يفرض تغيير وكالة التصنيف الائتماني “ستاندرد آند بورز” نظرتها المستقبلية للدين المصري من “مستقر” إلى “سلبي” تحديًا تمويليًا كبيرًا على وزارة المالية، رغم تثبيت الوكالة التي تصدر تصنيفها لتقيس مدى قدرة حكومة أو شركة أو مؤسسة ما مقترضة على الوفاء بالتزاماتها المالية، درجة التصنيف الائتماني للدين السيادي المصري عند “بي بي”.
بحسب الوكالة، فإن الحكومة المصرية بحاجة إلى تمويل كبير عام 2023 وكذلك 2024، يقدر بـ17 مليار دولار و20 مليار دولار على التوالي، رغم تخصيص وزارة المالية حاليًا 40% من الإيرادات الإجمالية المحصلة لتسديد فوائد ديون أغلبها محلية.
جاء تقرير “ستاندرد آند بورز” بعد شهرين فقط من تخفيض وكالة “موديز” التصنيف الائتماني لمصر من مستوى B2 إلى مستوى B3، في أول إجراء من نوعه منذ نحو 10 سنوات بسبب انخفاض الاحتياطي النقدي وانخفاض السيولة، والقدرة على امتصاص الصدمات الخارجية، لكنها عدلت حينها النظرة المستقبلية لمصر من سلبية إلى مستقرة.
كانت وكالة “فيتش للتصنيف الائتماني” قد سبقت الوكالتين الدوليتين الأكبر في تغيير النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري، لتصنيف مصر الائتماني إلى سلبية من مستقرة، مع الإبقاء عليه عند “+B” مع تراجع وضع السيولة الخارجية لمصر (حينها)، وتراجع احتمالات الوصول إلى أسواق السندات الدولية، وارتفاع عجز الحساب الجاري وآجال استحقاق الديون الخارجية.
وقالت ستاندرد أند بورز إنها قد تغير تقييمها للاقتصاد المصري في الأشهر الـ12 المقبلة وحال تخفيض نظرتها المستقبلية لمصر درجة واحدة، فسيصبح تصنيفها الائتماني” B-” لتماثل أوكرانيا ونيجيريا والكاميرون والعراق، أما حال التخفيض بدرجتين ستصبح في فئة CCC+.
لكن الوكالة أكدت وجود سيناريو إيجابي بتعديل رؤيتها المستقبلية إلى إيجابية حال وجود احتمالية أعلى لتمويل الالتزامات الأجنبية بالعملات الصعبة، وفي هذه الحالة قد ترفع الوكالة تصنيف الدين السيادي لمصر درجة واحدة عند “بي بي +”.
تقارير تحدد العائدات والمخاطر
يقول الدكتور أحمد العطيفي، الخبير الاقتصادي، إن الوكالات الثلاثة تحدد توجهات المستثمرين في العالم ومنهم مصر والدول الناشئة والعائد المطلوب للاستثمار والمخاطر، وتعديل النظرة الايجابية لمصر الى نظرة سلبية لتتشابه مع موديز، سيؤدي لتعديل النظرة المستقبلية للبنوك المصرية الى نظرة سلبية كإجراء طبيعي يحدث بعد تعديل النظرة المستقبلية للدولة.
وضعت مؤسسات التصنيف الائتماني مستويات متشابهة للتقييم، فالتصنيف “Aaa” من قبل موديز و”AAA” من قبل ستاندر آند بورز و”فيتش” أعلى تصنيف يمكن الحصول عليه ويتبعه “Aa “أو”AA” ثم “A” ثم Baa لموديز أو BBB للمؤسسات الأخرى وتضاف (-) أو (+) إلى التصنيف للتمييز فيما بين التصنيفات فمثلا التصنيف A+ أعلى من A, A أعلى من A.
أما التصنيفات “Ba” أو “BB” يليها “B” ثم “CCC” أو “Caa” ثم “CC” أو “Ca” ثم “C” وهي جميعًا تصنيفات تتسم بالمخاطر ويشير التصنيف “D” وهو اختصار لـ Default إلى التخلف عن سداد الالتزامات المالية.
يضيف العطيفي أن تصنيف مصر حاليًا في منطقة “بي” وهي المخاطر ما يعني دفعه مصر فائدة كبيرة على الاستثمارات بأدوات الدين ويطلق على الدول التي تنتمي لهذه العائلة بانها ذات طابع مضاربات ومخاطر، كما تفرض علاوات يطلبها المستثمر الأجنبي فهناك علاقة طردية بين التصنيف الائتماني للدولة والعلاوات التي يطلبها المستثمرون للاستثمار بدوات الدين الحكومية.
وطلب المستثمرون في عطاء أخير لأدوات الدين الحكومية سعر فائدة على السندات، والأذون يصل إلى قرابة 28% بدلًا من 21% أو 23% التي عرضتها وزارة المالية، بحسب وكالة بلومبرج. وذلك بأعلى من سعر الفائدة على الإيداع والإقراض الذي أقره البنك المركزي نهاية مارس/ آذار الماضي عند 18.25% و19.25% بنحو 9.75% 8.75%.
