عندما نذكر مصطلح الطبقة المتوسطة، فإننا نصبح أمام طرحين، أولهما: تواجد الطبقة المتوسطة مع تعدد شرائحها، والثاني: تراجعها وتهميشها، ليس في مصر فقط بل في الأطروحات العالمية، والأبحاث الفسيولوجية، والسياسية.
ولكنّ في مصر ما زالت الطبقة المتوسطة، محفوظ اسمها وتذكر في الخطابات الرسميّة للدولة بل ويتم تخصيص دعم لبقائها، والسؤال هنا.. ما شكل تلك الطبقة الآن في ظل أحداث سياسية، واقتصادية عصيبة مرت بها منذ سبعينات القرن العشرين حتى عقدين من القرن الـ21 مع صياغات الحوكمة، والنيوليبرالية، وتوسعات السوق؟.
خطة التنمية تعيد مصطلح الطبقة المتوسطة
ألقت خطة التنمية الضوء على الطبقة المتوسطة، لحمايتها من خلال تقديم المساعدات التي تهدف للنهوض بمستوى الخدمات المقدمة، لهذه الطبقة من المجتمع واستخدمت مصطلحًا لها “الفئات غير القادرة من الشريحة المتوسطة”، وبذلك يتم التخلي عن كونها طبقة متماسكة والاتجاه، لتعريفها بعدد من الشرائح المتنوعة.
تضم مهنيين وعاملة مهارة
وحددت خطة التنمية لعام 2021/2020 الطبقة المتوسطة، التي تضم الغالبية العظمى من موظفي الجهاز الإداري للدولة، ورواد الأعمال، والمهنيين، والعاملة الماهرة، وتتمتع بقدرة استهلاكية دافعة إلى تنويع وتوسيع أسواق الإنتاج، مؤكدة كل زيادة 1% في دخل شريحة الدخل الوسطى تؤدي إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي على الأقل بنحو 0.4%.
جدل حول تراجع الطبقة
ويوافق أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية عمرو عادلي، على توصيف الطبقة الوسطة بأنها مجموعة من الشرائح المتعددة، وأنّ كل شريحة لديها ظروفها الاقتصادية والاجتماعية ووظائفها.
جزء من الطبقة المتوسطة أصبح فقيرًا
وتابع “عادلي”: هناك جدل كبير في الأدبيات السياسية وعلم الاجتماع عن الطبقة المتوسطة، وبالأخص في آخر 20 سنة، وهذا له علاقة في بتسارع وتيرة الإصلاحات النيوليبرالية، مثل: تحرير السوق، والخصخصة، والتعويم، والدور الأكبر لاستثمارات الأجنبية، وبالتالي كان هناك طرح فسيولوجي من الولايات المتحدة عن تآكل الطبقة المتوسطة، نتيجة أن آليات السوق أدت لإعادة التوزيع بعيدًا عنها.
وأشار إلى أن ما حدث أن هناك شرائح في الطبقة المتوسطة، انضمت للطبقة العليا بينما جزء أكبر من الطبقة المتوسطة أصبح فقيرًا، وهذا نتيجة أن التعليم أصبح أكثر انتشارًا، وبالتالي أصبح لديك بطالة أكبر وعدم وجود فرص توظيف لها.
اكتساب الخبرات سلاح الطبقة لتعويض الثراء
وأيد”العادلي” نظرية أن الطبقة المتوسطة ما زالت متواجدة، ولكن مع تغيير بها من الطبقة “الناصرية” التي كانت تعتمد على الدولة في: التعليم، والصحة، والتوظيف في القطاع العام، والجهاز الإداري في الدولة، والدعم في الخدمات إلى شرائح وسطى أكثر اعتمادًا على السوق.
التغلب على التغيرات
وأوضح أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، أن تلك الطبقة تعاني من السياسات الاقتصادية منذ الانفتاح عام 1977 في عهد “السادات” مرورًا بالعمل في القطاع الخاص، والعمل الحر ثم الإجراءات الإصلاحية الاقتصادية وتعويم الجنيه في 2016، ثم ما آل له وباء كورونا من تسريح البعض من وظائفه، وارتفاع معدل البطالة بالطبقة الوسطى، وإعادة هيكلتها من جديد.
وأكد أنه تاريخيًا منذ القرن التاسع عشر فإن هناك طبقتين واضحتي المعالم طبقتي: رأس المال، والعمال، وبينهما الطبقة المتوسطة، أما الآن فأصبح الوضع بالنسبة لتلك الطبقة هو اكتساب المهارات من خلال التوسع في التعليم الخاص كنوع من أشكالتراكم رأس المال البشري، لتواكب آليات السوق الجديدة وحتى لا ينحدر حالها.
مؤشر الفقر
قالت الدكتورة عالية المهدي، عميدة كلية الاقتصاد والعلوم والسياسية جامعة القاهرة، إن الطبقة المتوسطة ما زالت موجودة، ولا نستطيع أن نقول إنّها اختفت أوتهمشت فهم في كل مؤسسات الدولة، وأصحاب الحرف والمشروعات الصغيرة، والأطباء، والمهندسين، والمعلمين، ولا يستطيع المجتمع الاستغناء عنهم، موضحةً أنه لا يوجد تعريف لتلك الطبقة ولكنّ أهم ميزة لها أنها حاصلة على قدر من التعليم والشهادات العليا، والمتوسطة بالإضافة إلى الدخل.
