عقد مؤخرا المؤتمر السنوي الإسرائيلي في هرتسيليا دورته الثالثة والعشرين، والذي دشن أول اجتماعاته عام 2000، بمبادرة من قيادات أمنية رفيعة المستوى.
يجمع المؤتمر نخب المجتمع الإسرائيلي، للنقاش حول جملة من القضايا بينها الوضع الأمني والعسكري، ويمثل المؤتمر الذي يحظى بمشاركة واسعة، صورة للعقل الجمعي الإسرائيلي. في المؤتمر الأخير، برزت مناقشة المواجهات المحتملة مع حزب الله، في ضوء تبادل التهديدات، ما يعكس أحد جوانب الصراع الإقليمي على نطاق واسع.
في تحليل للعميد -احتياط- أساف أوريون، الرئيس السابق لقسم التخطيط الاستراتيجي في الجيش الإسرائيلي، أشار إلى أن شبح الحرب يخيم مجددا على العلاقة بين إسرائيل وحزب الله. وجاء التحليل ضمن تناوله أعمال مؤتمر هرتسليا السنوي، والذي يضم إلى جانب النخب الإسرائيلية في الحكومة، والجيش والمخابرات والجامعات ورجال الأعمال، ضيوفا من المختصين الأجانب من الولايات المتحدة وأوروبا، حيث تتم فيه مناقشة مستقبل إسرائيل ووضعها اقتصاديا وعسكريا واجتماعيا، ورصد الأخطار المحيطة.
ولفت أوريون، في التحليل الذي نشره معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني/ TWI، بعنوان “النداء الأخير لليونيفيل/ UNIFIL” -وهي قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة- إلى أنه، وفق الحاضرين في مؤتمر هرتسليا، فإن أجواء التوتر التي سادت عام 2006، قد تعود مجددا. ولكن بشكل أكثر شراسة.
فخلال حديثه للحاضرين، قال رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية، الجنرال أهارون حليفا في 22 مايو/ أيار، إن زعيم حزب الله، حسن نصر الله يسعى مرة أخرى إلى “توسيع المعادلات” مع إسرائيل.
وأوضح: نصر الله اقترب من ارتكاب خطأ، قد يؤدي إلى تدهور المنطقة نحو حرب كبيرة. بالإضافة إلى ثقة الرئيس السوري بشار الأسد المتزايدة في السماح بإطلاق طائرة إيرانية بدون طيار على إسرائيل. هذا يخلق احتمالية عالية للتصعيد في المنطقة، ويجب أن نكون مستعدين.
وأضاف: نحن مستعدون لاستخدام القوة، واستخدام القوة ضدنا من سوريا ولبنان، قد يتصاعد إلى تصادم واسع النطاق بين إسرائيل وحزب الله ولبنان.
اقرأ أيضا: حزب الله داخل إسرائيل.. خطوة أخرى نحو تغيير قواعد اللعبة
في اليوم التالي، قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال هرتسي هاليفي -أمام المؤتمر نفسه- إن الحشد العسكري لحزب الله يمثل تحديًا كبيرًا، مشيرًا إلى أنه يجب على إسرائيل “التفكير في التوقيت المناسب لمبادرة مفيدة”.
وتابع: بينما يرتدع حزب الله بشدة عن حرب شاملة ضد إسرائيل، فإنه يعتقد أنه يفهم كيف نفكر. وهذا يجعله يجرؤ ويتحدانا، حيث أنه واثق من أن ذلك لن يؤدي إلى حرب. أرى أن هذا طريق جيد لتوليد المفاجآت عند الحاجة.
وأوضح، أن استعداد الجيش الإسرائيلي للقتال في الشمال، جيد ويتحسن “لكن مثل هذه الحملة ستكون صعبة على الجبهة الداخلية الإسرائيلية. وستكون أكثر صرامة بسبعة أضعاف على لبنان، وستكون أكثر صرامة على حزب الله”.
وأشار هاليفي أيضًا إلى أن، “هناك تطورات سلبية محتملة في الأفق في برنامج إيران النووي، والتي قد تؤدي إلى اتخاذ إجراءات محددة”.
تحذيرات وشيكة
في نفس المساء، قال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي للصحفيين، إن تصريحات هاليفي لا تشير إلى حرب وشيكة في لبنان أو هجوم على إيران.
ومع ذلك، تم إطلاع مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر على كل من الوضع مع حزب الله، ومناورات هيئة الأركان العامة في 29 مايو/ أيار – 8 يونيو/ حزيران. التي تحاكي حربًا مع إيران وفي الشمال.
