في ورقة سياسات جديدة، يصدرها موقع مصر 360 ضمن متابعاته للشأن الإقليمي، يتناول الباحث محمد عبد الكريم الأزمة السودانية الحالية وعلاقاتها بالتفاعلات الدولية. وتنطلق الورقة من فرضية أن المواجهات بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني هي نتيجة مباشرة لتفاعلات العلاقات الدولية والإقليمية.
تشمل التفاعلات، الارتباطات الروسية بقوى إقليمية تقليدية في المنطقة، وكذلك تمترس إثيوبيا والإمارات وإريتريا وراء مشروع تقويض قوة الدولة السودانية لتحقيق عائد مجز لها، وهو دمج السودان بالكامل في “مشروعات التعاون الإقليمي” في القرن الإفريقي.
للاطلاع على الورقة كاملة:
حال الأزمة الراهنة
تتبع الورقة البداية المباشرة للأزمة، وهي توجيه “الدعم السريع” لقواته بالانتشار حول مدينة مروي الأربعاء 12 إبريل/نيسان الجاري، وفي اليوم التالي أرسل حميدتي مزيد من قواته إلى مدينة الخرطوم ومناطق أخرى من البلاد دون تنسيق مع قيادة القوات المسلحة
ثم تسارعت الأحداث صباح 15 من الشهر الجاري، عقب وقوع اشتباكات مسلحة لم تشهدها البلاد من حيث القوة والانتشار منذ نحو عقدين، امتدت المواجهة في مدينة مروي بالولاية الشمالية.
وصدرت دعوات ملفتة من قبل قوى الحرية والتغيير للمواطنين السودانيين بالدخول في عصيان مدني لتزامنها مع مؤشرات الهدنة التي قبلها الطرفان بعد تحذيرات أمريكية مباشرة وجهها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن.
ورغم ضبابية المشهد الراهن فإنه من غير المتوقع العودة بالمرحلة الانتقالية إلى “حدود” 15 من هذا الشهر، رغم مساعي قوى الاتفاق الإطاري الداعمة لقوات الدعم السريع لتقديم قدرة تفاوضية أكبر لتعويض خساراتها الميدانية والسياسية الهائلة فيما بعد 15 إبريل.
شرق إفريقيا
يشير عبد الكريم إلى تأثيرات الأزمة في شرق القارة الإفريقية، خاصة في حالتين بارزتين وهما إثيوبيا وإريتريا، فقد لعبت إثيوبيا دورًا بارزًا في دعم “المكون المدني” بعد سقوط البشير، وواصلت لعب دور الوسيط الأبرز في عمليات معقدة بين هذا المكون والقيادة العسكرية، ولم تخف أديس أبابا انحيازها لنقل السلطة من الجيش السوداني إلى “المكون المدني”.
وفي المقابل اتخذ “المكون العسكري” موقفًا واضحًا في مواجهة الأطماع الإثيوبية.
أما إريتريا، كانت محطة هامة من محطات جولات حميدتي الأخيرة في العام الجاري والتقى خلال زيارته لأسمرا منتصف مارس/آذار الماضي، الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، مع ملاحظة تعاظم دور إريتريا كفاعل إقليمي في القرن الإفريقي وشرق إفريقيا.
قدمت أسمرا دعم ثمين لنظام آبي أحمد مكنه من تجاوز أزمة إقليم التيجراي. كما حضر الدور الإريتري في تفاعلات الأزمة السودانية بشكل مباشر في الأعوام الأخيرة.
السودان وأمن البحر الأحمر
لا تغيب تداعيات الأزمة السودانية الراهنة عن ساحة البحر الأحمر والترتيبات الأمنية والاقتصادية به بطبيعة الحال. وتمثل سواحل السودان على البحر الأحمر قيمة استراتيجية هائلة غير مستغلة إلا في حدود دنيا للغاية، وضمن التداعيات الراهنة والمرتقبة في حالات الولايات المتحدة والصين والسعودية.
فمن ناحية، تحرص واشنطن على ضبط أمن البحر الأحمر عبر حزم من الشراكات والتنسيق مع دول حوض البحر الأحمر والاتحاد الأوروبي وحتى ضبط التحركات الصينية المنطلقة من قاعدة بكين في جيبوتي.
