تراجعت أسعار القمح خلال الأيام الماضية، مع تجديد اتفاق يسمح بتصدير الحبوب الأوكرانية عبر المواني الرئيسية للبحر الأسود، لمدة شهرين، رغم استمرار الخلاف بين روسيا وأوكرانيا بشأن مدة التجديد. ويسمح اتفاق الحبوب لكل من روسيا وأوكرانيا بتصدير إنتاجهما من القمح والذرة، ما يعزز من عمليات التصدير للأسواق ذات الاستهلاك المتزايد والتي تعتمد على التعاقدات الخارجية في سد الفجوة الموجودة لديها.
وفي وقت تعاني فيه مصر من أزمة توفير الدولار، سعت من أجل زيادة مخزونها من الإنتاج المحلي من القمح، ورفعت سعر توريد القمح من المزارعين بنسبة 50% لهذا العام ليصل سعر الأردب 1500 جنيه بدلا من 1000 جنيه العام الماضي.
ويأتي تجديد اتفاق الحبوب منذ أيام، مساهمًا في تخفيض السعر العالمي للقمح بنسبة 20- 30 %، بعدما شهد ارتفاعات غير مسبوقة من بدء الحرب الروسية الأوكرانية فبراير/شباط من العام الماضي.
والسؤال: هل تجديد الاتفاق يسهم في إحداث انفراجة في السوق العالمي للقمح ويخفض من أزمة الدولار في الدول المستوردة للقمح؟ وكيف يمكن لمصر أن تستفيد من تجديد الاتفاق وانخفاض السعر العالمي للقمح على اعتبارها أكبر مستورد في العالم؟
“أي تحسن على مستوى توافر السلع والمنتجات الرئيسية التي تستوردها الدولة من الخارج سيُحسن من وضع الاقتصاد المصري وكذلك أوضاع المواطن لارتباطهما بشكل وثيق معًا. فكلما زادت الضغوطات على اقتصاد الدولة كلما تحمل المواطن جزءا منها سواء على مستوى توافرها بشكل كُلي أو على مستوى تحرك أسعارها”. وفق أحمد أبو اليزيد الخبير الزراعي.
يمكن للحكومة المصرية أن تستغل هدوء أوضاع سوق القمح عالميًا بعد الاتفاق بين روسيا وأوكرانيا -بتوسط بعض الدول- في تحقيق مخزون استراتيجي جيد يضمن الوفاء باستهلاكات السوق المحلية لشهور قادمة بأسعار أفضل من تلك التي كانت متداولة الأشهر الماضية.
ويبين أبو اليزيد أن الأوضاع الداخلية تأثرت الفترة الماضية بأكثر من محور أبرزهم ارتفاع أسعار القمح العالمي وأزمة توفير الدولار. لكن ومع السماح بتجديد تصدير الحبوب الأوكرانية بدأت الأسعار في التراجع لما يقارب الـ 185 – 200 دولار للطن، وبالتالي لابد من استغلال ذلك لتقليص حجم الضغط على فاتورة الاستيراد من الخارج التي تأثرت أيضًا بسبب تراجع سعر صرف الجنيه أمام الدولار.
تعزيز مخزون القمح
بداية إبريل/ نيسان الماضي، وقبل تجديد الاتفاق بسبب التخوفات من رفض روسي، بدأت الحكومة المصرية التحرك على أكثر من مستوى لتحقيق استقرار سوق القمح، ولخفض التأثر بالتقلبات الخارجية؛ لذا اتجهت نحو رفع سعر شراء أردب القمح من المزارعين في الموسم الحالي إلى 1500 جنيه (ما يعادل 48.59 دولار)، وذلك في وقت يصل فيه استيراد مصر من القمح الخارجي إلى نحو 45% من إجمالي ما تحتاجه من هذه السلعة الاستراتيجية.
ويمثل السعر الجديد زيادة بنسبة 50% عن السعر الأولي الذي حددته الحكومة لموسم 2023 عند 1000 جنيه (ما يعادل 32.36 دولار).
محاولة زيادة تماسك السوق الداخلية كان الشغل الشاغل للحكومة لعدم اتضاح الرؤية الخاصة بمستقبل أسعار القمح. ولاستمرار النزاع الروسي الأوكراني حتى الآن. وبالتالي كان الرهان على المزارعين في توريد كامل إنتاج القمح لتقليص الاستيراد بالعملة الدولارية التي أرهقت الموازنة العامة خلال الأشهر الماضية.
وبحسب الحملة القومية للقمح، فإن مساحة محصول القمح بمصر تقدر بنحو 3,6 ملايين فدان، تنتج حوالي 9 ملايين إلى 10 ملايين طن من القمح. بينما الاحتياجات المحلية تصل إلى 18 مليون طن. لذا تستهدف الحكومة رفع الإنتاج المحلي إلى 12 مليون طن.