في غضون ذلك، ألقى نصر الله خطابا في 25 مايو/ أيار بمناسبة “يوم المقاومة والتحرير”، الذي يحيي ذكرى انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان في عام 2000.
ردا على “تهديدات الأعداء”، حذر نصر الله إسرائيل من الحذر من “سوء التقدير، الذي قد يؤدي إلى حرب كبرى”. كما أشار إلى، الانقسامات الداخلية الإسرائيلية، وفشلها في ردع المعارضين خلال عمليتها الأخيرة ضد حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية في غزة.
يقول أوريون: على ما يبدو، لم تكن تحذيرات جنرالات الجيش الإسرائيلي مبنية على أي تنبيهات محددة بشأن هجوم وشيك. بل على شهية حزب الله الواضحة بشكل متزايد للمخاطرة. إن حزب الله يسعى لتحدي إسرائيل حتى -ولكن دون تجاوز- عتبة الحرب.
وأوضح، أن هذا الاتجاه لم يبدأ الأسبوع الماضي. بل أن هناك أربعة حوادث وقعت مؤخرًا تسلط الضوء على ديناميكية التصعيد:
في 13 مارس/ آذار، قام عنصر أرسله حزب الله بتفجير عبوة ناسفة بالقرب من مجيدو بعد اختراق الحدود اللبنانية، والتسلل إلى عمق 70 كيلومترا داخل إسرائيل. وأصيب مواطن إسرائيلي بجروح بالغة، وقتل الجاني وهو في طريق عودته إلى لبنان.
في 31 مارس/ آذار، قتلت غارة إسرائيلية -على ما يبدو- في دمشق خمسة ضباط من الراعي العسكري لحزب الله، الحرس الثوري الإسلامي الإيراني.
في 6 إبريل/ نيسان، أطلق نشطاء حماس في لبنان 34 صاروخًا على إسرائيل جنبًا إلى جنب مع عمليات إطلاق أخرى من غزة وسوريا.
رداً، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن غارات إسرائيلية ضد أهداف حزب الله ومواقع أخرى في لبنان وسوريا وغزة.
لكن نصر الله رفض هذا التصريح، مدعيا أن إسرائيل قصفت “مزارع الموز” لا أكثر.
ويوضح أوريون: على الرغم من أن الجيش الإسرائيلي كان حريصًا على عزو هذا الهجوم إلى حماس وحدها. إلا أن العديد من المراقبين تساءلوا كيف يمكن للجماعة الفلسطينية تنفيذ عملية تضم عشرات من قاذفات الصواريخ في مواقع متعددة في جنوب لبنان دون موافقة حزب الله.
أهداف منتقاة
في 4 مايو/ أيار، أطلقت حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية 104 صواريخ من غزة على إسرائيل. مما دفع الجيش الإسرائيلي لشن عملية الدرع والسهم -من 9/15 مايو/ أيار- ضد الحركة.
لكن الجدير بالذكر، أن حماس لم تشارك، ولم يتم استهدافها رغم القصف الصاروخي من أراضيها.
يقول أوريون: ما قد يستنتجه حزب الله من هذه التبادلات، هو أن إسرائيل تفضل عمومًا استهداف الأعداء في مسارح أقل اضطرابًا، وباحتمال أقل لردود الفعل عند الرد على الهجمات. لذلك، يمكن لنصر الله أن يستنتج أن الجيش الإسرائيلي قد تم ردعه بشدة عن قصف الأراضي اللبنانية وأهداف حزب الله، بحيث يمكن للجماعة مهاجمة إسرائيل دون المخاطرة بانتقام شديد.
ظهرت علامات هذه الثقة المفرطة الواضحة في 21 مايو/ أيار، عندما أقام حزب الله حشدًا كبيرًا من المراقبين والمراسلين باستعراض عسكري في موقع تدريبه في أرمتا، على بعد تسعة عشر كيلومترًا فقط من الحدود.
عرض حزب الله صواريخ وقطع مدفعية وطائرات بدون طيار، ومركبات صالحة لجميع التضاريس ودراجات نارية. كما تواجد مائتا جندي من بينهم أفراد من وحدة النخبة “رضوان”. وكان من بين الحاضرين أيضًا المسؤول البارز في حزب الله هاشم صفي الدين، الذي هدد إسرائيل بـ “أمطار صواريخ دقيقة”.
كما قام المشاركون بمحاكاة خرق لحدود إسرائيل، وهجوم على مواقع للجيش الإسرائيلي داخل إسرائيل، واختطاف جندي إسرائيلي. وهو النوع الدقيق للعملية التي أشعلت -دون قصد- حرب لبنان عام 2006، في وقت لم يكن أي من الطرفين يسعى بنشاط إلى صراع واسع النطاق.