كما تواصل واشنطن الاهتمام بالمنطقة من جوانب شتى، اقتصادية وبيئية، بالتوازي مع الاهتمام العسكري، إذ أطلقت، على سبيل المثال، نهاية العام 2022 خلال قمة المناخ في شرم الشيخ ما عرفت “بمبادرة البحر الأحمر” لحماية حاجزه المرجاني ونظامه البيئي بشكل عام.
لكن المخاوف الأمريكية الراهنة من تداعيات أزمة السودان في البحر الأحمر والترتيبات المستقرة به برعاية أمريكية- إقليمية، تتمثل في تقارير عن اتمام مجلس السيادة السوداني اتفاقًا مع رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين لإقامة روسيا قاعدة عسكرية على البحر الأحمر “قبالة السواحل السعودية”.
للاطلاع على الورقة كاملة.. اضغط هنا
تثير القاعدة مخاوف غربية وإقليمية (سعودية وإسرائيلية على وجه الخصوص) من السماح لثلاثمائة جندي روسي باستخدام ميناء بور سودان الاستراتيجي على البحر الأحمر “ونية بوتين الاحتفاظ بأربعة سفن حربية بما فيها سفن تعمل بالطاقة النووية في بور سودان.
ومن ناحية أخرى، أعلنت الخارجية الصينية متابعتها لتطورات الأزمة، ووجهت الدعوة “للأطراف المتصارعة لوقف القتال في أقرب وقت ممكن ومنع تصعيد “التوتر”، كما شدد بيان الخارجية الصينية على تعميق الحوار والتحرك المشترك نحو عملية سياسية انتقالية.
القاعدة الصينية الوحيدة خارج أراضيها تقع في ميناء جيبوتي عند مدخل البحر الأحمر الجنوبي، كما أن الصين، الشريك التجاري الأول للسودان كما الحال مع إثيوبيا، تعد واحدة من أهم مصادر الاستثمار في السودان في العشرين عامًا الأخيرة.
ويتركز اهتمام الصين بالأزمة في حماية مصالحها وأعمالها ومواطنيها في السودان. ويمكن تصور وجود تداعيات إيجابية لصالح الصين، المنافس القوي للإمارات في البحر الأحمر، حال استقرار الأوضاع في السودان لصالح الجيش السوداني وإطلاق مرحلة انتقالية “ختامية”.
للاطلاع على الورقة كاملة.. اضغط هنا
توزع بكين وجودها الاقتصادي بشكل واضح في مصر وسلطنة عمان، عند مضيق هرمز وقناة السويس، إلى جانب حضورها العسكري القوي في منتصف المسافة بين الموقعين في جيبوتي، وفي حال استقرار الأوضاع في السودان يمكن أن تمتد الاستثمارات الصينية بشكل متسارع على سواحل السودان، لتنافس المشروعات الإماراتية بشكل كبير وربما بمقبولية أكبر للخرطوم.
أما عن السعودية، فإنها تتشارك في حدود بحرية مهمة مع السودان، وتخشى من تداعيات “أي سقوط للدولة” لاعتبارات هذه الحدود المشتركة وعدم تكرار النموذج الليبي على الضفة الغربية المقابلة للسعودية في البحر الأحمر.
ساحة صراع أم مبادرات للتسوية؟
ويشير الباحث إلى أن المخاوف الدولية والإقليمية من تداعيات أزمة السودان على أمن البحر الأحمر تظل محكومة بتوجهات هذه الأطراف بالفعل داخل الإقليم وتحويله إلى ساحة من العسكرة الدولية المتنامية وعدم الوقوف بقوة خلف مبادرات التسوية أو تحقيق التوازن والاستقرار داخل الدول المطلة على البحر الأحمر .
ويظل، وفق الورقة، تأثير الأزمة السودانية في صراعات شرق إفريقيا ومسألة أمن البحر الأحمر مرهونًا باستجابات أطراف هذه الصراعات وقدرتها على التدخل في الشئون السودانية مقابل قدرة الأطراف السودانية على إنهاء الصراع الراهن لصالح مشروع وطني ملح.
ويعيد عبد الكريم التأكيد على أن الأزمة السودانية برمتها محصلة بالأساس لتدخلات إقليمية ودولية همشت بشكل مبالغ فيه قدرة الشعب السوداني على إدارة خلافاته ما سيكون بالغ الضرر على دول الجوار البحر الأحمر.