تقود المؤشرات فى ليبيا، البلد المضطرب منذ 2012، مع اندلاع الثورة، ثم محطات الصراع على السلطة إلى أن الوصول لحل سياسى وإجراء الانتخابات الرئاسية، لا يمكن أن يتم دون موافقة ومباركة المجموعات المسلحة.
ويتم الرهان على الانتخابات من أجل حل دائم للأزمة السياسية، بما في ذلك من انقسامات على مستويات عدة، منها الانقسام بين غرب ليبيا وشرقها .
وضمن سياق المفاوضات لإجراء انتخابات رئاسية، تحافظ على مقدرات البلاد، وتنهي الانقسام وتوحد مناطقها، قام المبعوث الأممي لدى ليبيا، عبد الله باتيلي، بتقديم إحاطة إلى أعضاء مجلس الأمن الدولي الاثنين الماضي.
وخلال ذلك، أشار باتيلي، أن مخرجات لجنة 6+6 غير كافية؛ لتسوية المسائل العالقة؛ لتنظيم انتخابات ناجحة على الرغم من أنه اعتبر تلك المخرجات “خطوة إضافية إلى الأمام”. وتتشكل لجنة 6+6 من 6 ممثلين من مجلسي النواب، و6 من المجلس الأعلى للدولة. وحدد باتيلي أربعة بنود في مخرجات لجنة 6+6 تشكل تحديا أمام التسوية السياسية.
تتمحور المشكلة الأساسية فيها على معيار أهلية الترشح للانتخابات الرئاسية، وإجراء جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية، حتى لو تجاوزت نسبة أصوات المرشح 50%، والبند الذي ينص على، أنه إذا لم يتم التوصل إلى نتيجة حاسمة في الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى؛ فإن الانتخابات البرلمانية لن تنظم.
الحاجة لتوافق سياسي
أشار باتيلي إلى، أن هذه النقاط الخلافية بما فيها إنشاء حكومة انتقالية جديدة قبل الانتخابات، “تحتاج إلى اتفاق سياسي بين الأطراف الرئيسية في ليبيا”.
وبناء على هذه البنود الأربعة، أكّد المبعوث الأممي، أنه “سيتعذر تطبيق قوانين لجنة 6+6 في غياب التوافق حول المواد الخلافية، ما قد يولّد أزمة جديدة ولذا، فإن على أصحاب القرار في ليبيا العمل على التوصل إلى توافق سياسي، وإعلاء مصلحة الشعب الليبي على كل المصالح الأخرى”.
وأضاف، إنه “في حالة عدم التوافق حول هذه المسائل، فإن العملية الانتخابية؛ ستواجه حائطاً مسدوداً، كما حدث سابقاً في العام 2021”.
شراكة كل الأطراف
وطالب باتيلي المجتمع الدولي، بالضغط على الأطراف المعنية؛ من أجل الوصول إلى انتخابات، فـ”ليبيا وصلت إلى مرحلة دقيقة”، مشدداً على، أن الانتخابات الناجحة لا تتطلب إدارة قانونية فقط، وإنما إطاراً سياسياً يضمن شراكة كافة الأطراف.
وأثارت إحاطة المبعوث الأممي أمام مجلس الأمن جدلا واسعا، ففي الوقت الذي رأى فيها فريق من المراقبين، أنها إعلان لفشل مهمة البعثة الأممية، ذهب فريق آخر إلى أنها ربما تكون مناورة من جانب باتيلي؛ للتمهيد للإعلان عن خطته وتصوره الخاص لحل الأزمة.
لكن في المقابل كانت إحاطة باتيلي، والسجالات التي شهدتها الساحة الليبية خلال الأيام الماضية التي أعقبت الإعلان عن انتهاء مناقشات لجنة 6+6 في مدينة بوزنيقة بالمغرب، كاشفة على صعيد الأطراف الداخلية الفاعلة في المشهد، والتي يمكنها حسم الخلاف؛ بشأن تشكيل حكومة جديدة تكون مهمتها التجهيز والإشراف على الانتخابات المقبلة.
باتيلي خلال إحاطته أمام مجلس الأمن، والتي تعد التطور الأبرز على صعيد الأزمة الليبية، كان يختار مصطلحاته بعناية شديدة، ولذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون الدبلوماسي المخضرم قاصدا إعلان فشله، لكنه ربما أراد إظهار فشل مسار مجلسي النواب والدولة خاصة، وأن النقاط الأربع التي استعرضها، تعد دليلا على أن المجلسين لم ولن يصلا إلى حل.
ثمة إشارة أخرى على المقصد الحقيقي الذي أراد باتيلي الذهاب إليه، عبر إحاطته أمام مجلس الأمن، وهي تأكيده على أن المشكلة ليست قانونية، حتى يتم حصرها في حوار مجلسي النواب والدولة، داعيا إلى توافق أوسع من رأي المجلسين، وخلافاتهما ومصالحهما في إشارة واضحة؛ لتوسيع الحوار ليشمل الأمنيين والعسكريين.
