تعمقت الأزمة الاقتصادية خلال السنوات القليلة الماضية، وخلال عام واحد انخفضت قيمة الجنيه مقابل الدولار إلى النصف، وصاحب ذلك ارتفاع في معدلات التضخم، وكذا في أسعار الغذاء، ما عاد معه طرح السؤال عن مدى قدرة الأجور على تلبية احتياجات المواطنين الأساسية من السلع والخدمات.
في إبريل/ نيسان 2023، رفعت الحكومة الحد الأدنى للأجور من 3000 إلى 3500 جنيه، وذلك ضمن حزمة تحسين دخول العاملين بالجهاز الإداري للدولة، وأصحاب الكادرات الخاصة اعتبارًا من أول إبريل 2023، بحيث يزداد بموجبها دخل الموظف بحد أدنى 1000 جنيه شهريًا. مهملة أي إجراء أو تطبيق مماثل على القطاع الخاص. فهل الحد الأدنى الحالي للأجور مناسب لقدرة معيشية معقولة في بلد يعاني عدة أزمات اقتصادية؟ وكيف هو التفاوت بين العاملين بالقطاع العام والخاص؟ وأين العمالة المؤقتة من هذه الحسابات الحكومية؛ لتوفير الحماية الاجتماعية للمواطنين؟
الأمان الوظيفي فريضة غائبة بمصر.. والحد الأدنى لا يتناسب مع تكاليف المعيشة
يرى الباحث الاقتصادي، ونائب رئيس حزب التحالف الشعبي إلهامي الميرغني، أن قضية عدم كفاية الحد الأدنى للأجور في مصر أمر لا شك فيه، لعل من ضمن أسبابه أنه يحدد دون دراسة. ذلك رغم انسحاب الدولة من أنشطة كثيرة، وإطلاق يد القطاع الخاص في السوق بلا رقابة، ما جعل تكلفة المعيشة صعبة في ظل معدل تضخم معلن من الدولة تجاوز 36%.
يوضح الميرغني، أن الحد الأدنى للأجر هو بالأساس يرتبط بقائمة السلع والخدمات التي تشكل الحد الأدنى للمعيشة، وخلال حساب تكلفتها بأسعار اليوم، يمكن الوصول إلى الحد الأدنى الضروري للمعيشة على أساس سعر سلة من السلع والخدمات.
يشير الميرغني، كذلك إلى ضرورة تفعيل دور المجلس القومي للأجور والأسعار في تحديد النسبة الواجبة لزيادة الأجور سنويًا، طبقًا لأسعار سلة السلع والخدمات الأساسية، على أن تمثّل فيه كل قطاعات العمال، وليس فقط اتحاد نقابات العمال الذي لا يضم سوى عضوية إجبارية لا تزيد نسبتها على 10% من القوى العاملة.
اقرأ أيضًا: زيادة الحد الأدنى للأجور.. ما تمنحه الحكومة باليمين تلتهمه اليد الأخرى (تقرير مدفوع بالبيانات)
حد أدنى واحد لكل العاملين بأجر
ويرى الميرغني، أحد أهم مظاهر الخلل في سوق العمل المصري، هو أن الحد الأدنى لا يشمل كل القطاعات، إذ لا يجوز أن يوجد حد أدنى للحكومة وآخر للقطاع الخاص، أو حد أدنى لصناعة النسيج غير حد أدنى في صناعة البتروكيماويات أو الزراعة، أو حد أدنى للأجر في دمياط وحد أدنى للأجر في سوهاج “كده تصبح شبه دولة.. إذا كان عندنا سوق عمل واحد بقطاعات مختلفة يجب أن يكون الحد الأدنى واحدا لكل العاملين بأجر”.
يؤكد الميرغني، كذلك على ضرورة وقف الانحياز لأصحاب العمل على حساب مصالح العمال. إذ أن أكثر من 70% من العاملين بأجر يعملون في القطاع الخاص، وبالتالي، هم مستبعدون من تطبيق الحد الأدنى بحجج مختلفة من أصحاب العمل واستثناءات مستمرة من الجهة المسئولة.
ووفق الميرغني، نحن “نعيش عصر العمل الرخو غير اللائق حسب تعبير منظمة العمل الدولية”، والعمال في مصر -منذ سنوات- يعيشون حالة من غياب الأمان الوظيفي، وعدم الاستقرار، بما يؤثر على الإنتاج والإنتاجية،
ولحل هذه الأزمة، فإنه لا بد من علاقات عمل مستقرة ومضمونة ومنضبطة، تحفظ مصالح طرفي علاقة العمل (العامل وصاحب العمل)، والأهم أن يتحقق الأمان الوظيفي، وهو الفريضة الغائبة في سوق العمل المصري منذ سنوات، كما يضيف الميرغني.
الأجور جزء من السياسة الاقتصادية.. والحد الأدنى لا بد أن يصل لـ 4900 جنيه/شهريًا
وائل جمال مدير وحدة العدالة الاقتصادية والاجتماعية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وإن كان يرى تطورات شهدتها مصر في السنوات الأخيرة فيما يتعلق بالحد الأدنى للأجور الذي وصل في القطاع العام إلى 3500 و2700 جنيه في القطاع الخاص، إلى جانب إجراءات أخرى كان الغرض منها تخفيف العبء على المواطنين، إلا أنها لا تزال إجراءات غير كافية؛ لتحقيق القدرة على المعيشة، لا سيما بالنظر إلى الزيادات الحادة في الأسعار، والصدمات التضخمية التي بدأت في عام 2017، وتفاقمت في الأشهر الأخيرة بسبب انخفاض قيمة العملة وأسباب أخرى.
