تشهد جهود تحسين العلاقات بين مصر وإيران مؤخرا نشاطا واسعا من أطراف إقليمية أخذت على عاتقها تبني الوساطة بين البلدين، ذلك ضمن مساعي خفض التوتر بمنطقة الشرق الأوسط.
في الخامس عشر من مايو/ أيار الماضي، كشف وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان عن أن هناك دولا تبذل جهوداً وتشجع إيران ومصر على رفع مستوى العلاقات بينهما، مرحباً بـ “تطوير العلاقات بين طهران والقاهرة”. ومشيراً في الوقت ذاته إلى أن “هناك لقاءات جمعت رؤساء مكتب رعاية المصالح للبلدين في طهران والقاهرة”.
وعقب حديث عبد اللهيان، كشف عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني (البرلمان) فدا حسين مالكي، عن وساطة عراقية أسفرت عن جلستين من المباحثات بين مسئولين أمنيين ودبلوماسيين في البلدين شهدتها بغداد.
توقع فدا إعادة فتح سفارتي إيران ومصر قريباً، وترتيب لقاء بين الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، والرئيس عبد الفتاح السيسي.
في أعقاب ذلك، زار سلطان عمان هيثم بن طارق مصر في زيارة فريدة من نوعها، التقى خلالها السيسي، فيما أشارت تقارير دولية إلى أن الزيارة تخللها نقاش لجهود الوساطة التي تقوم بها مسقط بين القاهرة وطهران، وما عزز تلك التسريبات، هو وصول سلطان عمان إلى إيران بعد أسبوع واحد من زيارته لمصر، وهو ما فُسر بنقل رسائل متبادلة بين البلدين.
وخلال لقائه بسلطان عمان، رحب المرشد الإيراني، علي خامنئي، بما وصفه بـ “رغبة مصر” في استئناف العلاقات الدبلوماسية مع بلاده.
اقرأ أيضا: خطوات متسارعة.. هل يكتمل التقارب بين القاهرة وطهران؟
وفي سلسلة تغريدات نُشرت عبر حساب خامنئي على تويتر بعد لقائه سلطان عُمان، قال: “نرحب برغبة مصر في استئناف العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ولا مشكلة لدينا في هذا الصدد”.
مكاسب مرتقبة
ولمكاسب عودة العلاقات بين مصر وإيران أوجه عدة تتنوع مابين الأمني والاستراتيجي والاقتصادي، في الوقت الذي ينخرط فيه البلدان في قضايا الإقليم وملفاته بأشكال مختلفة.
في هذا السياق يصف جعفرقناد باشي السفير الإيراني السابق في ليبيا، مصر بأنها حلقة وازنة بين كبرى الدول الإسلامية، نظرا إلى موقعها الجغرافي والسياسي، موضحا أنه فضلا عن نفوذ مصر في الاتحاد الإفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية، فإنها تتمتع بمواني عدة على البحرين الأحمر والمتوسط.
وأن التقارب بين طهران والقاهرة سينعكس إيجابيا على حركة عبور السفن الإيرانية من قناة السويس.
أمان المجرى الملاحي
ثمة مصالح استراتيجية يمكن أن تجنيها مصر من وراء استئناف العلاقات مع إيران ، مثل تأمين المجرى المائي لقناة السويس، وضمان مرور آمن للسفن من مضيق باب المندب الذي ترتبط الحركة فيه بشكل مباشر بمصالح مصر الاقتصادية، والذي يخضع لسيطرة جماعة “أنصار الله” اليمنية المدعومة إيرانيا.
وتهتم مصر بأمن الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، لما لذلك من تأثير كبير على حركة الملاحة في قناة السويس، وبالنظر إلى علاقة إيران الوثيقة بجماعة “أنصار الله” في اليمن الذين بمقدورهم التأثير سلباً على الملاحة في البحر الأحمر، وهو الأمر الذي لايمكن أن يتم استبعاده من تفكير القاهرة ، حال مناقشة استئناف العلاقات مع طهران .
