تصدرت قضية تمكين المرأة في القضاء المشهد العام لمصر لسنوات مضت، فرغم ما تشهده المرأة من اهتمام رسميّ بقضاياها ودورها في المجتمع بالسنوات الأخيرة، فمازالت هناك بعض الوظائف حكرًا على الرجال فقط ومنها في القضاء، وهو ما دفع البعض للحديث عن تمكين فعلي للمرأة، لاسيما المصرية، في السلك القضائي واعتلاء المنصة، تزامنًا مع ضغوطات من منظمات نسائية لتمكين المرأة في العمل القضائي.
ومنذ ما يقرب من ربع قرن، تكافح المرأة المصرية للحصول على حقها في العمل كقاضية، وبحسب دراسة موسعة أعدتها الهيئة العامة للاستعلامات صادرة في أغسطس 2018، فإن نسبة الإناث في الهيئات القضائية 0.5% بمعدل 66 قاضية من 16 ألف قاضٍ والمستهدف وصولها في 2030 إلى 25 %.
ألا أن العام الماضي، شهد تعيين فاطمة قنديل، كأول قاضية مصرية على منصة القضاء بقضايا الجنايات، ونظرت أيضًا فيما سبق القضية المعروفة إعلاميًا بـ”التلاعب بالبورصة”، المتهم بها جمال وعلاء مبارك، نجلى الرئيس الأسبق حسنى مبارك، من محكمة الإسكندرية إلى القاهرة، وهو الأمر الذي تلقاه المجتمع المصري بين الترحيب والاستنكار .
وعلي الصعيد العربي، فهناك أكثر من 11 دولة عربية تسمح للمرأة بتولي هذا المنصب وبلغ عدد القاضيات بها 10000 قاضية من دون تمييز أو تفرقة بين رجل وامرأة، فالكفاءة تفرض نفسها سواء كانت الكفاءة رجلا أو امرأة، فهناك 50% من جهاز القضاء في المغرب نساء و67% من القضاء في السودان نساء.
دستوريًا
وينص الدستور المصري على المساواة بين الرجل والمرأة، بحسب المادة 11 من الدستور، وتحديداً الفقرة الثانية عن تعيين المرأة في الجهات والهيئات القضائية، “على أن تكفل الدولة للمرأة حقها في تولي الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة والتعيين في الجهات والهيئات القضائية”.
بالإضافة لنص المادة 9 من الدستور: “تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز”، كما تنص المادة 14 ، “الوظائف العامة حق المواطنين على أساس الكفاءة، دون محاباة أو واسطة”.
رفض للمرأة القاضية
ورغم المطالبات النسائية والضغوط الإعلامية لتمكين المرأة في السلك القضائي، ألا أن المقاومة كثيراً ما تأتي من الداخل والرفض ينبع أحيانًا من أهل القضاء ذاته، اذا رفضت الجمعية العمومية لمجلس الدولة تعيين المرأة قاضية، إلا أن في أغسطس 2009، وافق المجلس الخاص لمجلس الدولة بالإجماع على الإعلان عن قبول تعيين مندوبين مساعدين بمجلس الدولة من متخرجي ومتخرجات كلية الحقوق من دفعتي 2008-2009.
بينما في يناير 2010، وافق المجلس الخاص بالأغلبية على استكمال السير في إجراءات تعيين من تقرر صلاحيتهم للوظيفة، ولكن في تحول مفاجئ، انعقدت الجمعية العمومية لمجلس الدولة، وفي فبراير 2010، بحضور 380 مستشارًا، وصوت 334 منهم ضد عمل المرأة قاضية، و42 مستشارًا قبلوا عملها وامتنع 4 مستشارين عن التصويت، فيما انسحب رئيس المجلس قبل بدء التصويت.
وبعد دستور 2014، رفعت المحامية أمنية جادالله، دعوى قضائية، في العام الذي يليه، لوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية رقم 356 لسنة 2015 بشأن تعيين 243 مندوبًا مساعدًا بمجلس الدولة من خريجي دفعة 2013، لإغفاله تعسف المجلس في تلقي طلبات الالتحاق من الفتيات خريجات نفس الدفعة، وتعين أقرانهن من الذكور فقط.