تراجع 30% متوقع بالأسعار عالميًا
وكان الدكتور صفي الدين متولي نائب رئيس مركز بحوث الصحراء واستشاري التنمية المستدامة، تحدث حول توقعات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “الفاو” بنمو إنتاج القمح العالمي لثاني أعلى مستوياته التاريخية، وقال إن هناك توقعات بزيادة كميات القمح المنتجة في هذا العام والعام المقبل.
وأضاف متولي خلال مداخلة هاتفية على قناة “إكسترا نيوز”، الشهر الماضي، أن جميع الدول دون استثناء بدأت في البحث عن مصادر بديلة للقمح داخل أراضيها وتعمل على التوسع، خاصة الدول المستوردة في شمال إفريقيا ومنطقة الخليج العربي.
وتوقع متولي تراجع أسعار القمح عالميًا مع زيادة المعروض في الفترة القادمة بحوالى 20 أو 30%، ولكن هذا التراجع لن يستمر لسنوات طويلة.
تأثر السوق العالمي
يرى أحمد أبو اليزيد الخبير الزراعي أن الحرب الروسية الأوكرانية أدت إلى ارتفاع أسعار القمح في السوق العالمية إلى مستويات قياسية، لكن استمرار تجديد اتفاق الحبوب من شأنه تقليص أسعار القمح التي تجاوزت السعر العادل، مؤخرًا.
أضاف أبو اليزيد أن تحقيق التوازن في السوق العالمية بين قوى العرض والطلب سيُزيل الضبابية التي كانت مسيطرة على رؤى السوق وبالتالي وقف التلاعب أو منع الممارسات الاحتكارية للقمح العالمي.
ويرى أبو اليزيد أن تمديد الاتفاق في موعده يعزز من قدرة الدول الاستهلاكية على توفير كامل احتياجاتها دون ضغط على موادرها الدولاية. ومن ثم عدم فرض أية زيادات سعرية في بيع القمح بالأسواق الداخلية.
تشجيع التوريد المحلي
ورغم أن هناك بعض التحديات بالسوق المحلية سواء على مستوى منافسة القطاع الخاص للحكومة أو فيما يتعلق باحتكار بعض المؤسسات عمليات شراء القمح من المزارعين لاستغلاله في صناعة الأعلاف أو كغذاء للأسماك. فإن إجراءات الدولة تحسنت بشكل مقبول على صعيد تشجيع المزارعين على توريد القمح، منها رفع سعر التوريد من المزارعين للسيطرة على السوق المحلي والتفرغ للتعامل مع الوضع العالمي.
وفي سبيل ذلك تُعقد اجتماعات دورية بين وزير الزراعة ومديري مديريات الزراعة بالمحافظات، حيث طالبهم بالتواجد مع المزارعين على أرض الواقع لإزالة أي عقبات تواجههم فورًا من أجل تسهيل توريد القمح، بجانب المتابعة اليومية للتوريد والتنسيق أيضًا مع المسئولين في وزارتي التنمية المحلية والتموين.
وتسعى الحكومة إلى ضمان توريد المحصول بكل الطرق الممكنة، وزادت نقاط التجميع والاستلام لتبلغ حوالى 4500 نقطة لحث المزارعين على توريد القمح، وكذلك سداد القيمة فورًا وبحد أقصى 48 ساعة، كما بحث الوزير أيضًا منظومة توزيع الأسمدة وسرعة الانتهاء من استخراج، وتسليم الكارت الذكي بالتعاون مع البنك الزراعي.
الوفاء بحاجة السوق
وتشير التقديرات إلى أن صادرات روسيا وأوكرانيا من القمح المجمعة للسنة التسويقية 2021-22 تمثل 23% من الإجمالي العالمي البالغ 206.9 ملايين طن متري. وفقًا لوزارة الزراعة الأمريكية.
ويستحوذ القمح الروسي على النصيب الأكبر من الواردات المصرية، فمصر هي أكبر مستورد ومشترٍ للقمح في العالم. وبحسب بيانات وزارة الزراعة الأمريكية فإنه خلال الفترة من يوليو 2020 إلى يونيو 2021، بلغت واردات القمح الروسي إلى مصر 8.96 ملايين طن من إجمالي 13.3 مليونا استوردتها مصر خلال هذه الفترة.
وباتت مصر أكبر مشتر للقمح الأوكراني، بعدما استوردت منه أكثر من 3 ملايين طن متري عام 2020. ما يعادل حوالي 14% من إجمالي القمح المستورد حينها. خاصة أن القمح الأوكراني يتسم برخص السعر حال مقارنته بالفرنسي.
وبحسب تقرير سابق لوزارة التموين والتجارة الداخلية، فإن مخزون القمح في مصر يكفي لأكثر من 5.2 أشهر، ذلك مع وجود خطة مستمرة لتأمين مخزون كل السلع الاستراتيجية سواء من خلال الحصول على المحصول المحلي من المزارعين، أو من خلال الاستيراد من الخارج من خلال إجراء المناقصات العالمية.