والاختلاف
يقارن كريستوفر دافيسون بين صعود محمد بن سلمان للسلطة في السعودية وصعود محمد بن زايد في الإمارات، يجادل دافيسون في كتابه بأن الفردين حولا الحكم في بلديهما من نظام الحكم التقليدي الخليجي المرتبط بقواعد العائلة، والقبيلة إلى حكومات أوتوقراطية يسيطر عليها فرد ذو شخصية قوية.
وصف دافيسون الحكومتين بالسلطنة الجديدة، وهو مفهوم يشير لحكم الفرد المطلق، بلا أية قيود نابعة من القانون أو التقاليد أو بتعبير آخر هو شكل متطرف من الحكم -الفردي- الباتريمونيالي.
فى مقارنة بين الحالتين، فإن محمد بن زايد يفضل تعيين أشخاص مقربين منه في المناصب الهامة، خاصة إخوته الأربعة من أبناء فاطمة، وهم حمدان بن زايد الذي يعمل كممثل للحاكم في المنطقة الغربية، وهزاع بن زايد الذي يتولى حاليًا منصب حاكم إمارة أبوظبي وكان سابقًا مستشارًا للأمن القومي.
وبين الدوائر المقربة أيضًا طحنون بن زايد المستشار الحالي للأمن القومي، ومنصور بن زايد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير ديوان الرئاسة، وعبدالله بن زايد وزير الخارجية، بالإضافة إلى تعيين إخوته الآخرين من غير أبناء فاطمة وغير الأقارب مثل خلدون ال مبارك ويوسف العتيبة. كما استمر بن زايد يتعزيز سلطاته في جميع النواحي الاقتصادية والأمنية والسياسية.
دافيسون محق في ملاحظة السمات الأوتوقراطية المشتركة لكلا من من محمد بن سلمان ومحمد بن زايد. ولكن تحليل دافيسون لا يخلو من المشكلات. فأولًا استخدامه لمصطلح “السلطنة” هو توصيف مثير للجدل لوصف الإمارات، حيث أن ذلك المصطلح له دلالات استشراقية (هذا الأمر يدركه المؤلف جيدًا)، كما أنه من المبالغة وصف حكم محمد بن زايد بأنه بلا قيود تقليدية أو قانونية، وعلى الرغم من أن محمد بن زايد يعزز من سلطته بشكل موسع، ولكنه لم يتخذ قرارات عنيفة مثل محمد بن سلمان لتوطيد حكمه.
منهجان للسيطرة
استخدم محمد بن سلمان القوة المفرطة ضد الحرس القديم من العائلة المالكة ورجال االأعمال، بينما عزز محمد بن زايد نفوذه من مكانة إمارة أبوظبي وثقلها السياسي والاجتماعي، والأخير يرتبط بالتقسيم القبلي-الجغرافي الذي بني عليه النظام السياسي الاماراتي منذ عقود.
على جانب آخر تتصف سياسات محمد بن زايد بصفتين، أنها حذرة وتدريجية، ما يشير إلى أنه لا يريد هدم قواعد وبناء النظام الإماراتي الذي حافظ على استقرار البلاد منذ عقود، بل يعزز سلطاته في مواجهة منافسيه دون الإخلال (بشكل كبير) بالقواعد المتفق عليها في النظام السياسي الإماراتي.
أبوظبي.. الإمارة الأقوى
النظام السياسي الإماراتي يجمع بين النظام الفيدرالي في الحكم والقبلية، حيث أن حكم السبع إمارات مقسم بين كبار القبائل ويحكمه قواعد الوراثة. ولكن في ذات الوقت، ليست جميع الإمارات متساوية في الثروة. يمكن رؤية ذلك من خارطة الثروة، أبو ظبي ودبي تمتلكان جل الثروة. تحتكر أبو ظبي وحدها 90% من احتياطات النفط والطاقة، بينما إمارات مثل الفجيرة ورأس الخيمة وأم القيوين أكثر فقرًا وتنقصها الموارد المالية، حتى مع النظر إلى الدستور الإماراتي الذى يجعل الموارد الطبيعية ملكية عامة لكل إمارة، فإن إمارة أبو ظبي الأكثر نفوذًا بين باقي الإمارات التابعة بالمساعدات المالية التي تقدمها أبو ظبي.
