في فبراير/ شباط الماضي، بعد يوم من وقوع زلزالين بقوة 7.9 و7.8 درجة في عدة مقاطعات تركية، ومنطقة من شمال غرب سوريا، ما أثر على حوالي 14 مليون شخص على الجانب التركي وحده. وجاء العدد الحالي للقتلى جراء الزلزالين -الذي يقترب من 55000 قتيل- ليكون أكثر من 100 ضعف التكلفة البشرية للانقلاب العسكري الفاشل في عام 2016، وقد تجاوز عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم طيلة أربعة عقود من حرب العصابات بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني.
وقتها، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “حالة الطوارئ”، في المنطقة المتضررة. وقال إن هذا الإجراء سيمنحه الصلاحيات اللازمة لمحاربة “الناهبين”، الذين يستغلون الفوضى لسرقة المواطنين. وبينما لا أحد يعرف حقًا من هم اللصوص المزعومون. بدا أن البعض يعتقد أنهم لاجئون سوريون.
وتحت عنوان “زلزال أردوغان”، نشرت صحيفة الجارديان البريطانية/ The Guardian، قصة من مراسلها في تركيا، والذي يتخذ اسما مستعارا هو Justus Links، حول الفساد في أروقة الدولة التركية، والذي كان من تداعياته عشرات المباني التي انهارت تحت وطأة الزلازل القوية.
وبينما دعا صلاح الدين ديميرتاش زعيم حزب الشعوب الديمقراطي -المسجون- الجمهور إلى نبذ شائعات “نهب”، اللاجئين للمباني المنهارة. قال آخرون: من أصدقاء مراسل الصحيفة البريطانية، إن اللصوص كانوا حقيقيين.
يقول: أخبروني أن لديهم بعض الأصدقاء الذين دمر الزلزال منازلهم، ويعيشون الآن في سيارة. جاء رجل وطرق النافذة، وقال إن المحافظ أعلن أن السد المحلي قد تحطم، وسيغمر المكان قريبًا. بعد أن لم يكن أمامهم شوارع سالكة، وسد الركام سيارتهم، نزلوا وركضوا للنجاة بحياتهم. وهنا، تعرضوا للسرقة.
ويوضح أنه في الأيام الأولى بعد زلزال 6 فبراير/ شباط “لم يكن تركيز الحكومة الأساسي على تخفيف المعاناة، ولكن على معاقبة المعارضة”.
اقرأ أيضا: أعلن مقتل الزعيم الرابع لـ “داعش”.. أردوغان يقدم مسوغات انتخابه في “معركة تثبيت الصورة”
وقال: اعترض مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي على الطريقة التي اتصل بها أردوغان في البداية برؤساء البلديات المتضررة، الذين ينتمون إلى حزبه، حزب العدالة والتنمية (AKP).
وأضاف: عندما غرّد محامي بحث عبثًا عن أقاربه وسط الأنقاض “أين الدولة؟” فتحت النيابة تحقيقاً ضده بتهمة “إهانة الدولة”.
إعادة توجيه الكارثة
وفق مراسل الجارديان، لم تبدأ السلطات التركية في مواجهة الأزمة بجدية إلا بعد خمسة أيام من وقوع الزلزال.
في 11 فبراير/ شباط، قال أردوغان إن بعض مساكن الطلبة في الجامعات الحكومية ستؤوي لاجئين من الزلازل، بينما سيتم إرسال الطلاب إلى منازلهم للتعلم عن بعد.
وفي اليوم التالي لإعلان الرئيس، غرّدت منظمة ناشطة في مجال الإسكان الطلابي على مستوى البلاد بأن “عشرات الطلاب من منطقة الزلزال الذين فقدوا عائلاتهم، ولا يستطيعون تحمل أجرة الحافلة طُردوا فجأة من مساكنهم الجامعية”.
وبينما دعا أحد الاقتصاديين البارزين الدولة، إلى إيواء الناجين في الفنادق والقواعد العسكرية، بدلاً من ذلك “لكن، من بين جميع المؤسسات التي يمكن للحكومة أن تعطلها لصالح ضحايا الزلزال، فإن الأوساط الأكاديمية مناسبة: فالجامعات هي معاقل للمعارضة”، كما يقول المراسل.
وبينما قلصت الحكومة ميزانية إدارة الكوارث والطوارئ/ AFAD بنسبة الثلث، من 12.1 مليار إلى 8 مليارات ليرة تركية، خلال الفترة من 2022/2023. قامت بإعادة توجيه الأموال إلى المديرية الرئاسية للشؤون الدينية، التي تم توسيع تمويلها بنسبة 56%، أي ما يقرب من 36 مليار ليرة. وهي ميزانية أكثر من وزارتي الخارجية والثقافة مجتمعين.
