لا تزال الحلقة المفرغة في مسألة الأجور بمصر على حالها، والهوة باقية بين القدرة الشرائية وما يحصل عليه الفرد من أجر معيشي. وحتى مع ما نفذته الحكومة في إبريل/ نيسان الماضي من التزام بقرار زيادة الحد الأدنى لأجور العاملين في الدولة من 3000 إلى 3500 جنيه، لا تزال آثار التضخم وانخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار بنسبة 49%، أمور حائلة بين المواطن وشعوره بالكفاف. وهذا حديث عن العاملين في الدولة الذين هم من هذه الناحية أفضل حالًا من أقرانهم من العاملين بالقطاع الخاص، الذي لم يحصلوا على الزيادة نفسها، إذ لم يتجاوز الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص بعد حاجز الـ 2700 جنيه.
ومع تزايد ضغوط الأزمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد في العقد الأخير، لا تلتزم بعض شركات القطاع الخاص -حتى مع اضطرارها إلى تطبيق الحد الأدنى- بدفع الراتب كاملًا للعاملين لديها، فيحصّلون في نهاية الشهر راتبًا أقل من الحد الأدنى. بينما تلجأ شركات أخرى إلى نموذج استمارة الاستثناء من تطبيق الحد الأدنى للأجور، وفقًا لبعض الظروف، للهروب من التزاماتها.
في هذا التقرير نرصد ونحلل تطور الحد الأدنى للأجور في القطاع الحكومي، وفقًا للسنوات وسعر صرف الدولار والقدرة الشرائية. ونطرح سؤالًا: هل هذه الزيادة كافية لحماية جميع المشتغلين سواء كانوا يعملون في القطاع الخاص أو العام؟ وما هو توزيع الفقراء المشتغلين وفقًا لنوع العمل؟ وما متوسط الأجور في القطاعين الخاص والعام وفقًا للمحافظات؟ وهل يلتزم القطاع الحكومي والخاص بتطبيق الحد الأدنى للأجور؟ أم أن هناك طرق للتحايل على تطبيقه؟
توضح البيانات أن مبلغ الحد الأدنى للأجور قد زاد بين عامي 2011 و2023 بنسبة 400%، لكن قيمته المقومة بالدولار لم تزدد بنفس الزيادة، بل بالعكس انخفضت.
كان الحد الأدنى للأجور في 2011 يبلغ 118 دولارًا (400 جنيه) بينما انخفض في إبريل/ نيسان 2023 إلى 113 دولارًا فقط (3500 جنيه)، وفقًا لسعر الصرف الرسمي حتى بداية مايو/ أيار الجاري.
[iframe src=”https://flo.uri.sh/visualisation/13563788/embed?auto=1%27″ width=”100%” height=”600″]
قد لا تعكس علاقة ربط الدولار بالجنيه القيمة الحقيقية للحد الأدنى للأجور، لكن معظم السلع في مصر تزداد بقيمة دولارية؛ نظرًا لأن مصر دولة مستهلكة تستورد تقريبًا 40% من غذائها من الخارج، وهو ما يعطي مؤشرًا واضحًا على انخفاض القيمة المعيشية الفعلية للأجر خلال السنوات الأخيرة، والتي شهدت انخفاضات كبيرة في قيمة الجنيه مقابل الدولار.
في دراسة يحلل خلالها المرتبات فى مصر منذ يوليو 1952 وحتى 2011، يقول الدكتور أحمد السيد النجار الخبير الاقتصادى بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام: “في أي نظرة لتطور الأجور لابد من التفريق بين الأجر الاسمي وهو عدد أوراق النقد التي يتلقاها الموظف، أو العامل فى نهاية كل شهر، وبين الأجر الحقيقى المتمثل فى القدرة الشرائية لهذا الأجر الاسمي، أي قدرته على شراء السلع والخدمات.
التغير الذى يحدث في الأجر الحقيقي هو المهم؛ لأنه هو الذى يحدد هل يرتفع مستوى معيشة العامل أو الحد الأدنى للأجر الحقيقى أم لا؟.
ويتهم “النجار”، الحكومات المتعاقبة في غالبية البلدان التي لا تتوفر فيها نظم عادلة للأجور، بمحاولة صرف الانتباه للتغير في الأجور الاسمية، مدعية أنها ترفع قيمة تلك الأجور، بينما يشعر العاملون وأسرهم أن أجورهم الحقيقية تتراجع، إذ تنخفض مستويات معيشتهم نتيجة ارتفاع أسعار السلع والخدمات بصورة تلتهم، وتتجاوز أي زيادة في الأجور الاسمية”.
