تواجه مصر تحديات خطيرة؛ بسبب تسارع تأثيرات التغيرالمناخي عليها، والذي تزيد معه درجات الحرارة، والطلب على الطاقة والكهرباء، خاصة في ظل التوسع الحضري الكبير، ومعدلات النمو السكاني المرتفعة.
تؤكد دراسة لبرنامج تحولات الطاقة النظيفة، إحدى مبادرات وكالة الطاقة الدولية، أن درجات الحرارة زادت بمصر بمتوسط 0.1 درجة لكل عقد بين عامي 1901 و2013، وتسارع المعدل بين عامي 2000 و2020 مع زيادة بمتوسط 0.38 درجة لكل عقد، وهو أعلى من المتوسط العالمي (0.31 درجة مئوية لكل عقد).
ارتفعت الأيام التي يحتاج فيها المواطنون إلى استعمال أجهزة التكييف إلى 300 يوم ما بين عامي 2000 و2020، بينما تظهرالدراسة الأخيرة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة أن 50٪ من الكهرباء يتم استهلاكها بالفعل لتكييف الهواء خلال ذروة أشهر الصيف، ما يفرض تحديات كبيرة في توليد الطاقة.
تُظهرالتوقعات المناخية أن مصر ستواجه مستوى احترار أعلى من المتوسط العالمي، فمن المتوقع أن تكون درجات الحرارة في 2081-2100 أعلى بحوالي 2.5 درجة مئوية في سيناريو “انبعاثات منخفضة“، وحوالي 6 درجات في سيناريو انبعاثات عالية.
من المتوقع، أن يؤدي الاحترار بجانب التوسع الحضري والنمو السكاني؛ إلى زيادة كبيرة في الحرارة، والطلب على الكهرباء؛ للتبريد وزيادة الضغط على توليد الطاقة، والتأثيرعلى محطات التوليد العاملة بالغاز الطبيعي التي توفر حوالي 75% من إمدادات الكهرباء في البلاد (ثلثي محطات توليد الطاقة تعمل بالغاز الطبيعي في مصر).
تشير الدراسات إلى، أن زيادة درجات الحرارة يمكن أن تؤدي؛ لانخفاض تدفق كتلة الهواء الداخلة لضاغط التوربينات الغازية، وبالتالي انخفاض أداء محطات الغازالطبيعي، كما يمكن أن تتدهوركفاءة توليد الطاقة الشمسية الكهروضوئية والرياح، خصوصًا أثناء موجات الحرارة الشديدة.
مستوى هطول الأمطار.. خطر محتمل.
تظهر التوقعات انخفاضًا محتملاً في متوسط هطول الأمطار بشمال البلاد، بينما لا يزال الاتجاه غيرمؤكد في باقي المناطق، فمعظم النماذج المناخية ترى أن ارتفاع مستوى الاحترارالعالمي من شأنه؛ خلق مستوى أعلى من التقلب في هطول الأمطار، وتدفق المياه، وهي حالة تزيد مخاطر الفيضانات.
يبلغ متوسط هطول الأمطارالسنوي في مصرأقل من 80 مليمترا، لكن معظمها يسقط على طول الساحل الشمالي والبحرالأحمر. بينما ظلت معظم أنحاء مصر جافة.
لكن، زادت شدة وتواتر سقوط الأمطار المفاجئة في بعض المناطق خلال السنوات الأخيرة، كما حدث في إبريل 2018 بالقاهرة الكبرى؛ مما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي، وتكرر في مارس 2020، حينما ضربت أمطار غزيرة مصحوبة برياح قوية عدة مدن، وألحقت أضرارًا بالمحولات وخطوط النقل والأبراج، وتجاوزت الخسائر المالية في قطاع الكهرباء؛ نتيجة لذلك 13 مليون دولار، بحسب الدراسة.
يُعد المستوى المقدّر لمؤشر المناخ “انفورم” للفيضانات في مصرأعلى بكثيرمن المتوسط العالمي، ما يحمل تأثيرات مختلفة على تقنيتي توليد الطاقة، هما: طاقة الغاز الطبيعي والطاقة الكهرومائية، والتي شكلتا 84٪ و 8٪ من إجمالي توليد الكهرباء على التوالي عام 2020.
تشيرالتوقعات المناخية إلى، أن حوالي ثلث محطات توليد الطاقة العاملة بالغازالطبيعي الحالية ستتعرض لزيادة في أيام الجفاف المتتالية بزيادة 10 أيام في 2080-2100 مقارنة بـ 1850-1900، في سيناريو انبعاثات منخفضة (أقل من 2 درجة مئوية) وأكثرمن 20 يومًا في سيناريو انبعاثات عالية (فوق 4 درجات مئوية).
تتعدى تلك المعدلات المستوى العالمي، فـ 5٪ فقط من محطات توليد الطاقة بالغازعلى مستوى العالم ستتعرض لزيادة تزيد عن 10 أيام في 2080-2100 في سيناريو انبعاثات منخفضة (أقل من 2 درجة مئوية)، وسيشهد 8٪ زيادة بأكثر من 20 يومًا في سيناريو انبعاثات عالية (فوق 4 درجات مئوية).
