جاء قرار رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، بإعفاء نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي محمد حمدان دقلو (حميدتي) من منصبه، بعد أكثر من شهر على اندلاع المواجهات بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع، ليطرح تساؤلات عن الأسباب والجدوى ومصير مفاوضات الصلح الدائرة بين الطرفين في جدة، والتي أعلنت السعودية والولايات المتحدة الراعيتان لها، ظهر اليوم الأحد، التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار لمدة أسبوع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، يبدأ تنفيذه بعد مرور يومين على توقيعه، مع منح الطرفين مهلة اليومين؛ لإبلاغ القادة الميدانيين بشروط الهدنة وطريقة تنفيذها.
نصت الاتفاقية على مراقبة الهدنة عبر آلية مشتركة بين طرفي النزاع والوسطاء، بالإضافة إلى الصليب الأحمر الدولي. وتمثل هذه الهدنة واحدة من اتفاقيات سابقة بالتهدئة، لم تُنفذ وسط اتهامات متبادلة بين الطرفين بشأن خرق الهدنة.
اقرأ أيضًا: مصالح الجيش السوداني الاقتصادية.. كيف عوقت شبكات “الدولة العميقة” التحول الديمقراطي؟
صباح الجمعة، أصدر قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، مرسومًا بتعيين مالك عقار نائبا لرئيس مجلس السيادة السوداني، وإعفاء قائد قوات الدعم السريع في السودان، محمد حمدان دقلو، والمعروف باسم حميدتي، من منصب نائب رئيس مجلس السيادة.
هذا القرار الذي جاء متأخرًا، بحسب محللين، يشكل متغيرًا جديدًا في المشهد السياسي السوداني، ويحمل تغييرًا ملموسًا في توجه القوات المسلحة بشأن التعاطي مع النزاع.
وضمن نتائج المرسوم إقصاء قوات الدعم السريع من دوائر صنع القرار السياسي، وحشد الجيش قوى جديدة تابعة لمالك عقار، والذي يمكن أن يصعّد رد فعلها في المفاوضات الهادفة لوقف إطلاق النار.
ما وراء إعفاء حميدتي
رغم أن النزاع بين البرهان وحميدتي بدأ منذ منتصف إبريل/ نيسان الماضي، لكن البرهان لم يقدم على قرار استبعاد نائبه السابق إلا منذ يومين، في خطوة تعكس بعض التصورات بشأن سيناريو التسوية وإمكانية عودة الطرفين للعمل معًا مجددًا.
ويمكن النظر للقرار باعتباره مؤشرًا على ضبابية موقف البرهان، ودليل على رغبته في الاستعانة بداعمين جدد. ومن ناحية أخرى، قد يُفسر هذا القرار على أنه ضربة موجهة ضد حميدتي، تستهدف تقليص فرصه في الصراع الدائر، وبالتالي الانصياع لشروط البرهان.
محيي الدين جمعة الناطق الرسمي للتحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية، والقيادي بقوى الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية، يرى في هذا القرار ضرورة حتمية بعد تمرد حميدتي -الذي لا يتمتع بأي منصب دستوري- على قرارات البرهان.
ويعني القرار أن استمرار “دقلو” في المشهد السوداني بصورة رسمية، يتوقف على المفاوضات الحالية التي ترعاها الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية ومصر.
اقرأ أيضًا: خاص “مصر 360″| “أليكس دوفال” الخبير البارز في الشأن السوداني يشرح جذور الأزمة ويفكك طبقات الصراع
ويؤكد جمعة -فيما يتعلق بدلالة التوقيت- أن الصراع الذي طال أمده أجبر القيادة على هذا القرار بعد أن لم تتمكن من حسم المعارك في أيامها الأولى، كما كان يعتقد ويثار إعلاميًا. فالقرار هنا دلالته أن القوات المسلحة تيقنت تمامًا أن محمد حمدان دقلو أصبح خارج حساباتها، بعد أن أصر على الاستمرار في الحرب.
