في منتصف الشهر الماضي، شهد المجتمع الصهيوني حالة من الجدل، بعدما قررت لجنة التسميات في بلدية حيفا إطلاق اسم كوكب الشرق “أم كلثوم”، على أحد شوارع المدينة التي يعيش فيها العرب واليهود، باعتبارها من عظماء الغناء العربي عمومًا والفن المصري خصوصً.
وقع الاختيار على مدينة حيفا التي تُمثل نموذجاً للحياة المشتركة بين الصهاينة اليهود والعرب، واعتبره بعض رجال الساسة في المجتمع الصهيوني، بأنه تأكيدًا للوجود العربي والتجذّر، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، وفقًا لتصريحات عضو البلدية رجا زعاترة لوكالة فرانس برس.
اشتعلت الأجواء بالغضب العارم، في صفوف اليمينيين الإسرائيليين، إذ شعروا بـ”العار” لإطلاق اسم فنانة اشتهرت طوال حياتها بدعم المقاومة الفلسطينية حتى أنهم يعتبرونها “عدوةً لإسرائيل”.
عن أم كلثوم
كان لسيدة الغناء العربي أم كلثوم، موقفًا واضحًا وصريحًا تجاه المقاومة الفلسطينية والمصرية ضد الاحتلال الإسرائيلي، فقد غنت عقب هزيمة حرب 1967، عدة أغانٍ وطنية لدعم المقاومة ضد إسرائيل، كان أبرزها: “أصبح عندي بندقية” و”إنّا فدائيون” و”ثوار ثوار”.
لم يكن دعم أم كلثوم للمقاومة على المستوى الفني فقط، فقد عرفت بتبرعها بأجرها للمجهود الحربي.
غضب وجدل بسبب أم كلثوم
صحيفة “كول بو”، الإسرائيلية التي تصدر بالعبرية، نشرت صورة كبيرة لأم كلثوم، على صفحتها وعلقت عليها بالخط العريض، “أصبح عندي الآن بندقية إلى فلسطين، خذوني معكم”، في إشارة إلى أغنية كوكب الشرق.
وقالت الصحيفة في مقالها: “نعم، هكذا غنّت أم كلثوم التي سيطلق اسمها على شارع في حيفا”، فيما نقلت عن عضو الكنيست عن حزب الليكود، أرييل كيلنر، قوله: “أشعر بالحزن لقرار تسمية شارع باسم أم كلثوم التي دعت إلى إبادة دولة اليهود”، متعهداً: “سأجد طرقاً لمنع هذه التسمية”.
أما نجل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، يائير، فعلق على القرار بتغريدة عبرية قائلًا: “عار وجنون”.
اللافت أن هذه ليست المرة الأولى التي يُطلق فيها اسم أم كلثوم على شوارع بمدن الاحتلال، ففي أواخر شهر يونيه الماضي، قررت بلدية الرملة إطلاق اسم الراحلة على أحد شوارعها، وفي عام 2012، أطلق رئيس بلدية القدس المحتلة نير بركات، أحد قادة الليكود البارزين والمقرب من نتنياهو، اسم أم كلثوم على أحد شوارع القدس.
التحايل بالفن على العداوة
يبدو أن هناك اتجاه صهيوني للتحايل على العدواة المتأصلة بين العرب والصهاينة، ولم يجدون سوى الفن واللغة لاستخدامها حتى يتم إذابة جليد الكراهية.
ففي عام 2014، دعت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” الإسرائيليين الذين لا يحبون أم كلثوم إلى التذكر أن “الموسيقى تُقلل العداوة”، موضحة أن الفنانة المصرية أيدت الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ورأت إسرائيل عدواً، ولكن بعد 50 عامًا يؤدي أغاني البطولة للمغنية المصرية جيل جديد من المغنين الإسرائيليين الموهوبين أمام جماهير مُحبة ومتحمسة.
يذكر أن صورة عملاقة لأم كلثوم رفعها أحد عشاقها في حيفا على مطعمه، في سبتمبر عام 2018، أثارت ضجةً واسعة، وتدخل المتحدث باسم جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي، وعلّق عليها آنذاك قائلًا: “ها هي كوكب الشرق أم كلثوم تبتسم لمواطني دولة إسرائيل ولكل زائر محب للسلام في أحد مطاعم عروس البحر حيفا”،وهذا ما أثار حفيظة الكثير من العرب.
وتُعد “ساريت حداد”، واحدة من أشهر مطربات إسرائيل التي سطت على الأغنيات المصرية، وأشهر الأغنيات التي كانت سببًا في شهرتها، “أمل حياتي” و”أروح لمين” و”أنت عمري” لأم كلثوم، و”سألتك حبيبي” لفيروز.
