تُعتبر اليابان أحدث لاعب على مسرح التنافس الدولي في إفريقيا. وقد كانت النسخة الأخيرة من مؤتمر “تيكاد 8″، الذي عُقد في تونس العام الماضي وضم اليابان وعددا من الدول الإفريقية بشأن التنمية في القارة، نقطة تحول مركزية في العلاقات اليابانية الإفريقية؛ حيث أكدت طوكيو أنها تضع إفريقيا كأولوية كبيرة في سياستها الخارجية، يحدث هذا بالتوازي مع التغلغل الصيني في القارة. وهو ما يبشر بفصل جديد من التنافس الصيني الياباني على التواجد في القارة الإفريقية.
تحمل زيارة رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا الأخيرة، إلى إفريقيا العديد من الرسائل، حيث شملت الجولة، مصر وكينيا وموزمبيق وغانا، وخلال لقائه بالرئيس عبد الفتاح السيسي، أكد كيشيدا على رغبة بلاده الاستثمار في الفرص الاقتصادية في مصر، كما تباحث الجانبان في القضايا ذات الاهتمام المشترك، لا سيما القضية الفلسطينية، والوضع في ليبيا، وتطورات الأوضاع في السودان.
تأتي زيارة كيشيدا بعد 7 سنوات من الغياب الياباني عن إفريقيا بعد آخر جولة قام بها رئيس وزراء ياباني في عام 2016، وتحمل هذه المرة أجندة من الأهداف
شراكات جديدة
يحمل اختيار مصر وكينيا وموزمبيق وغانا، كمحطات للزيارة اليابانية، العديد من الدلالات، حيث تعتبر أول زيارة لرئيس وزراء ياباني إلى غانا منذ 17 عامًا، مما يعكس توجهات جديدة، ورغبة يابانية في تنويع الشراكات، بالإضافة إلى أن اليابان وغانا عضوان في مجلس الأمن في الدورة الحالية، كما تستضيف غانا أمانة منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA)، وهو ما يتوافق مع خطة اليابان الاقتصادية مع القارة التي أعلنتها في مؤتمر تيكاد الأخير.
محفوظ ولد السالك الصحفي والباحث في الشؤون الإفريقية، يؤكد أن اختيار الدول الأربع التي تشملها الجولة الإفريقية لفوميو كيشيدا، لم يأت اعتباطًا، فمصر التي شكلت أولى محطات الجولة، تعد دولة ذات وزن كبير في شمال إفريقيا، والاهتمام الياباني بها، قد يحقق لطوكيو تعزيز حضورها في شمال القارة وفي شرقها كذلك.
اقرأ أيضًا: سباق أمريكي صيني على كعكة إفريقيا.. كيف تستفيد القارة؟
كما أن غانا تعد مثالًا ديمقراطيًا في غرب إفريقيا، وهذا ينسجم مع اهتمام اليابان بتعزيز آلية الانتخابات في إفريقيا كوسيلة للتغيير، بدلًا من الانقلابات، ثم إن الاستقرار السياسي والأمني للبلاد، قد يتيح فرصًا هامة لليابان من أجل تعزيز حضورها الاقتصادي والاستثماري في غانا، ومن خلالها بعدة دول بغرب القارة.
وبالنسبة لكينيا، فإنها تشكل إحدى الدول الإفريقية، التي تستثمر فيها اليابان في مجال الطاقة النظيفة، وهناك حضور هام لشركات يابانية في مشاريع مبتكرة في هذا المجال. في حين أن هناك تعاون وثيق بين موزمبيق واليابان في مجال الغاز الطبيعي، وهو مجال يعد واعدا، حيث إن موزمبيق بدأت العام الماضي بتصدير الغاز المسال، الموجود بوفرة في شرق البلاد.
وإذا ما دعمت اليابان موزمبيق في مواجهة الجماعات المسلحة الناشطة بشرقها، فإن شراكاتهما الاقتصادية ستتعزز بلا شك، عبر بوابة الغاز.