[iframe src=”https://flo.uri.sh/visualisation/13624462/embed?auto=1%27″ width=”100%” height=”600″]
الحد الأدنى والقدرة الشرائية
عند ربط الحد الأدنى للأجور بسلعة كاللحم البلدي، نجد أن الحد الأدنى لأجر العامل يوميًا في سنة 1952، كان يساوي 18 قرشًا (ما يعادل 4.5 جنيه لـ 25 يوم عمل)، بينما كان سعر كيلو اللحم البلدي يبلغ 13 قرشًا، أي أن راتب العامل يمكّنه من شراء 34 كيلو من اللحم، وهو رقم لن يتكرر بعدها.
ومع أن الحد الأدني للأجور قد زاد بنسبة كبيرة في السنوات اللاحقة، إلا أنها زيادة اسمية فقط، وهو ما يظهر جليًا عندما نربطه بقدرة العامل على شراء سلعة معينة كاللحم.
[iframe src=”https://public.flourish.studio/visualisation/13612057/” width=”100%” height=”600″]
في عام 1980، تم اعتماد الحد الأدنى 35 جنيهًا، بما يساوي وقتها 11.6 كيلو لحم، وظل الحد الأدنى كما هو حتى عام 2010، باستثناء مجموعة من البدلات والحوافز ترفع الحد الأدنى كأجر شامل إلى 200 جنيه.
وفي السنوات العشر الأولى من القرن الواحد والعشرين شهدت مصر مجموعة من الاحتجاجات العمالية؛ للمطالبة بحد أدنى عادل للأجور. لكنها في الأغلب كانت لا تؤتِ ثمارها.
وفي 2010، أقام الناشط العمالي ناجي رشاد، وآخرون دعوى قضائية ضد الحكومة وإلزامها بوضع حد أدنى للأجور، وصدر الحكم في مارس/ آذار 2010، بإلزام الحكومة بتحديد حد أدنى للأجور قدر وقتها بـ 1200 جنيه. وكان ضمن حيثياته أن “مواد الدستور تنص على أن العمل حق وواجب وتنادى بربط الأجر بالإنتاج، وضمان حد أدنى للأجور ووضع حد أعلى يكفل تقريب الفروق بين الدخول، وأكد على حق العمال في أجر عادل يضمن حياة كريمة للعامل ولأسرته التي يعولها”.
وقتها، تحايلت الحكومة على الحكم ولم يطبق، وبدلا عن ذلك، وقبل الانتخابات البرلمانية في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2010، أصدر المجلس القومي للأجور قرارًا برفع الحد الأدنى للأجر الشامل الذي يتقاضاه العامل على المستوى القومي إلى 400 جنيه مصري.
نظام الأجور غير عادل
تشير الموازنة العامة أن ميزانية الأجور وتعويضات العاملين زادت من 1.4 مليار جنيه في 1980/1981 إلى 400 مليار جنيه في 2022/2023، إلا أنها توزع بشكل غير عادل على الهيئات الحكومية، وفقًا لطبيعة كل قطاع، بما يخلق تفاوتًا واضحًا في الأجور المتغيرة بين جهة وأخرى.
فى هذا السياق، نجد أن أجور العاملين في هيئة قناة السويس، والجمارك والضرائب والكهرباء والجهات السيادية، تختلف بشكل كلي عن رواتب العاملين في القطاع الصحي والتعليمي وباقي القطاعات الخدمية الأخرى.
[iframe src=”https://flo.uri.sh/visualisation/13664539/embed?auto=1%27″ width=”100%” height=”600″]
النسبة من إجمالي الأجور الممثلة باللون الأحمر في المخطط التالي لا تدل على رواتب مرتفعة. على سبيل المثال في التعليم بسبب عدد المعلمين الكبير الذي وصل إلى مليون معلم بالإضافة إلى رواتب مديريات التعليم المرتفعة بطبعها، لكن نفس العام كان متوسط الأجر الأسبوعي للمعلم يصل إلى 620 جنيه فقط.
يقول النجار إن “الأموال التي تدخل كإيرادات في قطاع البترول وقناة السويس أو الضرائب، هي مال عام ناتج عن حقوق عامة في الموارد الطبيعية من نفط أو غاز، وفي الإيرادات السيادية، وفي إيرادات المشروعات العامة القديمة مثل، قناة السويس وليست ملكًا لتلك الجهة، تنفق منها رواتب وحوافز وأرباح وبدلات كيفما شاءت، بل ينبغي أن تكون الأجور فيها مماثلة أو قريبة من الأجور التي تدفع للقائمين بنفس الوظائف في مختلف أجهزة الدولة الأخرى”.