تثبيت هدنة غزة
من بين الأبعاد الاستراتيجية ضمن تفكير القاهرة بشأن تجاوبها مع المحاولات الإيرانية لاستعادة العلاقات، تأتي الرغبة المصرية في تهدئة الأوضاع في غزة دافعا رئيسيا للتقارب مع طهران، في ضوء ارتباط إيران بعلاقات وثيقة مع العديد من فصائل المقاومة في قطاع غزة وفي المقدمة منهم حماس والجهاد.
القاهرة من جانبها يهمها الحفاظ على الاستقرار في القطاع وعدم تصعيد الصراع العسكري مع إسرائيل، إضافة إلى دورها في ملف المصالحة الفلسطينية، وهذا يجعل مصر في حاجة إلى التواصل مع إيران، بشكل أو بآخر، في إطار السعي للحفاظ على الاستقرار في غزة وعدم استخدامها كورقة إيرانية من وقت لآخر لمواجهة إسرائيل.
المكاسب الاقتصادية
إضافة إلى المكاسب الاستراتيجية وإمكانية التعاون الثنائي بين مصر وإيران في حل القضايا الإقليمية، فإن هناك مكاسب اقتصادية عدة من الممكن للقاهرة تحقيقها حال تطبيع العلاقات مع إيران على ضوء التغيرات الأخيرة التي تشهدها المنطقة، وتحسن العلاقات بين طهران والعواصم الخليجية، وهو ما يؤكد عليه المستشار الثقافي في سفارة طهران في القاهرة، عبدالرضا بن علي، مشيرا إلى أن عودة السياحة والتبادل التجاري بين البلدين والتعاون في مجال الطاقة سيكون ضمن المكاسب المتوقعة لعودة العلاقات .
ويضيف بن علي لتلك المكاسب تبادل الوفود العلمية والدينية والطبية، وكل أوجه التبادل الثقافي والاجتماعي، ونقل تكنولوجيا التصنيع، والتبادل الزراعي.
منتصف العام الماضي أكد رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية بمصر، محمد حسين سلطاني فر، أن التطورات التي تشهدها المنطقة تقتضي من البلدين رفع العلاقات الثنائية من مستوى رعاية المصالح للمستوى السياسي المنشود.
وقال الدبلوماسي الإيراني، في تصريحات وقتها لوكالة الأنباء الإيرانية “إرنا”، إن “الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبعد المشاورات والرسائل المتبادلة، مستعدة لدخول أسواق مصر عبر إنشاء مصنع لإنتاج السيارات المحلية وعقد استثمارات مشتركة بما في ذلك إعادة تشغيل البنك المصري الإيراني المشترك، وتأسيس شركات مشتركة في مجالات النسيج والملاحة البحرية وتجارة السجاد”.
مضيفا أن “هناك عدد من شركات الطيران الإيرانية التي تخطط لتسيير رحلات عبر سماء مصر إلى عدد من الدول الإفريقية”.
وأفاد سلطاني بأنه “تم التخطيط أيضا لاستئناف التعاون مع مصر الذي تعطل لنحو 4 عقود، في مجال تبادل الطلبة والتكنولوجيا والخدمات الهندسية والتبادل السياحي وتأسيس الشركات المعرفية والتعاون في مجالي النفط والغاز”.
ورغم القطيعة السياسية بين البلدين إلا أن التبادل التجاري بينهما لم ينقطع طيلة السنوات الماضية، ففي يوليو 2018 كشف القائم بالأعمال الإيراني بالقاهرة وقتها ناصر كنعاني، إن حجم التبادل التجاري بين مصر وإيران بلغ 200 مليون دولار، لافتا إلى أن حجم التبادل وصل في أحد الأعوام السابقة إلى 600 مليون دولار.
مضيفا أن البلدين لديهما الكثير من التقدم الاقتصادي والتكنولوجي يجب استغلاله لمصلحة الشعبين الإيراني والمصري.
