خلال شهر رمضان والمواسم والأعياد الدينية، يزداد معدل توزيع المساعدات الغذائية على المواطنين الأكثر احتياجًا. وتعتمد على هذه المساعدات، بعض الأسر في توفير جزء من احتياجاتها الضرورية لمواجهة الجوع الذي بدأ يتمدد بقوة مع تفاقم الأزمة الاقتصادية القاسية.
ارتفعت معدلات الفقر إلى ما يجاوز 32% حسب مؤشرات رسمية، بينما بعض الخبراء يشيرون إلى نسب أعلى تجاوز 60%، ومع ارتفاع معدلات التضخم تزداد معاناة الأسر في توفير الغذاء الضروري.
هذا الوضع الصعب دفع الحكومة إلى تعزيز برنامج تكافل وكرامة ضمن مظلة الحماية الاجتماعية، لكن وزارة التضامن مؤخرًا بالتعاون مع التحالف الوطني لاتحاد الجمعيات الأهلية، والذي يضم 27 جمعية ومؤسسة أهلية، توسعت في توزيع الأغذية كحل لأزمة الجوع التي بدأت تتوسع.
ونفذ التحالف الوطني للعمل الأهلي “احتفالية” مبادرة كتف في كتف في استاد القاهرة في 17 مارس الماضي قبل أيام من بدء شهر رمضان، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي، واستهدف خلالها توزيع 20 مليون كرتونة غذاء على الفقراء.
التوظيف السياسي
ارتفعت مؤشرات ظاهرة “توزيع الكراتين” خلال التزاوج بين نظام الرئيس السادات وجماعة الإخوان المسلمين، ووظف نظام مبارك العمل الخيري سياسيًا، خاصة توزيع الكراتين، بحيث كانت شعار للمرحلة “المباركية” وهي ممتدة حتى الآن، وتتفاقم، دون القدرة على توفير فرص عمل بأجر عادل وشروط لائقة تغني عن التسول والسؤال.
حاولت وزارة التضامن الاجتماعي عبر مبادرة تكافل وكرامة تخفيف معدلات الفقر، ذلك بصرف معاش استثنائي قيمته 350 جنيها يخضع للمراجعة كل فترة.
ومع ارتفاع أسعار الغذاء والتضخم بشكل عام، زاد المبلغ إلى 500 جنيه، لكنه يظل غير كاف لتأمين الحد الأدنى للغذاء، ما دفع وزارة التضامن إلى اعتبار الأسر المستفيدة في حاجة إلى دعم غذائي شهري، وتم إدراجها ضمن مبادرة كتف فى كتف.
فى تصريحات صحفية، أعلنت نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي دخول 450 ألف أسرة جديدة ضمن برنامج “تكافل وكرامة” بتكلفة سنوية بلغت 2.4 مليار جنيه عام 2022، وبذلك زادت البنود المخصصصة من 3,7 مليار جنيه فى 2014 إلى 19,5 مليار جنيه 2022، ليصل إجمالي الأسر المستفيدة إلى 5 مليون أسرة.
“فرحة مؤقتة”
المساعدات الغذائية “فرحة مؤقتة”، هكذا وصفت سميرة عبد السلام إحدى المستفيدات من كراتين الغذاء التى تصلها من أهل الخير و الجمعيات الأهلية، فهى لا تضمن استمرارية توفير الغذاء ولا تكفى احتياجات الطعام الأساسية إلا لأسبوع.
“سميرة”، التى تسكن حى السيدة زينب وتعمل فى حضانة أطفال، تقول أن المساعدات تقدم في الأغلب مرتين فى السنة، وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها في مواجهة الجوع. وتضيف “الثلاجة أصبحت فارغة”، والأصعب في تقديرها هو أن لا تجد ما تضعه في حقيبتي ابنتيها خلال اليوم الدراسى.
أيمن أنور رئيس مجلس أمناء مؤسسة أمل مصر للتنمية يرى أن التبرعات الغذائية حل مؤقت، من المهم ان يتحقق التمكين الاقتصادى بتوفير فرص عمل وتمويل مشروعات صغيرة وهي أولوية تالية بعد تأمين الاحتياجات الضرورية للغذاء.