اقرأ أيضًا: الحد الأدنى للأجور.. العاملون بالقطاع الخاص يخسرون دائمًا أمام ورقة “الظروف”
من خلال مقابلتنا مع مجموعة من المواطنين وجدنا أن أحد عمال الخدمات المعاونة، “أحمد متعال – 50 عامًا – من محافظة الإسماعيلية” يعمل ساعيًا بين المكاتب في شركة كهرباء قناة السويس، ويتقاضى راتبًا شهريًا 8 الآف جنيه. بينما “حورية محمد – 48 عامًا” تعمل كمعلمة في مدرسة “أبو حماد الثانوية الصناعية” تتقاضى راتبًا شهريًا 4800 جنيه فقط، رغم تقارب التاريخ الوظيفي لهما من حيث عدد سنوات الخدمة، وتفاوت القيمة الخدمية بينهما لصالح المعلمة.
فقراء القطاع الخاص
مع أن زيادة الحد الأدنى للأجور يقلل نوعًا ما من تأثير التضخم على المواطنين، لكن تطبيقه يظل في الغالب قصرًا على العاملين في القطاعات الحكومية والهيئات والشركات التابعة لها، وهو غير كاف لحماية العاملين في القطاعات الخاصة، والمشتغلين في غير المنشآت (الذين لا يعملون في القطاع الخاص ولا الحكومي).
وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن نسبة الفقراء المشتغلين خارج المنشآت تبلغ 51%، ومن يعملون بالقطاع الحكومي من الفقراء 12%، أما العاملون الفقراء المسجلون في منشآت خاصة فيمثلون نحو 37%.
[iframe src=”https://flo.uri.sh/visualisation/13594216/embed?auto=1%27″ width=”100%” height=”600″]
ومع أن الحكومة قد أقرت زيادة سنوية للقطاع الخاص في بداية يناير/ كانون الثاني هذا العام، ليرتفع الحد الأدنى للأجور من 2400 إلى 2700 جنيه، فإن هناك عددا كبيرا من الشركات لم يطبق هذا القرار بعد.
كما أنه لا توجد وسائل أو آليات تلزم القطاع الخاص بتطبيق الحد الأدنى الذي أقره المجلس القومي للأجور، ولا توجد وسيلة لحماية أجور العاملين في القطاع الخاص من موجة الغلاء التي تشهدها البلاد. كما أنه لا توجد أية آليات لحماية المشتغلين خارج المنشآت الخاصة والحكومية.
“خالد”، تخرج في كلية تربية، يشتغل كعامل في إحدى الشركات براتب لا يتجاوز 1800 جنيه، مع أن الشركة التي يعمل لديها تمتلك مجموعة من المصانع (غاز ومطاحن دقيق وصوامع قمح ومصنع للحديد الصلب)، في محافظة الشرقية (شمالي العاصمة القاهرة)، وتكسب مليارات الجنيهات.
“أنا شغال تقريبًا بقالي سنتين، ومن يوم ما رحت والراتب 1790 جنيهًا، وبعده بـ 10 أيام بحصل حافز 210 جنيهات. وعدوني بالزيادة أكثر من مرة ومنفذوش كلامهم، وأكثر من مرة حاولت أكلم مدير الشركة رد علي: احنا بننزل الزيادة على الكل”، يقول “خالد”، ويكمل ساخرًا: “لكن للأمانة قبل كل عيد وفي رمضان بيدينا عديات وشنطة رمضان، وراتب إضافي مكافأة وبيقولوا ادعوا للبيه”.
حاول “خالد”، البحث عن عمل بديل أفضل في نطاق المدينة التي يسكن، لكنه لم يجد.
يعمل “خالد”، حاليًا قرابة 8 ساعات. “كنت بطلع اشتغل دليفري بالموتوسيكل بتاعي بس اتسرق من 5 شهور، يعني ممكن أشوف أي شغل تاني جنبها، لكن لو رحت اشتغل في شركات العاشر من رمضان الأجر هيبقى أفضل حوالي 3500 جنيه، لكن 12 ساعة غير الطريق رايح جاي، لو في أي محل في أبو حماد يمكن زيادة شوية 2300 مثلًا، لكن في مواصلات رايح جاي هتاخد جزء كبير من الفلوس دي، وتشتغل بوقت المحل أكثر من 12 ساعة”؛ هكذا تبدو الحيرة مسيطرة عليه أثناء حديثه عن معضلة الأجر الذي يتلقاه وكفافه المعيشي.