علاوة على ذلك، فإن الأموال التي تُنفق على إدارة الكوارث، والطوارئ لا تذهب بالضرورة إلى الإغاثة في حالات الكوارث.
يقول مراسل الجارديان: على الرغم من أن المواطنين الأتراك يدفعون ضريبة، تهدف رسميًا إلى ترسيخ المباني لمقاومة الزلازل. كشف أردوغان ووزراؤه، أن الأموال قد أُنفقت إلى حد كبير على مشاريع البنية التحتية غير ذات الصلة، وتسديد قرض من صندوق النقد الدولي.
وأوضح، أن المدير العام لإدارة الكوارث في إدارة الكوارث والطوارئ، إسماعيل بالاكوغلو، هو “عالم دين لم يكن لديه خبرة مهنية في مجال الإغاثة من الكوارث قبل تعيينه في هذا المنصب في عام 2018”. بينما طاقم عمل الوكالة هم أشخاص تم اختيارهم لقربهم من الحزب الحاكم، وليس لمؤهلاتهم المهنية.
وفي وثيقة داخلية، ألمح موظفو إدارة الكوارث والطوارئ إلى الضعف في استجابة وكالتهم لزلزال أصغر بكثير بالقرب من ساحل البحر الأسود في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. مشيرين إلى أنه “بدلاً من المهندسين المدنيين، قمنا بتجميع فرق من المعلمين والأئمة”.
إعاقة حكومية
في الأربعين ساعة الأولى الحاسمة من جهود الإنقاذ في فبراير/ شباط، من الواضح أن إدارة الكوارث والطوارئ كانت تعمل فوق طاقتها، بينما امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي، وصحف المعارضة القليلة المتبقية، بتقارير من مواقع حوصر فيها الناس تحت الأنقاض.
يقول المراسل التركي ساخرا: مع ذلك، لم تكن الدولة سلبية. في اليوم التالي للزلزال، أعلنت المديرية أنها حشدت 2500 “مرشد روحي” لتعزية الضحايا. بينما ألهمت صور “غرف الصلاة المتنقلة” المرسلة إلى المنطقة سخرية الناس الذين اعتقدوا أنها تشبه المراحيض. في حين أن النقص الحاد في المراحيض الفعلية جعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة للناجين، الذين تجمد عدد لا يحصى منهم حتى الموت في ليل الشتاء”.
ويضيف أنه مع ارتفاع عدد القتلى، تحولت استجابة قادة حزب العدالة والتنمية من “غير فعالة” إلى “معوقة بشكل فعال”.
تابع: في إشارة إلى أن إدارة الكوارث والطوارئ لم تظهر بعد في المواقع التي دُفن فيها أناس تحت أنقاض منازلهم، لجأ الناس سريعًا إلى موقع تويتر لتنظيم الإغاثة بأنفسهم. عندما نشر الناجون واليائسون إحداثيات الأصدقاء والأقارب المفقودين، ظهرت تعليمات الإنقاذ المؤقت والمساعدة جنبًا إلى جنب مع انتقادات لاستجابة الدولة. في اليوم الثالث من الأزمة، منعت السلطات الوصول إلى موقع تويتر في تركيا.
وفي مقابل الجهود الأهلية، قال وزير الداخلية سليمان صويلو إن التبرع لأية منظمة عدا إدارة الكوارث والطوارئ كان بمثابة “استفزاز”. مشيرا إلى أنه سيتم اتخاذ الخطوات اللازمة ضد “أولئك الذين يعتقدون أنهم يستطيعون المضي قدمًا -رأسا برأس- بمحاذاة الدولة”.
اقرأ أيضا: المونيتور: الطائرات بدون طيار التركية تقتل أطفال الأكراد في شمال سوريا
بطولة شعبية
على الرغم من موقف الحكومة، يشير مراسل الصحيفة البريطانية إلى أن الشعب التركي أظهر استعدادًا بطوليًا لمساعدة المنكوبين.
فيروي أن مبنى مجلس الطلاب في إحدى الجامعات -حيث التبرع بالإمدادات- كان مليئًا بالصناديق في غضون ساعات من فتح جهود الإغاثة، وكان العديد من الطلاب يتركون دراستهم للتطوع بدوام كامل.
وبمبادرة من الحكومات المحلية وإدارة الفنادق، تطوع أكثر من 200 فندق في المراكز السياحية على سواحل بحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط -في غضون يوم واحد من وقوع الزلزال- لاستقبال ضحايا الزلزال مجانًا.
كما تطوع عمال المناجم للخدمة بالآلاف، وقد عرّضوا حياتهم للخطر، واستغلوا مهاراتهم في العمل والحفر تحت الأنقاض لانتشال الناجين.