وأكد أنور أن الجمعيات الأهلية تقدم الطعام وسيلة وليس غاية لجذب الناس للاستجابة للمبادرات التنمية. ووفقًا لأنور الذي ينشط في العمل الأهلي منذ عام 2012، فإن هناك من الأسر التي تفضل الحصول على المساعدات الغذائية شهريا بدلًا من حصولها على تمويل مشروع صغير.
“لقطة” للتسويق الإعلامي
يرى الخبير الاقتصادي وائل النحاس أن مبادرات الدعم والمساعدات الغذائية فى مصر، لم يحدث فيها أي تطور بل ازدادت تشوهًا، وتعمل بنظام “اللقطة” للتسويق الإعلامي أمام الكاميرات، وأصبح دور الجمعيات الأهلية مشتت في تحديد وترتيب الأولويات، والأكثر إلحاحًا في تقديم الدعم.
هذا الوضع يحتاج مراجعة حقيقية ودقيقة لتنظيم أموال التبرعات وتوجيهها بشكل صحيح وفاعل يخدم الأسر التي تستحق، وفق النحاس.
وفي نظر النحاس، تفتقد التبرعات إلى الأسلوب العلمي الاحترافي في التعامل معها، حيث تتم بشكل عشوائي، دون تكامل بين المؤسسات العاملة في هذا النشاط، بما يسمح لبعض الأسر من الاستفادة منها أكثر من مرة من أكثر من جهة، وقد لا تكون في حاجة إليها.
يضيف النحاس بأنه لا توجد بيانات رسمية حكومية عن عدد الأسر الأولى بالرعاية مطالبًا وزارة التضامن بالربط بين الجمعيات الأهلية ووزارة الداخلية عن طريق الشياخة الموجودة بكل حارة، ووزارة الأوقاف، المساجد، والكنائس وكل المؤسسات، لعمل منظومة تضامن فعلية وحقيقية مبنية على قاعدة بيانات ثابتة على أرض الواقع ولديها معلومات كافية عن نوعية المطالب والاحتياجات لكل أسرة وعددهم في كل حي وحارة لضمان وصول الدعم لمستحقيه.
ويقول النحاس، في حديثه لـ “مصر360”: “أن برنامج تكافل وكرامة الذي تعتمد علية وزارة التضامن الاجتماعي في تحديد الأسر الأولى بالرعاية والذي يقترب من 5 مليون أسرة، يعتمد في أغلبه على مجموعة من الأسماء التى يتم استخدامها في الانتخابات ممن يتم استغلالهم سياسًيا باستدعائهم للتصويت”.
في مقابل ذلك، يشير رئيس مجلس أمناء مؤسسة أمل مصر للتنمية، إلى أن وزارة التضامن طرحت مشرع فرصة ويهدف إلى تحويل الأسر ذات الاحتياج الاجتماعي من المستفيدين من برنامج تكافل وكرامة من منتفعين إلى منتجين، بتأهيلهم لسوق العمل وتمكينهم من الحصول على فرصة عمل بالشركات أو تمويل مشروعات صغيرة. ويلفت إلى أن الدولة استوعبت دور العمل الأهلي، وتهدف إلى توحيد جهوده في خدمة المواطنين.
نسب الفقر
تشير إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى انخفاض معدلات الفقر إلى 29.7% عام (2019-2020 ) مقابل 32.5% عام (2017-2018 ) بنسبة انخفاض قدرها 2.8%، لأول مرة منذ 20 عامً.
لكن الباحث والمحلل السياسي والاقتصادي إلهامي الميرغني يؤكد أن معدلات الفقر تتراوح ما بين 30% و60% وفقًا لمقياس البنك الدولي. لذلك يعتبر هذه التبرعات وتوزيع الكراتين، مجرد مسكنات لحظية لا تواجه الفقر ولا تقضي عليه، بل على العكس تؤدي إلى إعادة إنتاج الفقر.
فى مقابل ذلك، يقول الميرغني، تغيب سياسة الضرائب التصاعدية التي تعمل على إعادة توزيع الدخل بين الطبقات المختلفة، فتأخذ من القادرين لتنفق علي غير قادرين، هناك مؤشرات مرتفعة للجوع لم تنخفض رغم التبرعات والكراتين بل تزيد
أولويات الإنفاق
هناك فرق شاسع بين الفكر التنموي والفكر الخيري والذي تجمع له مليارات الجنيهات سنويًا في موسم إعلانات تليفزيونية تتكلف المليارات ولا يعرف حجم الإيرادات ولا أوجه إنفاقها.
