خلال السنوات الـ 15 الأخيرة، شهد العالم الثالث أزمة غذائية كبرى، تفاقمت في أعقاب جائحة كورونا، وآثار الحرب الروسية الأوكرانية، ما دق ناقوس الخطر على المستوى المحلي، خاصة مع ارتفاع نسب الفقر في مصر، وتردي الظروف الاقتصادية، ومحدودية فرص العمل، الأمر الذي يُنبئ بزيادة نسب معدلات الجوع مستقبلًا.
ورغم أن ترتيب مصر في مؤشر الجوع في المرتبة57 للعام 2022، إلا أن مستوى الجوع يظل معتدلًا بين 121 دولة يشملها مؤشر الجوع سنويًا، لكن ارتفاع الأسعار المستمر هو ما يهدد بزيادة نسب انتشار الجوع أفقيا ومفاقمته رأسيا..
يتم قياس مؤشر الجوع عبر نقاط، حيث تعني زيادتها ارتفاع نسب الجوع، وتقوم منهجية التقرير على مقاييس متعددة الأبعاد تشمل مؤشرات سوء ونقص الغذاء، ويعتمد التقرير على البيانات الأولية لمنظمات أممية منها منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة الفاو، ومنظمة الصحة العالمية، ومظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسيف، والبنك الدولي.
مؤخرًا، جرى الحديث إعلاميًا عن بدائل غذاء رخيصة السعر، والترويج للفوائد الصحية ل_”أرجل الفراخ”، وشربة العدس.
وفي القلب من هذه الأزمة، تعاني النساء من أزمة الغذاء بشكل كبير، خاصة مع زيادة نسب الإعالة، فهناك 17 % من الأسر الريفية، تعولها نساء.
مؤشرات الأمن الغذائي
حسب المؤشرات، يعاني ريف وجه قبلي والمحافظات الحدودية من انعدام الأمن الغذائي، بنسبتي 19.3 % و15.8 % على التوالي. وهي مناطق تأتي في ذيل قائمة التنمية داخل المحافظات وفقًا للمؤشر.
ونظرا للأزمة، وافق البنك الدولي على قرض بقيمة 500 مليون دولار أمريكي؛ لدعم جهود مصر لضمان حصول الأسر الفقيرة على الخبز؛ ولتعزيز القدرة على الصمود في مواجهة الأزمات الغذائية، يتضمن القرض دعم الخبز لـ 70 مليونا من ذوي الدخل المنخفض، بما في ذلك 31 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر.
اقرأ أيضًا: الدولار المنفلت| التجار يحكمون السوق أين الحكومة.. جائحة فوضى التسعير تضرب السلع والمواطنين و”الأوفربرايس يتفشى” حتى بالثلاجات
ووفقاً لبحث الدخل والإنفاق الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في 2020، وصلت معدلات الفقر إلى حوالي 29.7 % في 2020 وكانت في 2015، تبلغ 27.8 %، حدث ذلك كنتيجة لانخفاض متوسط دخل الأفراد. ومن المتوقع أن يزداد معدل الفقر مع ارتفاع أسعار الخبز والحبوب، وتتراوح هذه الزيادة بين 2 و3.8 نقاط مئوية.
النساء والأمن الغذائي
يوظف القطاع الزراعي منخفض الدخل وغير المستقر، نسبة كبيرة من النساء العاملات، حيث تعمل ملايين من المصريات بمهنة الزراعة، وسيزيد تغير المناخ الأمور سوءًا، بما في ذلك من تأثيرات على الأمن الغذائي بالريف.
ويبلغ تعداد الإناث بالمناطق الريفية حوالي 49 % من إجمالي السكان، بما يوازي 27 مليونا، بينما تصل معدلات الفقر الريفي إلى 32.95 %
في الريف، تواجه النساء التمييز وتعانين من الضعف عموما ، حيث تخلق الأعراف الأبوية أضرارًا للريفيات، وتحديدًا في حقوق الأرض والعمل، بل أحيانًا ما يأكلن أقل، ويعانين ضعف جودة الغذاء.