وتقول هدي بدران، رئيسة الاتحاد النوعي لنساء مصر، إن الدستور يؤكد على المساواة بين الجنسين في الوظائف وسوق العمل، كما أن المرأة المصرية أثبتت كفاءتها في المناصب الإدارية العليا، فهي أصبحت وزيرة، فهل من الصعب عليها أن تصبح قاضية؟، لدينا كثير من النصوص الدستورية لكن تطبيقها أمر آخر”.
وتابعت “بدران”، أن كثير من خريجات الحقوق يدرسون القانون لآلاف الشباب، الذين تولوا العمل بالقضاء، لذا معظم الحجج التي يرددها المختصين والعامة لا سند دستوري ولا شرعي لها”.
ألا أن الأمر لم يتوقف عن رفض الهيئات القضائية نفسها، فهناك رفض مجتمعي لفكرة “المرأة القاضية”، فمازالت التقاليد والأعراف مسيطرة على أغلبية الشارع المصري، فمن الممكن أن يذهب الرجل إلى طبيبة لتخفيف الآمه ولكنه يستصعب بالتأكيد الوقوف أمام امرأة تحكم في مشاكله وأخطائه.
“انفعالات المرأة تحركها فلا أثق في أحكامها”، هكذا عبر محمد إبراهيم، 33 عامًا، يعمل مهندسَا في أحد الشركات الخاصة، عن رفضه لوصول المرأة لمنصة القضاء، موضحًا أنه ضج عمل المرأة ذلك المنصب، فالرجال يسطرون على انفعالاتهم ويعملون عقلهم بشكل أكبر من النساء، لذا أنا أثق في أحكامهم”.
رؤية 2030
ومع ذلك، شهدت مصر في السنوات الست الماضية تقدمًا إيجابيًا ملحوظًا في مجال دعم وتمكين المرأة تعد الدولة الأولى في العالم التي أطلقت استراتيجية وطنية لتمكين المرأة المصرية 2030 بما يتوافق مع أهداف التنمية المستدامة، وقد اعتمد الرئيس عبد الفتاح السيسي، هذه الاستراتيجية عام 2017.
وتستهدف رؤية 2030 وصول نسبة الإناث في الهيئات القضائية إلى 25%، بدلاً من 5% في الوقت الحالي.
ومنذ تطبيق الاستراتيجية، تم تعيين 26 قاضية جديدة في محاكم الدرجة الأولى، و 66 قاضية في المحاكم المصرية، وتعيين 6 قاضيات نائبات لرئيس هيئة قضايا الدولة المصرية، وبلغ عدد القاضيات بالهيئة 430 قاضية.
وأشارت رئيسة الاتحاد النوعي لنساء مصر، إلى أن تحركات الرئيس ورؤية 2030 تدعم المرأة بالفعل وتساعد في تمكينها أكثر، لكن الدعم الرسمي وحده لا يكفي، فأزمة المرأة في الوصول لمنصة القضاء لها أبعاد أخرى، كالمجتمع الذي مازالت تسيطر عليه النزعة الذكورية بما في ذلك سلك القضاء نفسه، لذا تحتاج القرارات الرسمية لدعم شعبي ومجتمعي”.
بينما اعتبرت النائبة، مارجريت عازر، وكيل لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، أن عدم تنفيذ رؤية 2030 وتمكين المرأة في القضاء مخالفة دستورية وقانونية، موضحة أن الثقافة المجتمعية أحد أكبر معوقات أمام تمكين المرأة في السنوات الماضية، وهو ما سوف يتم تغيره في الأيام القادمة”.
وتابعت “عازر”، أن كل ما يتداول حول عدم قدرة المرأة للوصول لمنصة القضاء كلام “فارغ”، ولا أساس له من الصحة، فالرجل والمرأة متساوين في العمل، لاسيما القضائي، فما يحكمهم هو الأدلة وحيثيات الحكم، كما أنه لا يوجد أي مانع شرعي يمنع المرأة من تولي منصب القاضية بل على العكس هناك من يراها أفضل في أداء ذلك الدور وبخاصة في قضايا الأحوال الشخصية، لأن طبيعتها وتكوينها تجعلها أقرب لفهم مشاكل بنات جنسها”.
أما محمد نبيل غنايم، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة، أكد أن الشريعة الإسلامية بريئة من كل ما يتداول حول أحقية عمل المرأة في القضاء، حيث لا تفرق الشريعة بين الرجل والمرأة في تولي المناصب، بما فيها القضاء، فلا توجد نصوص أو آيات صريحة تنص على ذلك، فالكل عصر ظروف تحكمه”.