الاستعداد لقمة السبع
تنعقد قمة مجموعة السبع خلال 3 أسابيع، ويحاول كيشيدا جذب دول جنوب العالم، حيث يمر المجتمع الدولي بمرحلة تحول تاريخية بفعل الحرب الروسية الأوكرانية، وصرح كيشيدا “بصفتنا رئيس مجموعة السبع، سنستمع ونزيد من مشاركتنا مع جنوب الكرة الأرضية حيث يضم 100 دولة”
ويسعى كيشيدا إلى دور قيادي من خلال إعادة بناء النظام الدولي، والحفاظ على النظام القائم على القواعد، لذلك يرى أنه من الأهمية بمكان كسب الجنوب العالمي. وفي يناير/كانون الثاني الماضي قام وزير الخارجية الياباني يوشيماسا هاياشي بجولة إلى المكسيك والبرازيل والإكوادور والأرجنتين، وكذلك جزر سليمان وجزر كوك في مارس/ آذار، وأجرى كيشيدا مباحثات مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في زيارته الأخيرة إلى نيودلهي، كما اتفقا على توسيع دور الشراكة الهندية اليابانية في تعزيز السلام والازدهار والاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
ملاحقة الصين وروسيا
تأتي رحلة كيشيدا إلى إفريقيا في الوقت الذي تكثف فيه الصين وروسيا مشاركتهما في القارة، وفي يناير/كانون الثاني الماضي، زار وزير الخارجية الصيني تشين جانج إثيوبيا ومصر والجابون وأنجولا، وبنين في أول رحلة خارجية له بعد توليه منصبه، كما تدرس الصين زيادة الاستثمار في القارة، كجزء من مبادرة الحزام والطريق لبناء البنية التحتية.
بالتوازي مع ذلك، امتنعت 17 دول إفريقية عن التصويت على قرار الأمم المتحدة؛ لإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، كما يتوسع دور روسيا في غرب إفريقيا والساحل لا سيما مالي، وتشاد مستحوذة على ولاء تلك الدول التي كانت الحليف التقليدي للدول الغربية.
وأعرب وزير الخارجية الياباني في مؤتمر تيكاد 8 عن مخاوفه من أن وباء كورونا والحرب في أوكرانيا قد عمقا من نقاط الضعف الاقتصادية والاجتماعية للبلدان الإفريقية، مما زاد من اعتمادها على الصين.
التنافس الصيني الياباني
رسخت الصين نفسها كلاعب قديم في القارة الإفريقية، وحرصت على التركيز على الأداة الاقتصادية بمختلف صورها باعتبارها الأكثر فعالية مع خصوصية الحالة الإفريقية، وتمكنت من تثبيت أقدامها في القارة بمعدل تبادل تجاري تخطى حاجز ال 282 مليار دولار، وتتسع أبعاد هذا الرقم من الناحية الجيو سياسية إلى تهديد الدور الأمريكي والغربي.
وكانت التحركات اليابانية في إفريقيا متواضعة إلى حد ما خلال العقد الماضي، بحيث لا يمكن ترقيتها إلى درجة المنافسة، ولكن مع التقدم الصيني، وجدت اليابان ضرورة ممارسة دور أكبر من خلال أدوات القوة الناعمة والتنمية البشرية؛ وتقديم الدعم والمساعدات الاقتصادية.
وتتشابك الأهداف الجيو سياسية مع المنافسة الاقتصادية، وبلغت قيمة الاستثمار الياباني في إفريقيا 7.8 مليار دولار أواخر عام 2017 مقابل 43 مليار دولار للصين، وفق وكالة جيترو، وعبرت الصين عن عدم رضاها عن الوجود الياباني المتزايد في إفريقيا.
الاستراتيجية اليابانية في إفريقيا
لم تكن طوكيو دولة تهتم بالجاهزية العسكرية أو ضرورة تكوين ترسانة من الأسلحة المتنوعة، ولكن شهدت الآونة الأخيرة تغييرات شبه جذرية في استراتيجيات الدفاع، والأمن الوطني والقومي في اليابان، وفي أواخر العام الماضي، أطلقت اليابان 3 وثائق استراتيجية جديدة: استراتيجية الأمن القومي (NSS)، واستراتيجية الدفاع الوطني (NDS)، وبرنامج بناء الدفاع، مع زيادة ميزانية الدفاع إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي في غضون 5 سنوات، مدفوعة ببيئة أمنية مضطربة، مقررة أن الهجمات الصاروخية ضد اليابان أصبحت تهديدًا ملموسًا، مع التركيز على قدرات الخصم وطرق الحرب الجديدة.