اقرأ أيضًا: كيف تتعامل الأسر المصرية مع التهاب الأسعار؟ .. بيض مكسر وجلد فراخ و”قلاية” موفرة
ويقدر حجم العمالة غير المنظمة في مصر (خارج المنشآت) 44.6 %، وتصل نسبة النساء اللاتي تعملن بأجر فيها إلى حوالي 46.7 %، والمشتغلات دون أجر حوالي 60.3 % وفقا للمجلس القومي للمرأة. وتصل نسبة الفقراء بين هذه العمالة حوالي 39.3 %، أغلبهم من النساء.
وعلى مستوى دولي وبحسب منظمة الفاو، فإن النساء يشكلن نسبة ما بين 3 % إلى 20% من ملاك الأراضي الزراعية، بينما تصل مساهمة المرأة في القوى العاملة الزراعية إلى معدلات أعلى من ذلك بكثير، لتتراوح بين 20 و50% في أقاليم العالم النامية.
وتشير الفاو إلى أن واحدا من كل تسع أشخاص في العالم يعانون الجوع، وللمفارقة تزداد معدلات الجوع في القطاعات العاملة بالزراعة والصيد.
كما تعاني النساء من التمييز في سوق العمل، والذي يحصرهن في العمل غير الرسمي والعرَضي، فضلًا عن عدم المساواة في الأجور، كما تجبر العمالة غير الرسمية من تقليل استهلاكها من الأطعمة المغذية مثل، اللحوم والأسماك والبيض، حيث تعتمد على الأطعمة الرخيصة وكثيفة السعرات الحرارية ذات المحتوى الغذائي المحدود، مما يفاقم الوضع الصحي.
التغيرات المناخية والغذاء
تٌعد التغيرات المناخية، والتضخم العالمي، أكثر العوامل التي تزيد من انعدام الأمن الغذائي. وتشير التوقعات إلى انخفاض غلات المحاصيل الغذائية بأكثر من 10% بحلول عام 2050؛ بسبب ارتفاع درجات الحرارة والفقر المائي فضلًا عن زيادة ملوحة مياه الري.
أيضًا، وبسبب التغيرات المناخية، تعاني الماشية من فترات الإجهاد الحراري في الصيف. بما يؤثر على الإنتاج الحيواني الذي يأتي معظمه من صغار المزارعين، حيث تساهم المزارع الحكومية بأقل من 2 ٪ من الإنتاج.
الصحة والغذاء
تتعرض العاملات ذوات الدخل المنخفض لانعدام الأمن الغذائي، مما يزيد من مخاطر تدهور الصحة بشكل عام والحوامل والمرضعات بشكل خاص.
وهناك مؤشرات حول سوء التغذية بين النساء، وهو ما يتسبب في انتشار نسب التقزم بين الأطفال إلى 16.2، كما أن معدل السمنة (زيادة الوزن) حوالي 9.7 %، والفروق طفيفة بين الإناث والذكور من الأطفال في هذه المعدلات.
وعمومًا، ترتبط الصحة العامة بالنظام الغذائي، ويعنى ارتفاع الفقر انخفاض الإنفاق على الطعام. وفقًا لبحث الدخل والإنفاق، حدث انخفاض في استهلاك مجموعة الطعام والشراب من 35 % إلى 31 % في 2020.
برامج حماية لا تكفي
وعلى الرغم من تبني الدولة من خلال مؤسساتها برامج التمكين الاقتصادي للنساء سواء الريفيات، أو في العمالة غير المنتظمة، إلا أن أثرها محدود وضعيف، كما أن هناك ملايين منهن لا زلن غير منتفعات بهذه البرامج، مما يجعلهن عرضه لخطر الانعدام الغذائي.
لذا من المهم تقديم تعليم وتدريب مهني أفضل جودة للنساء، يوفر لهن فرص العمل، كذلك دعم مشاركة المرأة في منظمات المنتجين، والتعاونيات، والنقابات العمالية. وتشجيع تدرب النساء العاملات على تقنيات الزراعة. وإصلاح القوانين المتعلقة بالحيازة وإصلاح الأراضي، وكذلك تعديل قوانين الميراث، لتصبح متساوية بين الجنسين.
إضافة إلى أهمية دعم المجموعات النسائية، وغيرها من أشكال العمل الجماعي الذي يبني العلاقات والشبكات التي تعالج الفجوات بين الجنسين