رسائل إسرائيلية
يرى الكاتب الصحفي والباحث المتخصص في الشأن الإسرائيلي أحمد بلال، أن إسرائيل لجأت إلى السطو على الفن العربي وتحديدًا المصري عن طريق سرقة عددًا من الأعمال الفنية المتمثلة في الأغاني والأفلام المصرية وأذاعتها عبر التلفزيون الإسرائيلي، كما خصصت ساعة في الإذاعة الإسرائيلية لإذاعة أغاني أم كلثوم.
ويتابع الباحث في الشأن الإسرائيلي: “الكيان الصهيوني يريد إرسال 3 رسائل محددة تجاه استخدام أسماء الفنانيين ورموز مصرية مثل الرئيس الراحل أنور السادات الذي أطلق ميدان حيفا على اسمه، فالرسالة الأولى هي للشعب الفلسطيني بالدخل ولجميع العرب بأن إسرائيل كيان ديمقراطي ويقبل الأخر ويُقدر الفن والفنانيين بغض النظر عن الصراعات، وأن مصر أصبحت خارج دائرة الصراع بل أصبحت دولة صديقة”.
ويضيف بلال: “أما الرسالة الثانية التي تحاول أن ترسلها لدول الغرب هي أن ‘سرائيل دولة ديمقراطية تقبل بالتعددية ولا أزمة بينها وبين العرب وأن الأزمة فقط فيما أطلقت هي عليهم الجماعات المسلحة في فلسطين “المقاومة الفلسطينة””.
ويستطرد الباحث في الشأن الفلسطيني: “والرسالة الثالثة التي توجهها اسرائيل هي أنها بنت المنطقة العربية وثقافتها من نفس الثقافة العربية والدليل على ذلك بأنها تعترف بالثقافة العربية”.
اللغة العربية من أجل الأمان الإسرائيلي
لم يكن الفن هو الوسيلة الوحيدة لمحاولات الصهيونية للوصول إلى العالم العربي، فقد استخدموا اللغة العربية أيضًا للتواصل مع ذلك العالم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ولأن الأمن من أولويات السياسة الإسرائيلية، فإن الإعلام الناطق باللغة العربية عنصر هام لتحقيق ذلك، إذ استطاعت هذه الوسائل الإعلامية أن تصل إلى عدد كبير من مستخدمي وسائل التواصل.
واستهدفت صفحات الاحتلال على السوشيال ميديا، تبديل وإحلال للمفاهيم والمصطلحات العربية، فيبدو وكأنها تستهدف أجيالًا تنطق مصطلحات معينة فقد تم إحلال القدس باسم “أورشليم”، وعندما ينشر خبر عن الضفة الغربية تُسمى “يهودا والسامرة”.
من أشهر الحسابات الشخصية على السوشيال ميديا، أفيخاي أدرعي، المتحدث بلسان جيش الدفاع الإسرائيلي، ويتجاوز متابعوه على “فيسبوك” حاجز المليون ونصف معجب بالصفحة، وحرص على التواصل الدائم باللغة العربية عبر صفحته، فيما لم يغفل عن المناسبات الدينية التي يقدم لها التهاني عبر صفحته.
كما يلعب أفيخاي أدرعي، على أوتار العاطفة، حيث اشتهر بمخاطبة العرب بصورة ودية، والاستعانة بالأغاني العربية القديمة، وعرض صورًا لجنود يساعدون امرأة فلسطينية مُسنة، والمشاركة في التعزية بموت الفنانين العرب البارزين.
لم تختلف أهداف صفحة وزير الدفاع الإسرائيلي عن صفحة “إسرائيل بتتكلم بالعربية”، التي دشنتها وزارة الخارجية الإسرائيلية، وتُسلط منشوراتها الضوء على الروابط الثقافية بين إسرائيل والدول العربية، منها ترحيب الفنانين المصريين بإذاعة المسلسلات المصرية على قنوات إسرائيلية، كما تفعل قناة 33 الإسرائيلية الناطقة بالعربية.
يرى الكاتب الصحفي والباحث المتخصص في الشأن الإسرائيلي أحمد بلال، أن الصفحات التي تبثها إسرائيل والناطقة باللغة العربية الهدف منها تحويل كل المواطن العربي إلى موظف علاقات عامة في جيش الموساد دون أن يشعل، فهو يعيد تدوير منشوراتهم التي تتحدث عن المناسبات الدينية والفن العربي وغيره حتى لو من سبيل السخرية لكنهم يسمحون بنشر ثقافة الكيان الصهيوني.
ويوضح بلال، أن إسرائيل من خلال منشوراتها على تلك الصفحات تنشر توجهها وثقافتها وتستهدف بها الأجيال القادمة، حيث أنها تقدم عرب 48 والفلسطينين على أنهم مسيحيين ومسلمين ولا يوجد يتحدثون عن دولة فلسطين، وبالتالي هم يعملون على تكريس صورة ذهنية معنية للأجيال الناشئة.