ويقول جمال: “هناك أكثر من طريقة لحساب الحد الأدنى للأجور، لكن يجب أن نفرق بين الحد الأدنى للأجر، والحد الأدنى للأجر المعيشي، فالأخير يُفترض أن يكون أكبر من الحد الأدنى”.
ويضيف: “المفترض أن الحد الأدنى للأجر هو أقل راتب يتقاضاه حديث التعيين (الشخص الفريش) الذى لا يمتلك أي خبرات، لكن المشكلة في مصر أغلب العاملين أصحاب الخبرات هم من يحصلون على الحد الأدنى للأجر، وأغلبهم أشخاص يعولون أسرا، ونسبة الإعالة في مصر كبيرة خاصة بين العاملين الفقراء، وهذا ما يدفعنا إلى أن نجعل “خط الفقر” نصب أعيننا.
ويوضح جمال، أنه خلال “عام 2020، كان خط الفقر وهو المستوى الأدنى من الدخل، الذي يحتاجه الفرد؛ ليتمكن من توفير مستوى معيشة، هو 857 جنيها للفرد، ولو حسبنا أسرة مكونة من 4 أفراد يبقى خط الفقر ليهم 3428 جنيها. ولو أدخلنا التضخم في الأسعار خلال السنتين الماضيتين المفترض أن يكون هذا المبلغ يبقى 4900 جنيه في الشهر. هذا هو الحد الفاصل ما بين الفقر وغير الفقر وهذا مقياس مبدئي ورقم استرشادي وحد أدنى.
اقرأ أيضًا: زيادة الحد الأدنى للأجور لـ2700 جنيه| مستثمر: لا يكفي فردا.. نقابي: التضخم تجاوز 100%.. خبير: حتى 5000 لا تكفي أسرة
لذا، فمن المفترض ألا يقل دخل العاملين القابل للإنفاق عن هذا الحد الأدنى للفقر. بالطبع كل الأرقام الموجودة أقل من هذا الحد سواء كانت في القطاع الحكومي أو الخاص. وهذا معناه تدهور في مستوى المعيشة.
ووفق جمال، فإن علامات هذا التدهور ظهرت في التقارير الصادرة بعد كورونا بشكل خاص، وهي توضح أن 72% من الأسر تراجع إنفاقها في هذه الفترة، وكذا ما ظهر في تقرير ثان صادر عن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، والذي بيّن أن الأسر المصرية غيرت أنماط أكلها خاصة بعد فترة التعويم ما قبل الأخيرة، وتراجع فيها إنفاق الأسر على اللحوم والأسماك والدواجن والخضروات والفاكهة، مقابل ارتفاع في استخدام الكربوهيدرات والنشويات مثل المكرونة والبطاطس”.
وفيما يتعلق بتطبيق الحد الأدني للأجور مع حالات التعاقد مع المعلمين بالحصة أو أئمة المساجد، وكذلك حالات التعاقد بعقود يومية “السركي”، بما يضيع حق العامل في الحصول على حد أدنى للأجر، يقول جمال إنه “لا توجد طريقة غير الإشارة إلى أوضاع هذه العمالة، وأيضًا الاهتمام بالتنظيم النقابي إضافة إلى جميع أشكال تبني القضية في العمل السياسي والحزبي وداخل البرلمان وغيره”.
ويوضح، أن الحكومة تستخدم هذه الطريقة في التعاقد؛ حتى تقلل من التكاليف. فكل البرامج الاقتصادية الموقعة مع صندوق النقد الدولي مبنية على أن هناك تضخما في الجهاز الحكومي، وبالتالي تتخذ الحكومة قرارات بتقليل العمالة داخلها.
ويساهم ذلك في توقف التعيينات، فالحل الأقل كلفة هو تشغيل العاملين بهذه الطريقة بدلًا من توظيفهم، وهو من وجهة نظرها كلفة أقل؛ لسد العجز مع عدم وجود التزامات عليها لهؤلاء العاملين”.
ويكمل جمال، بأن الآلية الوحيدة التي تضمن تنفيذ حد أدنى مناسب هو التنظيم النقابي، سواء كان في القطاع العام أو القطاع الخاص، كما يوجد في العالم أجمع. فعندما تحدث مشكلة للعاملين يبلغون النقابة، وهي بدورها تتحرك، حتى لو ذهبت لمكتب العمل، بينما في حالتنا يبقى الوضع على ما هو عليه في عامل منفرد أو مجموعة تخاطب مكتب العمل، دون كيان كامل يحميهم ويوظف محاميًا يفهم القضية بشكل جيد.
يقول جمال أيضًا، إن غياب العدالة مشكلة كبرى “فهناك سوء التوزيع بين القطاعات الأدنى وكبار الموظفين. فالنسب التي تخصص لأجور كبار الموظفين من الميزانية كبيرة جدًا، ولهذا كانت هناك مقاومة كبيرة ضد فكرة الحد الأقصى للأجر”.
ولا يرى جمال الأجور إلا جزءًا من السياسة الاقتصادية، كما كان يؤمن دكتور سمير رضوان وزير المالية بعد ثورة يناير، إذ يقول: ” أنا ممكن أستخدم ده كأداة تنموية يعني ممكن أرفع الحد الأدنى للأجر في الصعيد، لو أنا عاوز الناس تروح الصعيد يعني لو عاوز أشجع الأطباء يروحوا المناطق اللي فيها الخدمة الصحية ضعيفة يرفع الراتب عشان الناس تتشجع تروح”.