ولا يرى “جمعة” أي تأثير من خارج البلاد على هذا القرار، نافيًا أن يكون صدر بتوصية من جانب قوى أجنبية، وإنما الاحتمال الأقرب أنه جاء بناءً على كون مالك عقار شخص حكيم توافقي، ورجل مرحلة يستطيع أن يضع الحلول اللازمة للأزمة.
دلالات اختيار “عقار”
يعتبر تعيين مالك عقار، القائد السابق للحركة الشعبية لتحرير السودان “جناح الشمال”، تطورًا ملموسًا في الوضع السياسي الراهن. وهو قرار جاء من منطلق ما قدمه “عقار” طيلة الفترة الماضية منذ انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 (الذي أطاح فيه البرهان بالمكون المدني من مجلس السيادة) من مبادرات وطنية لمعالجة الأزمة السياسية الراهنة، كما يشير محيي الدين جمعة.
وهذا التكليف -كما يقول “جمعة”- يعود إلى وجود علاقات قوية بين مالك عقار وقائد الجيش، وكل أعضاء مجلس السيادة الموالين للجيش، إذ أعلن “عقار” في وقت سابق استعداده دمج قواته من الجيش الشعبي في القوات المسلحة.
إعادة ترتيب الوضع
وهو لهذا “أي عقار” كان لهذا المنصب أقرب من العضوين بمجلس السيادة السيد الطاهر حجر والهادي إدريس، لأنهما كانا داعمين لقوات الدعم السريع وللقوى السياسية الموقعة على الاتفاق الإطاري، لذلك لم يتم اختيار أحدهما لهذا المنصب، كما يقول “جمعة”.
يتفق معه محمد تورشين المحلل السياسي السوداني، إذ يرى أن قرارات البرهان الأخيرة تحمل عدة دلالات سياسية، وعسكرية من شأنها إعادة تشكيل وترتيب الوضع السياسي والعسكري. فمن جانب، يعمل القرار على تجريد حميدتي من الشرعية السياسية وإبعاده عن مواقع اتخاذ القرار. ومن جانب آخر، يستهدف البرهان تحييد واستقطاب مجموعات تدين بالولاء لمالك عقار.
وبالتالي، يمكن أن يسهم هذا القرار بشكل مباشر في إعادة تهيئة وهندسة الواقع السياسي والعسكري، وأيضًا ترتيب صفوف المؤسسة العسكرية. بينما الخبرة السياسية والتأثير العسكري اللذين يتمتع بهما مالك عقار في منطقة النيل الأزرق، كانا لهما تأثير كبير في توليه منصب نائب رئيس مجلس السيادة.
تداعيات القرار
من المؤكد، أن قرار البرهان تعيين مالك عقار، يهدف إلى إحداث تغيير في سير الأحداث، وتوحيد وحشد الجهود لصالحه.
يؤكد ذلك، القيادي بقوى الحرية والتغيير محيي الدين جمعة، إذ يقول إن تعيين مالك عقار سيؤثر على إجماع القوى السياسية المدنية، خاصة بين قوى الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية والمجلس المركزي، مع الأخذ في الاعتبار ما يملكه “عقار” من مقومات شخصية، وعلاقات قوية مع كافة القوى السياسية داخليًا وكذلك مع جنوب السودان.
يُضاف إلى ذلك، نفوذ “عقار” الإقليمي داخل مجموعة “الإيجاد” التي تلعب دورًا رئيسيًا في الأحداث الجارية بالسودان.
ويشير “جمعة” إلى أنه من الملاحظ، أن حميدتي لا يزال يحتفظ برتبته العسكرية ولم يصدر البرهان قرارًا بتجريده منها، ولكن يمكن وصف قرار الإعفاء بمثابة خطوة أولى في طريق تضييق الخناق على قائد “الدعم السريع”، وعلى العناصر الموالية له، ومن ثم استبدالها بعناصر جديدة داعمة للقوات المسلحة، وهو ما قد يستتبع بالضرورة استجابة سريعة من جانب قوات حميدتي.