كانت دبي الإمارة الأهم بعد أبو ظبي، واقتصادها المزدهر منحها قدرًا من الاستقلال مقارنة بالإمارات الأفقر، ولكن الأزمة العالمية في 2008 ضربت دبي بشدة، ما جعلها مضطرة لطلب المساعدة من أبوظبي.
وجد محمد بن زايد (ولي العهد حينها) فرصة للهيمنة على دبي وتوطيد سلطته، وجعل دبي تابعة لأبوظبي.
أنقذت أبوظبي اقتصاد دبي بمساعدات مالية تقدر بـ20 مليار دولار على شكل قروض وسندات بفوائد مرتفعة، ما جعل دبي أيضًا تابعة كباقي الإمارات. وقد جمدت جائحة كورونا السياحة، ما جعل اقتصاد دبي المثقلة بالديون أصلًا في وضع صعب، ما أدى إلى إعادة إحياء المحادثات مع أبو ظبي لإنقاذ اقتصاد دبي مجددًا، ولكن هذه المرة بشكل غير مباشر، حصلت أبو ظبي على أصول في قطاعات استراتيجية مملوكة لدبي، ودمجت على أرضية الأزمة شركات في الإمارتين.
رجال أعمال وقبائل
منذ الستينيات ظلت العلاقة بين حكام أبو ظبي ورجال الأعمال وطيدة للغاية. فكلا منهما اعتمد على الآخر للحفاظ على مصالحهم. فحكام أبو ظبي اعتمدوا على دعم رجال الأعمال لمواجهة خصومهم المحليين وبناء أبو ظبي، كما أن رجال الأعمال رأوا أن دعم عائلة النهيان سيحافظ على النظام القائم، ما سيحافظ على مصالحهم.
مع صعود محمد بن زايد وإخوته من أبناء فاطمة في مرحلة أطلق عليها مارك فاليري نهاية العقد الأوليجاركي، تغيرت طبيعة العلاقة بين رجال الأعمال والحكام الجدد، تأسس ذلك على أرضية جديدة، حيث أصبحت المؤسسات الاقتصادية الاستراتيجية تحت سيطرتهم مثل المجلس الأعلى للبترول. وأصبحت الاستثمارات تحت سيطرة أبناء فاطمة خلال الصناديق السيادية التي يرؤسونها.
كما يتملك أخوات زايد من أبناء فاطمة وإخوته الآخرين شركات ضخمة في مجالات المالية والعقارات والسياحة، والعديد منهم يحتكرون مشاريع اقتصادية هامة في الإمارات.
اتخذ محمد بن زايد أيضًا عدة قرارات تزعج رجال الأعمال الإماراتيين. لقد أنشأ وحدة لمكافحة الفساد وغلظ القوانين التي تجرم الرشوة والفساد، بالإضافة إلى تخفيف القيود على تملك الأجانب للعقارات والمنشآت، فضلًا عن استحداث نظام الإقامة الذهبية للأجانب.
بين بن زايد وبن سلمان
ولكن سيطرة بن زايد على الاقتصاد والسياسة تختلف بشكل جذري عن محمد بن سلمان. فمحمد بن سلمان ألقى القبض على أعضاء العائلة المالكة ورجال الأعمال من النخبة القديمة وأجبرهم على دفع تسويات مالية. ولكن محمد بن زايد يعزز سلطاته بشكل أكثر حذرًا دون أن يكون عنيفًا تجاههم.
وعلى الرغم من أن محمد بن زايد وإخوته يسيطرون على الصناديق السيادية والقرار الأخير لهم، ولكن هم حريصون أن تكون القبائل الأخرى ممثلة في مجالس إدارة تلك الصناديق، فلا يتم تجاهلهم في صناعة القرار. كما أن تحقيقات وحدة مكافحة الفساد ونشاطها يظل سريًا بشكل كبير، على عكس محمد بن سليمان، لا تخرج الصدمات إلى العلن كما هو الحال في السعودية.
وكل هذا يشير إلى أن محمد بن زايد لا يريد هدم النظام القائم بالإمارات وأنه لا يزال يحافظ على التقاليد والتوازنات التي أبقت الإمارات مستقرة كل تلك السنوات.