وأشارت “عالية” إلى أن دخل الطبقة المتوسطة لا يقل عن 5 آلاف جنيه ولا يزيد عن 20 ألف جنيه، مشيرة إلى أنه من الممكن أن يكون حجم إنفاقها متوقف على وجود دخلين للزوج والزوجة، وأقصى ما يصلوا له هو 30 ألف شهريًا، وتكون بنودهم في الإنفاق معروفة بشأن تعليم ليس بالباهظ مثل، الأثرياء، ولكن في حدود مصاريف 20 ألف جنيه في السنة للطفل الواحد.
هل تشارك في وضع السياسات الحكومية؟
يعرف البعض موظفي الدولة بأنهم لب الطبقة الوسطى واليد العاملة للحكومة، كما لعبت الطبقة الوسطى دورًا كبيرًا في مسيرة الحركة الوطنية المصرية، في الجوانب السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، ومثَّلت المعين الأساسي، والقاعدة الرئيسية، لكل التيارات الفكرية والسياسية، التي شكلت الجماعة الوطنية المصرية.
مؤشر الفقر: 30% من المصريين طبقة متوسطة
وأكدت “المهدي” أننا لا نستطيع أن نقول إن الطبقة المتوسطة مؤثرة في صنع السياسات في الهيئات الحكومية التي تتولاها، فالترقي الوظيفي لها يقف عند “وكيل وزارة”، موضحة أن البعض منها يستطيع أن يصعد لمنصب الوزير بالطبع ولكن في أضيق الحدود.
ونوهت إلى أن مؤشر الفقر في مصر تقسم نسبته كالآتي “50% فقراء وأشباه فقراء، و30% طبقة متوسطة، و20% طبقة الأثرياء، مشيرةً إلى أن جزء من الطبقة المتوسطة انزلق لخط الفقر، بسب الضربات التي تتلاقاها منذ التسعينات حتى آخر ضربة في 2016 بشأن تعويم الجنيه، لتتغير النسبة من 16% تحت خط الفقر في عهد “مبارك” إلى 32% الآن.
الطبقة المتوسطة في مصر تقلصت بأكثر من 48%،
الأكثر تضررًا من الإصلاحات الاقتصادية
بحسب بيانات بنك كريدي سويس المتخصص في تقدير الثروات لعام 2018، أوضح أن مصر تشهد أكبر تراجع للطبقة المتوسطة على مستوى العالم منذ بداية الألفية، وتبدو الطبقة معرضة لمزيد من التدمير نتيجة الإجراءات التقشفية التي تبنتها الحكومة منذ 2016 في إطار برنامج “الإصلاح الاقتصادي” الذي تبنته، وحصلت بموجبه على مجموعة من القروض الدولية.
وأعلن بنك كريدي سويس أن الطبقة المتوسطة في مصر تقلصت بأكثر من 48%، لينخفض عددها من 5.7 مليون شخص بالغ في عام 2000، إلى 2.9 مليون بالغ في 2017، يمثلون الآن 5% فقط من إجمالي البالغين، ويستحوذون على ربع ثروة المصريين.
وبحسب تقرير كريدي سويس تنافس مصر على صدارة العالم في تدمير الطبقة المتوسطة 4 دول:الأرجنتين، واليونان، وروسيا، وتركيا، لكن معدلات تآكل الطبقة المتوسطة في الدول الأربعة مازالت بعيدة عن الحالة المصرية، بفارق ملحوظ يصعب تضييقه خاصة بعد الإجراءات التقشفية الأخيرة في مصر.
آليات دعم الطبقة المتوسطة للحفاظ عليها
وتتمثل آليات تنفيذ الحماية الاجتماعية للطبقة المتوسطة، الذي أعلنته الدولة المصرية، مؤخرًا كالآتي:
تعزيز فاعلية برامج دعم السلع التموينية، وزيادة الدعم النقدي للفرد على بطاقات التموين، حيث يستفيد من البطاقات التموينية35 مليون من فئات الطبقة المتوسطة، بنسبة تغطية 90%”.
6 مليار جنيه قروض مسيرة للمزارعين
وتشجيع المشروعات المتوسطة، البالغ عددها نحو 74 ألف مشروع من خلال مبادرات البنك المركزي والبنوك الوطنية وجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة، ومتناهية الصغر بالجمعيات والمؤسسات الأهلية.
وإتاحة الخدمات التعليمية المتميزة بتكلفة مناسبة، وتدعيم مشروع إسكان “دار متوسط”، لإتاحة وحدات سكنية للطبقة المتوسطة.
وتوفير الحماية لحائزي الأراضي الزراعية ( 10- 3 أفدنة)، لما يناهز مليون حائز، وذلك من خلال: زيادة أسعار توريد المحاصيل الاستراتيجية (الأرز/القطن/القمح/الذرة)، مما يعود بالنفع على أصحاب الحيازات الصغيرة والمتوسطة، وتقديم قروض ميسرة بفائدة 5% تقديم الدعم المادي للمزارعين نحو 6 مليار جنيه عام 2017/2018.