ويتصدر تغيير الحكومة قائمة الأولويات في أجندات كل من عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، وخالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، لكنهما لم يتمكنا من تحقيق أي تقدم على صعيد هذا الهدف، ربما لاعتبار مهم مرتبط بحجم الدعم الذي يحظى به عبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة، التي تتخذ من طرابلس في الغرب الليبي مقرا لها، وهو الدعم الذي ساعده في وقت سابق من منع تمكين فتحي باشاغا، وحكومته التي كانت مكلفة من مجلس النواب الذي يتخذ من مدينة بنغازي شرق ليبيا مقرا له.
أمام ذلك، أدرك خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة، الدور المؤثر للمجموعات المسلحة في غرب ليبيا، وباتت لديه قناعة، بأنه لن يستطيع أحد فرض أي حكومة جديدة دون موافقتهم، وهو الهدف الحقيقي للقائه بقادة التشكيلات المسلحة مؤخراً، والذي سعى من خلاله لحشد موافقة المسلحين، أو لإحداث انقسام في معسكر غرب البلاد، وسحب البساط جزئياً من تحت أقدام الدبيبة.
وتحظى حكومة الدبيبة في طرابلس بدعم العديد من الميليشيات المسلحة، من أهمها “قوات الردع” و”العمليات المشتركة” و”جهاز دعم الاستقرار”، بالإضافة إلى كتيبة “فرسان جنزور” التي تتمركز غرب العاصمة بجانب كتائب أقل عدداً وعتاداً، منها “رحبة الدروع” بمنطقة تاجوراء شرق طرابلس.
وفي إطار تعزيز مواضع قوتها، أعلنت حكومة الدبيبة تأسيس جهاز أمني جديد باسم “الجهاز الوطني للقوى المساندة”، تكون مهمته حماية شرعية الدولة، ومساندة الجيش في تأمين الحدود ودعم وزارة الداخلية؛ لحماية المقار السيادية.
وبحسب بيان صادر عن حكومة الوحدة الوطنية التي يترأسها الدبيبة، فإنه “الجهاز يتولى المحافظة على أهداف ثورة 17 شباط/فبراير، وحماية شرعية الدولة والمؤسسات السيادية، ومساندة الجيش وفق ما تتطلبه الضرورة، ومساندة وزارة الداخلية عند الحاجة في حماية المقار السيادية”.
وكان رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي، قد دعا في وقت سابق إلى تشكيل حكومة مصغرة، يناط بها إدارة الاستحقاق الانتخابي، وحدد اسم محمد المزوغي، مرشحا لرئاسة تلك الحكومة.
بدوره، أكد رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح، وجود مباحثات لتشكيل حكومة جديدة تتكون من 15 وزيرا، يعهد إليها الإشراف على الانتخابات، وتنتهي مهامها بمجرد الإعلان عن نتائج الاستحقاق الانتخابي.
ووصف تغيير الحكومة الحالية بـ”ضرورة وطنية ملحة”، تحتاج إليها البلاد، مشيرا إلى، أنها ستكون سلطة مستقلة تحلّ محلّ حكومة الدبيبة، والحكومة المنبثقة عن مجلس النواب، وتلتزم الحياد تجاه جميع الأطراف.
كما طالب قائد الجيش في شرق ليبيا خليفة حفتر مجلسي النواب، والدولة بالإسراع في تشكيل “حكومة جديدة موحدة” لإنهاء حالة الانقسام السياسي، معتبرا أن مخرجات لجنة 6+6 “خطوة مهمة” نحو إجراء الانتخابات.
لكن الدبيبة أبدى تمسكه بإدارة حكومته للاستحقاق الانتخابي، إذ أكد خلال لقائه باتيلي “استمرار فريقه الحكومي في التنسيق مع البعثة الأممية؛ لتنفيذ البرامج الداعمة للعملية الانتخابية”.
الدبيبة أيضا، أدرك معادلة بقائه على رأس السلطة التنفيذية، وهي المعادلة التي تقوم على حشد دعم أكبر عدد من المجموعات المسلحة، التي تجعله يملك السيطرة على الأرض، ومن ثم الفوز بالدعم الغربي والدولي الذي يميل إلى الأقوياء الذين يحمون مصالحهم، فالدبيبة حتى الآن أثبت أنه يلبي مصالح العواصم الأوروبية، وواشنطن والذين لا يمكن أن يتخلوا عنه إلا ببديل أقوى منه.
وإلى جانب تعزيز علاقته بالمجموعات المسلحة خلال الفترة الأخيرة، عمد الدبيبة إلى فتح قنوات اتصال؛ لتصحيح مسار علاقته بالقوى الإقليمية المؤثرة في المشهد الليبي، وعلى رأسها مصر والإمارات، بجانب ما يحظى به من دعم تركي معروف.
والتقى الدبيبة، مؤخرا بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رفقة رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في إسطنبول على هامش مباراة نهائي دوري الأبطال الأوروبي لكرة القدم بين فريقي مانشستر سيتي، وإنتر ميلان، وسط حديث عن تقارب كبير في العلاقات بين الدبيبة وأبو ظبي.
وبموازاة ذلك، تشهد العلاقات بين الدبيبة والقاهرة تطورا متصاعدا، في الوقت الذي تشير فيه تقارير ليبية لزيارة مرتقبة لرئيس حكومة الوحدة الوطنية لمصر قريبا بعد فترة من القطيعة السياسية.