“عملنا هو صنع الدواء ابتداء من مركباته الأساسية إلى حد تعبئته، وتوجيهه إلى خدمة من يحتاجون إليه”، صاغت تلك العبارة الهدف الرئيسي الذي لأجله أُسس مصنع النصر للكيماويات الدوائية قبل أكثر من 60 عامًا.
والشركة التي أُنشأت طبقًا للقرار الجمهوري رقم 2382 عام 1960، تعدّ حاليًا هي المصنع الوحيد في مصر الذي يُنتج المواد الأساسية لصناعة الدواء، أو ما يمكن تبسيطه اصطلاحيًا “المادة الكيماوية الفعالة” للعقاقير الدوائية.
ورغم مرور كل تلك السنوات، وتعاظم سوق الدواء المصري الذي سجلت مبيعاته نحو 170 مليار خلال عام 2022، بحسب بيانات وزارة قطاع الأعمال العام، إلا إن أغلب مصانع الدواء سواء المملوكة للحكومة أو للقطاع الخاص، لاتُنتج أغلب المواد الفعالة المستخدمة في إنتاج العقاقير الدوائية.
لكن، وبرغم الأهمية لمجمع مصانع شركة النصر للكيماويات الدوائية، خاصة في ظل نقص بعض الأدوية؛ كنتيجة مباشرة لأزمة نقص الدولار، وزيادة الطلب عليه من الحكومة والمستوردين، إلا إن المصنع يُعاني من خسائر ضخمة خلال الأعوام المالية الأربع الماضية.
وتُبين مراجعة للقوائم المالية للنصر للكيماويات، تكبده خسائر بلغت 435.13 مليون جنيه، بدءا من العام المالي 2017/ 2018 وحتى 2020/ 2021.
ويُرجع محمد حسن خليل، رئيس لجنة الحق في الصحة، وهي لجنة شعبية، أن أسباب خسارة شركة النصر للكيماويات هو إغلاق بعض خطوط إنتاج عقاقير المضادات الحيوية .
ويقول في اتصال هاتفي لمصر 360، إن شركة النصر للكيماويات الدوائية تعدّ الوحيدة في مصر المُنتجة للمواد الفعالة، لكن جرى تهميشها وإقفال بعض خطوط إنتاجها لصالح الاستيراد، أو بدافع الإهمال الإداري.
ويُضيف خليل، أنه لم تعرف مصر سياسة صحية إلا خلال عام 1971، حين وضعها أحد وزراء الصحة، والتي كانت تهدف لإنتاج بعض العقاقير الدوائية بشكل كامل في مصر كنوع من الاستعداد لحرب أكتوب؛ وقد نجحت تلك السياسة في توطين صناعة بعض المواد الفعالة؛ لإنتاج العقاقير الدوائية.
لكن، تراجعت الدولة عن تلك السياسة بعد ذلك، ولم يتبقى من منتجات شركة النصر للكيماويات إلا إنتاج بعض المحاليل الملحية المستخدمة لعلاج مرضى الكلى، وبعض المنتجات الوسيطة الأخرى، بحسب رئيس لجنة الحق في الصحة.
وشركة النصر للكيماويات الدوائية ليست الوحيدة الخاسرة من بين شركات الدواء الـ9 المملوكة للحكومة، حيث توجد شركتان أخريتان حققتا خسائر خلال السنوات المالية الأربع الماضية، وهم شركة العبوات والمستلزمات الطبية، وشركة ممفيس للأدوية والصناعات الكيماوية.
وقد بلغت خسائر الشركات الثلاث خلال السنوات الأربع الماضية نحو 665.6 مليون جنيه، وفقًا لبيانات الحساب الختامي للشركات القابضة؛ حيث توزعت الخسائر في الأعوام المالية بين 170 مليون جنيه في العام 2017/ 2018.
ونحو 140.1 مليون جنيه في العام التالي 2018/ 2019، ثم زادت في العام الذي يليه إلى 150 مليون جنيه، ثم قفزت إلى 205.5 مليون جنيه في العام 2020/ 2021، بحسب بيانات الحساب الختامي للشركات القابضة.