وفي الوثائق الاستراتيجية الثلاث، استمر الاعتراف بتعزيز التحالف الياباني الأمريكي كعنصر أساسي؛ لتحقيق الدفاع الإقليمي والسلام والاستقرار الإقليميين، وأعلنت الحكومتان الأمريكية واليابانية عن خطط لتعزيز التعاون الدفاعي الثنائي في اجتماع 2 + 2 في بداية عام 2023.
اقرأ أيضًا: آليات السياسة الدولية في ظل التنافس الأمريكي- الصيني.. الاعتماد المتبادل يقلل احتمالية الحرب
وبموجب هذه التغييرات، أجرت اليابان تعديلات في سياستها الخارجية، بحيث لا يمكن فصل تحركاتها في إفريقيا عن عقيدتها العسكرية الجديدة، والتي بدورها تدعم الانتشار الياباني واستباق خطوات المنافسين.
شهدت السنوات الأخيرة زيادة في النشاط الياباني في إفريقيا، وفي مؤتمر TICAD 8، أعربت اليابان عن تصميمها الراسخ على أن تكون شريكًا ينمو جنبًا إلى جنب مع إفريقيا، وحددت دعمها للأعمال الخاصة كأولوية من بين ثلاث أولويات لمؤتمر تيكاد 8، وتعهدت اليابان بتقديم 30 مليار دولار أمريكي في شكل استثمارات عامة، وخاصة على مدى السنوات الثلاث المقبلة، كذلك أقرت المساهمة في بناء القدرات من خلال تدريب 300 ألف شخص، في مختلف المهن في الصناعات التي ستدعم مستقبل إفريقيا.
تدعم اليابان مجال البنية التحتية، وتم إطلاق برنامج الشراكات اليابانية، لجودة البنية التحتية في عام 2015 لهذا الغرض فقط، ومنذ ذلك الحين وقعت مجموعة متنوعة من البلدان الإفريقية اتفاقيات بنية تحتية مع اليابان، على سبيل المثال، شهد مؤتمر تيكاد 6 في 2016 إبرام صفقات البنية التحتية مع كينيا وتنزانيا وإثيوبيا وموزمبيق. وفي قمة الاتحاد الإفريقي 2017 في أديس أبابا، وقع بنك التنمية الإفريقي وحكومة اليابان على مبادرة الطاقة اليابانية الإفريقية، حيث وافقت اليابان على تقديم 6 مليارات دولار لمشاريع الطاقة.
كما جرت الإشارة إلى أن انخفاض عدد السكان، وانخفاض معدل الخصوبة كأبرز مهددات الأمن القومي في الياباني، وبالتالي قد تمثل إفريقيا فرصة هائلة للاستثمار البشري.
الاستراتيجية الصينية
دفعت النجاحات المزدوجة لقمة الاتحاد الإفريقي في جوهانسبرج عام 2015، وقمة بكين لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي (FOCAC) في عام 2018، التعاون الصيني الإفريقي إلى مستوى جديد وغير مسبوق، وقرر الرئيس الصيني شي جين بينج والقادة الأفارقة بالإجماع في قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني – الإفريقي أن يعمل الجانبان على بناء مجتمع صيني – إفريقي أقوى، وتعزيز التعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق.
وفي يونيو 2019، أنشأت اللجنة الوطنية للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني مجموعة الصداقة الصينية الإفريقية، خلال جائحة كورونا ، وألغت الصين الديون المستحقة على 15 دولة إفريقية في شكل قروض بدون فوائد تستحق في نهاية عام 2020.
وأنشأت الصين أكثر من 3500 شركة من مختلف الأنواع في جميع أنحاء القارة، وبحلول نهاية عام 2020، تجاوز الاستثمار المباشر للشركات الصينية في إفريقيا 43 مليار دولار، وتدعم الصين إفريقيا في تطوير البنية التحتية، ومن عام 2016 إلى عام 2020، بلغ إجمالي الاستثمار في مشاريع البنية التحتية في إفريقيا ما يقرب من 200 مليار دولار.
كما تواصل الصين وإفريقيا توسيع التبادلات، وإجراء الحوارات في مجال السلام والأمن، ولعبت الدول الإفريقية دورًا حيويًا في توسيع النفوذ العالمي للصين، ومنذ عام 2019، شاركت الصين في استضافة الحوار حول تنفيذ مبادرة السلام والأمن بين الصين وإفريقيا، والمنتدى الصيني الإفريقي الأول للسلام والأمن.