رداً على هذا العرض، أدان رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، و31 نائباً التعدي على “سيادة بيروت”.
ومع ذلك، احتفل خطاب نصر الله في 25 مايو/ أيار بالحدث، مدعيا أنه “ساهم في إثارة الذعر داخل إسرائيل”.
اقرأ أيضا: هل تضطر إسرائيل إلى تغيير معادلة الردع مع حزب الله؟
اختراقات حزب الله
رصد أوريون عدة اختراقات، تظهر تهديدا لأمن الدولة العبرية في الفترة الأخيرة. حيث وثقت تقارير الأمم المتحدة مؤشرات مختلفة؛ لتصعيد حزب الله وثقته المفرطة خلال العام الماضي.
شمل التوثيق تهديدات الطائرات بدون طيار لمنصة الغاز البحرية الإسرائيلية، ووضع أبراج المراقبة العسكرية على طول الحدود، والتي وضعت متخفية في شكل بؤر استيطانية بيئية تستخدمها مجموعة الواجهة “الخضراء بلا حدود”.
ويُعدد الرئيس السابق لقسم التخطيط الاستراتيجي في الجيش الإسرائيلي عددا من “أكثر الاتجاهات إثارة للقلق، كما يصفها. منها ميادين الرماية والتدريب التكتيكي. فوفقًا لتقارير الأمم المتحدة في شهري يوليو/ تموز ونوفمبر/ تشرين الثاني 2022، ومارس/ آذار 2023، لاحظت دوريات طائرات الهليكوبتر التابعة لليونيفيل مرارًا وتكرارًا ميادين رماية نشطة في خمسة مواقع على الأقل في جميع أنحاء جنوب لبنان، بعضها تم تحديثه بهياكل دائمة.
يقول، إن إجراء تدريب تكتيكي وإطلاق نار بالذخيرة الحية في نطاقات ثابتة في وضح النهار، هو تعبير واضح عن قدرات حزب الله المتزايدة.
بالإضافة إلى ذلك، أطلق عناصر حزب الله الألعاب النارية باتجاه مروحية تابعة لليونيفيل بالقرب من ميدان الرماية في دير عامس في أكتوبر/ تشرين الأول. وبعد شهرين صوب مسلحون أسلحتهم على مروحية أخرى بالقرب من ميدان زبقين.
ويضيف أوريون هنا: وافقت القوات المسلحة اللبنانية على تسهيل الزيارات المشتركة مع اليونيفيل إلى نطاقات تعود إلى مارس/ آذار 2022، لكن هذا لم يحدث.
وفي عام 2022، بلغ متوسط عدد الاعتداءات والمضايقات والقيود المفروضة على حركة أفراد اليونيفيل التي أبلغت عنها الأمم المتحدة ذروتها على الإطلاق بنحو خمس حوادث في الشهر، أي أعلى بكثير من السنوات السابقة.
ويشير إلى، أن مقتل الجندي الأيرلندي في اليونيفيل شون روني في 14 ديسمبر/ كانون الأول “، كان مجرد علامة فارقة في هذا الاتجاه. وسواء أمر كبار مسؤولي حزب الله بقتله بشكل مباشر أم لا، فمن المؤكد أن العناصر على الأرض تصرفوا بما يتماشى مع نوايا وروح قادتهم”.
وبحسب ما ورد، اتهم قاض عسكري خمسة أعضاء من حزب الله بارتكاب جريمة القتل، لكن واحدًا فقط رهن الاحتجاز.
أيضا، في عام 2019، تعهد نصر الله بوقف التحليق العسكري الإسرائيلي فوق لبنان. منذ ذلك الحين، تمكن حزب الله من إحراز تقدم نحو هذا الهدف من خلال تحسين دفاعاته الجوية.
يقول أوريون: بعد أن أبلغت الأمم المتحدة عن انخفاض بنسبة 95% في ساعات التحليق الإسرائيلي بين صيف 2020، وصيف 2021، شهد العام التالي انخفاضًا إضافيًا بنسبة 35%.
ويضيف: على الرغم من أن هذا قد يشير إلى نجاح إسرائيل في تطوير قدرات استطلاع بديلة. إلا أن جزءًا من التراجع -على الأقل- يُفترض أنه يرجع إلى التهديد المتزايد لصواريخ حزب الله أرض – جو، وفي الوقت نفسه، زيادة ثقته، ورغبته المتزايدة في المخاطرة.