وأشار كنعاني إلى أن إيران لديها تقدم في مجال النفط والغاز الطبيعي ومجال الأدوية والأقمار الصناعية، ويمكن أن يتم تعاون مشترك على أعلى مستوى مع مصر.
تحقيق عوائد ومكاسب اقتصادية سريعة حال عودة العلاقات بين القاهرة وطهران، أمر لا شك فيه، في ظل توفر قاعدة قوية للاستثمارات المشتركة بين البلدين.
اقرأ أيضا: أكثر من مجرد تطبيع.. الدافع الحقيقي وراء صفقة إيران مع السعودية
قاعدة استثمارية جاهزة
ففي العام 2010 كشف تقرير صادر عن الهيئة العام للاستثمار إلى أن حجم الاستثمارات الإيرانية فى مصر وقتها وصل إلى 331 مليون دولار تدفق فى رأس المال و بنسبة مشاركة فى الجنسية 129 مليون دولار، و ذلك من خلال 12 شركة مسجلة بالهيئة العامة للاستثمار منذ عام 1970و حتى عام 2010 .
وتمثلت الاستثمارات الإيرانية فى مصر فى مجموعة من المجالات المهمة مثل شركات للغزل والنسيج فى المنطقة الصناعية بشمال خليج السويس بتكلفة 400 مليون جنيه، ومصنع مشترك لإنتاج الأسمنت فى مدينة بنى سويف بطاقة 1.3 مليون طن واستثمارات تتجاوز 226 مليون دولار يساهم الجانب الإيرانى بنحو 50 %.
بالإضافة إلى المساهمات الإيرانية فى مجال السيارات من خلال شركة سوزوكى إيجبت المصرية وشركتى سايبا وخودروا الإيرانيتين، و مشروع مصرى إيرانى ـ سعودى مشترك باستثمارات تتجاوز 200 مليون دولار فى مجال إنتاج البتروكيماويات.
وتعد شركة ميرا تكس مصر إيران للغزل والنسيج هى النواة الاقتصادية الإيرانية التى زرعت فى السوق المصرية حيث يمتلك الجانب الإيرانى فيها نسبة 49 % منها وتشغل موقعاً على أطراف مدينة السويس ويعمل بها 3800 عامل وتضم مدينة سكنية خاصة تحمل اسمها.
وضمن أوجه التعاون الاقتصادي، بنك مصر إيران، والذى يعتبر من أكبر الاستثمارات المشتركة بين البلدين برأسمال وصل وقتها إلى 100 مليون دولار، تبلغ حصة الجانب الإيرانى 20 % من الأسهم وتسجل ربحاً سنوياً يصل إلى 2 مليون دولار.
6 مجالات أخرى تواجدت فيها الاستثمارات الإيرانية داخل مصر وأغلبها توكيلات من شركات إيرانية لرجال أعمال مصريين مثل السجاد الإيرانى الذى بلغ قيمة الوارد منه إلى مصر وقت إصدار التقرير ،نحو 10 ملايين جنيه سنوياً، وتعتبر شركة الكحال من أكبر المستوردين للسجاد الإيرانى، تليها شركة كازارونى للسجاد.
كما أن هناك العديد من المنتجات المصرية التى استطاعت غزو الأسواق الإيرانية بنجاح عن طريق التبادل التجارى، أبرزها المنتجات الغذائية والأدوية ومستلزمات البناء والمواد الكيماوية والصناعات المعدنية والهندسية.
انتعاشة سياحية
مؤخرا استهدفت مصر السياحة الإيرانية وانفتحت عليها بعد سنوات من التجميد والتوترات، حيث قال مسئولون في وزارة السياحة المصرية إن القاهرة ستسمح قريبا للإيرانيين الوافدين ضمن مجموعات سياحية بالحصول على تأشيرات عند الوصول إلى جنوب سيناء تمهيدا لإمكانية السماح لهم بزيارة أماكن أخرى في البلاد.
وترجع تقارير إيرانية القرار المصري لحاجة البلاد الشديدة للعملة الصعبة، أي أن للقرار بعدا اقتصاديا أكثر منه سياسي.