وهو ليس الوحيد، فوفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يبلغ عدد العاملين في القطاع الخاص في محافظة الشرقية 1.3 مليون عامل، بمتوسط أجر أسبوعي 657 جنيهًا للفرد.
كذلك، تشير البيانات إلى أن أعلى متوسط أجر أسبوعي للعامل في القطاع الخاص هو 1444، في محافظة البحر الأحمر، وأقل متوسط أجر أسبوعي هو 320 في محافظتي بني سويف والمنيا. وهو ما يعطي مؤشرًا واضحًا على رواتب 21 مليون مواطن في القطاع الخاص داخل البلاد.
[iframe src=”https://datawrapper.dwcdn.net/XDaLI/4/” width=”100%” height=”900″]
القطاع الحكومي أيضًا يعاني ضعفًا وهشاشة في المرتبات، إذ توضح بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن أغلب العاملين في القطاع الحكومي يتراوح متوسط رواتبهم بين 3 آلاف و5 آلاف جنيه فقط شهريًا.
وجاءت محافظة الإسماعيلية أعلى أجرًا أسبوعيًا بقيمة 3426 جنيهًا للموظف، تليها محافظات السويس وبورسعيد، وذلك لوجود عدد كبير من العاملين في هيئة قناة السويس، وجاءت محافظة المنيا كأقل أجر أسبوعي 476 جنيها.
[iframe src=”https://datawrapper.dwcdn.net/Va5Wq/7/” width=”100%” height=”900″]
وتؤكد الزيادة في متوسط الأجور في بعض المحافظات دون غيرها ما تشير إليه الأرقام من توزيع غير عادل للأجور، بوجود أقلية تحصل على دخول كبيرة في مقابل أغلبية تحصل على دخول منخفضة، الأمر الذي يجعل متوسط الأجر يبدو مرتفعًا نوعًا ما في بعض المحافظات، بينما هو رقم مخادع لا يعبر عن حقيقة الأجور.
في دراسته، يشير “النجار”، إلى هذا الأمر فيقول: “يوجد خلل رهيب في توزيع مخصصات الأجور بصورة تجعل الغالبية الساحقة أدنى من هذا المتوسط بكثير، وتجعل أقلية صغيرة تحصل على دخول عالية، أو أسطورية لا يمكن تبريرها اقتصاديًا أو حقوقيًا أو أخلاقيا. وهذا التغير يعكس التدهور الشديد في عدالة توزيع الدخل بين العاملين وبين أرباب العمل والدولة نفسها في تعاملها مع موظفيها”.
التحايل الحكومي وعدالة الأجور
القطاع الحكومي يستخدم نوعًا من أنواع الالتفات على تطبيق الحد الأدنى للأجور، بالاستعانة بعمال يومية بنظام عقد يومي “سركي”، يحصل الموظف من خلاله على 1700 جنيه شهريًا، وهو ما يقل عن نصف الحد الأدنى للأجور.
كما تستعين بشركات خاصة في بعض الأعمال مثل، الأمن والنظافة، يحصل من خلالها العامل على راتب شهري 2100 جنيه في المتوسط، أو يتم التعاقد معه بالحصة، مثلما يحدث في وزارة التربية والتعليم، التي تستعين بمدرسين لسد عجز المعلمين مقابل 20 جنيهًا للحصة، بحد أقصى 96 حصة شهريًا، أي براتب لا يتجاوز 2000 جنيه، وهو أقل بـ 1500 عن الحد الأدنى للأجور، وكذا هو الحال مع وزارة الأوقاف، التي تتعاقد مع “المشايخ الفريلانس”، بالخطبة مقابل أجر رمزي لسد عجز الأئمة.
“سالم عتمان”، رب أسرة في أواخر الأربعينيات من عمره، يعمل في جامعة العريش، بعقد سركي منذ عشر سنوات، على أمل تعيينه، بينما لا يتجاوز راتبه 1700 جنيه. يقول: “بداية عملي في جامعة العريش كان 2013 ومن وقتها لسه ما تعينت. كل سنة قاعد على أمل التعيين، وبالفعل عينوا ناس بس من دائرة المعارف، واحنا حين ميسرة، مع أني بقالي 10 سنين رايح جاي في مواصلات من محافظتي للعريش. مواصلات وغربة عن أولادي، حتى في أصعب ظروف سيناء كنت بنزل شغلي، كل ده على أمل التعيين”.