هنا، يلفت المراسل إلى أن صناعة الفحم في البلاد تعاني من تفاقم “حوادث العمل” القاتلة في المناجم منذ أن تمت خصخصتها في عام 2002.
ويشير إلى أنه عندما زار أردوغان والوفد المرافق له موقع حريق مدمر في منجم فحم في سوما على ساحل بحر إيجة في عام 2014، قال إن وفاة 301 من عمال المناجم كانت جزءًا من “طبيعة هذا العمل”. مشيرا إلى أن “هذا كان”مصيرهم”.
يقول مراسل الجارديان: بعد الزلازل، أصبحت العديد من المباني الجديدة وأجزاء البنية التحتية التي شُيدت على عجل خلال طفرة الائتمان في تركيا، في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في حالة خراب، بما في ذلك العديد من المستشفيات العامة. وتورد المصادر الرسمية الآن 50783 قتيلاً وأكثر من 122 ألف جريح في تركيا، وما لا يقل عن 8467 قتيلاً في سوريا.
ويتساءل: كم عدد القتلى الأتراك الذين كانوا سيظلون على قيد الحياة لو تم تمويل إدارة الكوارث والطوارئ بشكل أفضل، أو لم تعترض الدولة جهود الإنقاذ البديلة؟ كيف كان سيبدو المشهد الذي ضربه الزلزال إذا كانت صناعة البناء التزمت بقوانين البناء؟
حرمان المعارضة
في 7 مارس/ آذار، أحصت السلطات 232.632 مبنى إما تضررت بشدة وإما في حاجة ماسة للهدم. هناك، يدل وجود أبنية سليمة وثابتة في بعض المناطق الأكثر تضررًا، على أن الدمار كان من الممكن أن يكون أقل حدة بكثير.
وفي إحدى مقاطعات مقاطعة هاتاي، لم يتهدم أي مبنى ولم يُقتل أحد في الزلزال، على الرغم من تدمير المناطق المجاورة من جميع الجهات.
وقال رئيس بلدية هذه المنطقة الاستثنائية -الذي كان موضع إعجاب وسخرية بسبب دقته الشديدة- للصحفيين أنه طوال فترة وجوده في منصبه، لم يسمح أبدًا لأي شخص ببناء أي شيء دون الضوابط التنظيمية المناسبة.
ورغم توعدها لكل من كان متسببا في هذه الانهيارات الكارثية، كان على الدولة تقديم تنازلات.
بعد خمسة أيام من الدعوات لاعتقال المقاولين الذين زُعم أنهم انتهكوا قوانين البناء، ألقت الشرطة أخيرًا القبض على رجل أعمال كان يحاول مغادرة البلاد ويملك مجمع سكني فاخر في أنطاكيا دمره الزلزال على الفور. وفي اليوم التالي، بدأت الشرطة في اعتقال المزيد من المقاولين، ومنذ ذلك الحين، تم اعتقال أكثر من 300 شخص.
يقول مراسل الجارديان: في حين أن اعتقال المقاولين يشير إلى الاعتراف بالحاجة إلى المساءلة. إلا أنه لا يشكل اعترافًا بالفشل النظامي لدولة الحزب في فرض متطلبات السلامة العامة. وكما قال لي أحد الزملاء في محادثة، لن يتم محاسبة الجناة عندما يكون الجناة والمحاسبون هم نفس الأشخاص.
وبينما يستعد أردوغان للقاء الناخبين في 14 مايو/ أيار، يواجه خصومه معركة شاقة.
فقد أدت الحملة على المعارضة منذ محاولة الانقلاب في يوليو/ تموز 2016، وانهيار عملية السلام بين الدولة وحزب العمال الكردستاني إلى سجن شخصيات بارزة من المعارضة الكردية والعلمانية. بما في ذلك رؤساء بلديات المدن الكبرى، الذين شهدوا تسليم بلدياتهم إلى غير القائمين المنتخبين.
في غضون ذلك، يبدو أن اعتقال العشرات من النشطاء والصحفيين والسياسيين الأسبوع الماضي في المحافظات ذات الأغلبية الكردية، يهدف إلى حرمان المعارضة من الذين هم في وضع أفضل لمراقبة المخالفات في صناديق الاقتراع.
كما يشير إلى أن الحزب الحاكم قد استولى على أكثر من 90% من وسائل الإعلام، وأجبر العديد من الصحفيين على السجن أو الخروج للمنفى، وصادر الشركات الإعلامية بأمر من المحكمة وسلمها إلى رجال الأعمال المقربين.
يقول: النتيجة هي غرق وسائل الإعلام في حكايات المؤامرة الأجنبية، وذكريات انتقامية من العصور الماضية للهيمنة العلمانية، والتشديد على أي قضية من المحتمل أن تؤدي إلى تفاقم الانقسامات الداخلية داخل المعارضة.