وتعمل الشركات الثلاث تحت راية الشركة القابضة للأدوية والكيماويات، والمستلزمات الطبية التي تعمل تحت مظلة قانون الأعمال العام رقم 203 لسنة 1991، وهي تضم 6 شركات أخرى بعد نقل شركتي المصرية لتجارة الأدوية والجمهورية للأدوية إلى هيئة الشراء الموحد والإمداد، والتموين الطبي وإدارة التكنولوجيا الطبية في عام 2019.
وفي محاولة لإنعاش شركة النصر، بدأت وزارة قطاع الأعمال العام السير في إجراء شراكة مع شركة هندية؛ لتصنيع الخامات الدوائية؛ لتكون هي الخبير الفني في مشروع لإنشاء 5 مصانع ستنتج 100 صنف من الخامات الدوائية، يتم تمويل60% من المشروع عبر الاقتراض والباقي يمول ذاتيًا.
إلى ذلك، يقول الدكتور علي عوف، رئيس شعبة تجارة الدواء باتحاد الغرف التجارية، إن أغلب المواد الفعالة المستخدمة في إنتاج الدواء، تستورد من الخارج، ولا توجد صناعة خاصة في مصر لإنتاج هذا النوع من المواد الكيماوية.
ويُضيف في اتصال هاتفي لمصر 360، أنه لاتوجد أزمات أو نواقص في الأدوية، طالما وجدت لها بدائل محلية أو نظائر أخرى، تقوم مصانع الدواء بإنتاجها، لكن يشير إلى أن الأزمة تظهر بشكل أكبر بالنسبة لأدوية مثل: التخدير، أو بعض أدوية الأورام، والتي لا بدائل محلية لها. ويرى عوف، أن صناعة الدواء في مصر ضخمة ولها استثمارات وأصول كبيرة.
ويختلف الدكتور محمد حسن خليل، رئيس لجنة الحق في الصحة، مع رئيس شعبة الأدوية، في أن صناعة الدواء ضخمة، قائلاً :”صناعة الدواء في أغلبها تعتمد على التجميع والتغليف، لكن لاتوجد صناعة حقيقية للمواد الفعالة”.
ويعتقد خليل، أن أغلب صناعة الدواء تقوم على مبدأ التغليف والتجميع، مدللاً على ذلك بأنه حتى الأحبار المستخدمة في كتابة النشرات الدوائية بعبوات الدواء يتم استيرادها من الخارج، لذا يعتبرها صناعة غير صلبة.
شركة حكومية دوائية رابحة
على الجانب الآخر، تضم الشركة القابضة للأدوية والكيماويات والمستلزمات الطبية 6 شركات أخرى، تعمل أغلبها في مجال التصنيع النهائي للعقاقير الطبية أو المستلزمات الطبية، مثل، شركة الإسكندرية للأدوية والصناعات الكيماوية التي تنفرد بإنتاج القفازات الجراحية والشاش الطبي المعقم بالعمليات الجراحية، والشركة العربية للأدوية، والتي تنفرد بصناعة الإيروسولات والبخاخات في مصر.
لكن، وعلى عكس شركة النصر، حققت أغلب هذه الشركات صافي أرباح خلال السنوات الأربع الماضية، وفقًا لمراجعات للحساب الختامي للشركة القابضة.
وبلغت الأرباح في العام المالي 2017/ 2018 نحو 116.2 مليون جنيه، ارتفعت إلى 339.3 مليون جنيه في عام 2020/ 2021، بنسبة ارتفاع بلغت 192%.
وباستثناء شركة النيل للأدوية والصناعات الكيماوية، حققت كل شركات الدواء الحكومية صافي أرباح خلال السنوات الأربع الماضية.
في النهاية، يتفق رئيس لجنة الحق في الصحة، ورئيس شعبة الدواءعلى، أن استيراد المواد الفعالة تضع صناعة الدواء تحت رحمة الدولار بشكل أو بأخر، لذا لا بد من المواجهة وإنتاج جزء من المواد الفعالة المستخدمة في صناعة العقاقير الطبية في مصر بديلاً عن الاستيراد.