يضطر “سالم”، للجمع بين أكثر من وظيفة، لكن ما يقتضيه من مال عن عمله لا يزال دون مستوى الكفاف في ظل مصروفات، يقسمها بين: 200 جنيه مواصلات، و400 فاتورة كهرباء منزلية، و100 للمياه، و200 للغاز. “أنا بدفع 33 ألف جنيه كل سنة للدولة عشان اشتري بيتي اللي كان أملاك أميرية، مطلوب مني أوفر كل شهر 3 آلاف جنيه، غير الحياة الغالية، ومصاريف الدروس وجامعة ابني، ومقضيها سلف وببيع في حاجتي عشان أعرف أوفر المصاريف الشهرية”.
“سالم” ليس الوحيد، في جامعة العريش فقط يعمل 141 عاملًا بعقود يومية، ووفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يعمل في القطاع الحكومي حوالي عن 36 ألف عامل بعقود مؤقتة، أغلبهم من الذكور (33 ألف عامل). كما يعمل بالحكومة 2000 عامل بعقود موسمية، ويعمل في القطاع الخاص 2.7 مليون عامل بعقود مؤقتة، وحوالي 129 ألفًا بعقود موسمية.
[iframe src=”https://flo.uri.sh/visualisation/13598079/embed?auto=1%27″ width=”100%” height=”600″]
هذا “التكنيك”، في التهرب من تطبيق الحد الأدنى للأجور لا تستخدمه وزارة التعليم العالي وحدها، فشقيقتها التربية التعليم تلجأ للأسلوب ذاته، و”إسراء”، وهي معلمة بالحصة من محافظة الشرقية مثال على ذلك، بدخل شهري لا يتجاوز 2000 جنيه.
تقول “إسراء”: “أنا بشتغل أكتر من 80 حصة في الشهر، وحقيقي بتعب؛ الفصل فيه أكتر من 50 طالب، والمواصلات بتخلص نص راتبي، أنا فكرت أسيب الشغل أكتر من مرة، بس بستخدمه وسيلة عشان أهرب من مشاكل البيت”.
وتستعين وزارة النقل في التفافها على تطبيق الحد الأدنى للأجور بشركات خاصة للتعيين لا تلتزم بتطبيق الحد الأدنى للأجور. “محمود”، وهو عامل في أمن مترو محطة السادات – 29 سنة، يقول: “مرتبي لا يتجاوز 2100 جنيه، في حين أني أعمل بشركة السكك الحديدية للخدمات المتكاملة، وهي من المفترض شركة مساهمة مصرية مملوكة بالكامل بنسبة 100% للهيئة القومية لسكك حديد مصر”.
وهو كحال كثيرين أجبر على الالتحاق بهذه الوظيفة في ظل فترة كورونا، والكساد الوظيفي الذي لحقها واضطر معه لترك وظيفته الأصلية كمساعد شيف. “جربت أكتر من شغلانه باليومية، لحد لما لقيت شغل أمن في المترو، افتكرت إن الراتب كويس وقعدت أمسك في مخالفات التذاكر، كل مخالفة بـ50 جنيها، وفي الآخر 1680، عشان غبت يوم اتخصملي 420، ولما اشتكيت قالوا دي سياسية الشركة منقدرش نساعدك، أنا هسيب الشغل بس أشوف شغل تاني”.
من خلال مقابلتنا مع 10 ممن يعملون كأمن داخل المترو أكدوا جميعًا أنهم يتقاضون رواتب تتراوح بين 2100 و2400 جنيه مصري فقط لا غير.
الحقيقة الجلية هنا، أن حد الأجور الحالي في مصر لا يتماشِ مع تكلفة المعيشة، وأدى ارتفاع معدل التضخم وكذا ارتفاع أسعار السلع الأساسية إلى صعوبة تغطية الكثير من المصريين لقوتهم. ما يستلزم من الحكومة اتخاذ إجراءات خاصة؛ لتعديل حد الأجور بما يتناسب مع تكاليف المعيشة. إذ لن يؤدي ذلك إلى تحسين مستوى المعيشة لملايين المواطنين فحسب، بل سيؤدي أيضًا إلى تعزيز الاقتصاد من خلال زيادة القدرة الشرائية للمستهلكين. فيما سيؤدي عدم اتخاذ مثل هذه الإجراءات إلى زيادة مستويات الفقر والاضطرابات الاجتماعية.