لكن العطيفي عاد وأكد أنه حال تحقيق إصلاح اقتصادي جيد، وتنفيذه بشكل سريع، وإعادة رؤية الاقتصاد والاستثمار وحوافز جادة وسريعة للمستثمرين المصريين والأجانب، وتقديم اعفاءات من الضرائب، وتخفيض تكاليف التراخيص وأراضٍ مجانية للمشروعات التي لا يوجد مثيل محلي لها، والقضاء على البيروقراطية من الممكن تغيير ذلك التصنيف سريعًا.
تسيطر “موديز” و”ستاندر آندبورز” على تصنيف أكثر من 80% من إصدارات الدين حول العالم سواء للشركات أو البنوك وبإضافة “فيتش”، الأقل في الانتشار، تزيد نسبة سيطرتهم معًا على قرابة 95% من سوق إصدارات الديون بالعالم.
يتوقع خبراء أن تتجه الحكومة للتقشف النقدي من أجل تحقيق كفاية موارد النقد الأجنبي المستقرة مثل قناة السويس والسياحة وتحويلات المصريين في الخارج وبعض الصادرات السلعية احتياجات الدولة الأساسية شاملا سداد الدين الخارجي، وأن تستمر في بيع حصص أقلية في بعض الأصول المملوكة للدولة.
اختلاف الرؤية
مع إصدار وكالة ستاندرد أند بورز تقريرها، قالت وزارة المالية إنه يعكس استمرار تحقيق الانضباط المالي بعدما بلغ العجز الكلي 6.1% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 6.8% عام 2020/ 2021 في ظل جائحة كورونا، وتحقيق فائض أولي للعام الخامس على التوالي بنسبة 1.3% من الناتج المحلي.
سلطت الوزارة في تعليقها على “ستاندرد أند بورز” الضوء على النمو القوي في الإيرادات الحكومية بسبب توسيع القاعدة الضريبية نتيجة لإجراءات الميكنة واسعة النطاق التي يتم تطبيقها لتحسين الإدارة الضريبية إضافة إلى جهود ترشيد النفقات والتوسع في شبكة الحماية الاجتماعية، واعتبر تعديل النظرة المستقبلية انعكاس لتعرض الاقتصاد المصري لضغوط خارجية صعبة أهمها: تداعيات الحرب بأوروبا وما تلاها من تداعيات اقتصادية سلبية عالميًا والموجة التضخمية غير المسبوقة.
المالية ترد على “ستاندرد وموديز”
تعليق وزارة المالية على “ستاندرد آند بورز” جاء شبيها من حيث الحيثيات على تخفيض مؤسسة التصنيف الائتماني “موديز” تقييم إصدارات الحكومة المصرية طويلة الأجل، وعرضت وزارة المالية الإنجازات التي تحققت كتسجيل قناة السويس حصيلة هي الأعلى تاريخيا بنحو 7 مليارات دولار، وتوقع وصولها إلى 8 مليارات دولار خلال 2023، وإيرادات قطاع السياحة 10.7 مليار دولار في ظل التدفقات القوية من أسواق متنوعة مثل دول الخليج وألمانيا، إضافة لزيادة حصيلة الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 71% لتحقق نحو 9.1 مليار دولار.
وتوقع أحمد كجوك، نائب وزير المالية للسياسات المالية والتطوير المؤسسي، في بيان أخير لوزارة المالية، تحسن التصنيف الائتماني لمصر خلال الفترة المقبلة حال تلبية احتياجات التمويل بالعملة الأجنبية من خلال مرونة سعر الصرف، وجذب تدفقات كبيرة من العملات الأجنبية من خلال برنامج الطروحات.
لكن تقارير وكالات التصنيف الائتماني لا تهتم بقوة الاقتصاد أو النمو أو حجم الاستثمارات، وكل ما يشغل بالها هو وضع نفقات الدولة وايراداتها في جدول للتدفقات النقدية المستقبلية لتبين ما إذا كان هناك فوائض مالية سنوية كافية لسداد ما على هذه الدولة من ديون بمواعيدها المحددة، بحسب الخبير الاقتصادي هاني توفيق.
ويقول توفيق إنه رغم ضخامة ما تم استثماره من عام الى آخر مقارنة بباقى دول العالم، خاصة الاستثمارات بالبنية التحتية ومحطات الكهرباء والغاز والمدن الجديدة وخلافه، مما وضع مصر بمركز متقدم من حيث معدل النمو الاقتصادي، إلا أن هذه الاستثمارات تعتبر ذات مردود أو عائد متوسط وطويل الاجل، لايفيد الدولة في سداد مديونيتها على المدى القصير، مما تسبب في عدم تماشي بين ايرادات الدولة ومصروفاتها على المدى القصير ، ومن ثم تدهور جدارتها الائتمانية.