الدكتور جودة عبد الخالق وزير التموين الأسبق في حديث لـ “مصر 360″، وصف فكرة التبرعات بأنها “مهينة” للمواطن، بما فيها من مبادرات اجتماعية تعتمد على تقديم بعض المساعدات الغذائية المؤقتة، ويشير إلى أن الاحتياج ظاهرة أنتجتها السياسات الحكومية الاقتصادية خلال عقود.
وأكد جودة أن التبرعات أصبحت أسوأ إعلان يصدر فى الداخل والخارج عن صورة المجتمع المصري، وتنقلهم من صورة طاقة يمكن استثمارها في الإنتاج إلى صورة “متسولون” على قارعة الطريق، يفتقدون الكرامة ولا يتمتعون بحقوق اجتماعية يدافعون عنها.
وأوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة أن الشواهد المختلفة من خلال عدد المشروعات التي تم تصفيتها، ونسبة التضخم الجامح والغلاء المتزايد، تشير إلى زيادة الفقر الى ما يزيد عن 40% بما يعنى أن 4 أسر من كل عشرة تكابد الفقر وتعاني في توفير الغذاء.
وقال جودة لـ “مصر360”: “ما هكذا تدار شؤون المجتمعات، فالمساعدات لا تحقق الأمن الغذائي، بل على الحكومة أن تتخذ تدابير فعالة ومقنعة للسيطرة على التضخم والأسعار والاهتمام بالتعليم الجيد وخلق فرص عمل، والاهتمام بالإنتاج”.
وأضاف عبد الخالق: “ادعاء الحكومة وتبريرها الغلاء بربطه بالأزمة العالمية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية غير صحيح، لأن معدل التضخم لدى هذه الدول كالاتحاد الأوروبي لم يصل إلى ربع التضخم في مصر”.
ردًا على تفاقم الوضع
“توزيع كراتين الطعام” لجأت إليه الحكومة للتغطية عن تفاقم الأوضاع الاقتصادية وبث رسالة ” نقف إلى جانب المحتاج” بعدما عجزت برامج الحماية الاجتماعية عن حماية أسر تدفع ثمن برامج الإصلاح الاقتصادي التي انتهجتها الدولة بعد عام 2014، وهو البرنامج الذي أدى إلى ارتفاع معدلات الفقر إلى 32% في عامي 2017 و2018.
ووفقًا للباحث الاقتصادي إلهامي الميرغني، لم تعرف مصرخلال فترة الخمسينات والستينات، على امتداد أحياءها وقراها الفقيرة، نظام كراتين رمضان، حتى السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
وعندما كان يسافر شخص لأداء مناسك الحج، أو في الأفراح والمناسبات المختلفة، تُنحر الذبائح ويتم توزيع لحومها على الفقراء أو تسويتها ودعوتهم لتناولها دون إعلانات. كانت المساعدات تُقدم دون انتظار مقابل “صورة” وفي الكتمان حتى لا يتم إحراج المحتاجين.
وحسب الميرغني، انتقلت حمى توزيع كراتين الغذاء للمحافظات، كنوع من الدعاية لرجال الدولة محليًا. ويضيف: هاجر المصريون إلي الخليج وهجروا أراضيهم الزراعية المنتجة وتم تجريفها، وعادوا بجلابيب بيضاء يرتدون تحتها “بناطيل” قصيرة، ولحية وعلامة صلاة بارزة على الجبهة، وتحول القطاع العام إلى قطاع فاشل.
أسباب زيادة معدلات الفقر
الدكتور جودة عبد الخالق أستاذ الاقتصاد، يقول أن معدلات الفقر زادت بسبب “تفاهة” نظام التعليم ومحدودية فرص الطبقات الفقيرة من التعليم الجيد، وقلة فرص العمل التي تأثرت بغلق وتصفية الشركات العامة وتحويل العمال المنتجين إلى عاطلين.
إضافة إلى ذلك، يقول وزير التموين السابق، تمددت أزمة الغلاء ولم تتخذ الدولة إجراءات في مواجهتها لحماية العمالة والقطاعات الإنتاجية، ما زاد من أزمات الغذاء والجوع، وصور توزيع الكراتين.