القبلية من العناصر العامة في البناء الاجتماعي الإماراتي، حكام الإمارات يحاولون بناء قوميات حديثة تستبدل الانتماءات القبلية، ولكن هذا لا يعني محو الهوية القبلية تمامًا، بل يتضمن هذا اعادة تشكيل الانتماءات القبلية في سبيل صناعة قوميات حديثة.
في كتابها “الحداثة القبلية”، تلاحظ ميريام كوك أن القبلية في الخليج غير منفصلة عن الحداثة، وليست نقيضا لها. فالقبيلة والحداثة والدولة الريعية مرتبطين ارتباط وثيق. بل يتم استخدام التاريخ القبلي والسلالات القبلية في تكوين القوميات والحدود الحديثة بالإمارات وصناعة المعارضات القومية بين المواطن الإماراتي الأصيل ذي السلالة القبلية والأجنبي أو الغريب.
تستخدم الأصول القومية لصناعة عرق مما بدوره يصنع طبقة من المواطنين الذين لهم مزايا خاصة يحصلون عليها من الدولة الريعية. هنا السلالات القبلية تستخدم كأساس لوضع الحدود الرمزية والترتبات الهرمية المكونة للدول للقوميات الحديثة. ولذلك تتم عمليات إعادة تشكيل الانتماءات القبلية لتتناسب مع الحداثه والعولمة، وبهذا الشكل ستظل بعض مكوناتها عالقة في هوية الإماراتين.
وسياسيًا، بناء القبيلة بشكلها المعاصر في الإمارات ليس مناقضًا للحداثة السياسة. كورتنى فرير والعنود الشارخ يجادلان في كتابهما “القبلية والسلطة السياسية في الخليج” بأن القبائل في الخليج ليست عائقًا أمام الدولة الحديثة، بل هي أطراف حديثة في العمليات البيروقراطية والسياسية.
على سبيل المثال، يتكون المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي من شخصيات العائلات والقبائل السبع البارزة، والذين يمتلكون ثقلًا اجتماعيًا. يدل على ذلك مؤشرات واستطلاعات رأي، قال المستجيبون إن “التصويت لأعضاء المجلس غالبًا ما يتم على أساس الانتماءات العائلية والقبلية والدوافع الشخصية”.
وبين المؤسسات الأخرى غير الرسمية التي تشارك فيها القبائل في صناعة القرار، هناك المجالس التي تستمد قراراتها من مبدأ التشاور وتهدف لإشراك كبار القبائل بصناعة القرار لتخطي المؤسسات البيروقراطية.
ولذلك تظل القبلية تلعب دورًا هامًا في الحكم في الإمارات، ولا يبدو أن محمد بن زايد يحاول إقصاء القبائل تمامًا. فهو يحافظ على رضا القبائل عبر استيعابهم في المؤسسات المختلفة، سواء المؤسسات الرسمية مثل مجالس إدارات المؤسسات ومؤسسات الحكم أو المؤسسات التقليدية غير الرسمية مثل نظام المجالس.
الأوتوقراطي الحذر
قد تجمع محمد بن سلمان ومحمد بن زايد بعض العناصر المشتركة، فكلاهما يسير نحو نفس الهدف. ولكن يظل محمد بن زايد حتى الآن أقل تهورًا من محمد بن سلمان. وبن زايد لا يزال مستمرًا بنهجه الذي يتسم بالهدوء والتغيير التدريجي. فهو يعزز من سلطته دون إثارة عداء عناصر النخبة الحاكمة الإماراتية مستغلًا ثروة أبوظبي.
على الأرجح، أفعاله تثير إزعاج بعض عناصر النخبة الحاكمة الاماراتية، ولكنه حتى الآن يتجنب الصدامات المباشرة بشكل كبير مع كبار القبائل أو رجال الأعمال. فيحاول بن زايد التوسع في سلطاته دون الإخلال بالتوازنات داخل الطبقة الحاكمة، خاصةً بين القبائل، لضمان استمرار توازنات النظام الإماراتي الذي حمى بقاء واستقرار النخبة الحاكمة من التقلبات والصراعات الداخلية والخارجية.