تبريد محطات الغاز الطبيعي.. خطوات للمعالجة.
بحسب الدراسة، سيصبح العدد المتزايد لأيام الجفاف المتتالية، والتحول العام إلى مناخ أكثر جفافاً مصدر قلق لمحطات توليد الطاقة بالغاز الطبيعي، ففي الوقت الحالي، تستمر غالبية محطات توليد الطاقة بالغاز في الاعتماد على المياه العذبة للتبريد، لكن المناخ الأكثر جفافاً إلى جانب النمو السكاني والتنمية الاقتصادية والعوامل الجيوسياسية؛ يزيد الضغط على تلك المحطات.
ولمعالجة هذه المشكلة، يقوم قطاع الطاقة بمصر باستكشاف المزيد من الخيارات الموفرة لمصادرالمياه البديلة؛ لتبريد محطات الطاقة الغازية، وتم تصميم أحدث ثلاث محطات، تم الانتهاء منها عام 2018 ؛ لتقليل استخدامها.
قدمت محطة توليد كهرباء بني سويف التي تبلغ قدرتها 4.8 جيجاوات، نظام برج تبريد مغلق الحلقة يعيد استخدام مياه التبريد، واعتمدت محطة توليد الكهرباء بالعاصمة الجديدة بطاقة 4.8 جيجاوات على نظام تبريد هوائي مزود بـ 12 مروحة عملاقة، بينما تضمنت محطة توليد كهرباء البرلس بطاقة 4.8 جيجا واط أبراج تبريد رطبة، تعمل باستخدام مياه المتوسط بدلاً من المياه العذبة.
ارتفاع مستوى سطح البحر.. تحذيرات تثير القلق.
أكثر من 30٪ من دلتا النيل عبارة عن منطقة منخفضة (أقل من 2 متر فوق مستوى سطح البحر)، وتواجه مخاطر شديدة مثل تآكل السواحل والعواصف والفيضانات، إذ تشيرالتوقعات المناخية إلى، أن مستوى سطح البحر الأبيض المتوسط يمكن أن يرتفع بمقدار 0.4 مترفي سيناريو انبعاثات منخفضة و0.7 متر في سيناريو انبعاثات عالية بين 2081-2100 مقارنة بفترة 1995-2014.
يعيش 95% من سكان مصر في وادي النيل والدلتا، والعديد من أصول البنية التحتية للطاقة تقع فيهما، فـ39٪ و7٪ من سعة محطة توليد الكهرباء بالغاز والنفط، تقعان في مناطق أقل من 10 أمتار فوق مستوى سطح البحر.
ومن المتوقع، أن تتعرض معظم محطات توليد الطاقة التي تعمل بالغاز، والموجودة في مناطق منخفضة الارتفاع (أقل من 10 أمتار فوق مستوى سطح البحر)، لأكثر من 0.4 متر من ارتفاع مستوى سطح البحر في سيناريو انبعاثات منخفضة، وأكثر من 0.6 مترمن ارتفاع مستوى سطح البحر في سيناريو الانبعاثات العالية في 2081-2100.
من المرجح، تعرض مصافي النفط بالمناطق الساحلية أيضًا لارتفاع مستوى سطح البحر، والآثارالمرتبطة به من العواصف والفيضانات، فحوالي 50٪ من المصافي تقع بمناطق منخفضة الارتفاع ، وهي أعلى من المتوسط العالمي (34٪).
من بين المصافي في المناطق المنخفضة، من المتوقع أن يتعرض 70٪ تقريبًا لارتفاع مستوى سطح البحر بأكثرمن 0.4 مترفي سيناريو انبعاثات منخفضة (أقل من 2 درجة مئوية) في 2081-2100، وفي سيناريو الانبعاثات المرتفعة (فوق 4 درجات مئوية) ستخضع جميع المصافي بالمناطق المنخفضة الارتفاع لأكثر من 0.6 متر من ارتفاع مستوى سطح البحر.
التكيف مع تغيرالمناخ .. إجراءات حكومية للمواجهة.
أجرت مصر دراسة استطلاعية بعنوان الإدارة الساحلية المتكاملة في الساحل الشمالي لمصر، وحددت المناطق المعرضة للآثار المادية لتآكل السواحل، والفيضانات الساحلية والمخاطر الأخرى في ظل سيناريو انبعاثات عالية .
ركزت مصرعلى التكيف مع تغيرالمناخ والقدرة على الصمود في العديد من السياسات الوطنية الأخرى، مثل استراتيجية التنمية المستدامة وإطلاق رؤية مصر 2030 المنشورة عام 2016، والاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050 المنشورة عام 2022، والاستراتيجية الوطنية للحد من مخاطر الكوارث 2030 المنشورة في 2011 وتحديثها في 2017.
في رؤية مصر2030، تم تحديد الطاقة والبيئة على أنهما ركيزتان من الركائز العشرالرئيسية، مع التأكيد على أمن الطاقة، وخفض انبعاثات الكربون في جانب الطاقة، بينما تركز الركيزة البيئية على إدارة المياه وحماية السواحل.
كما تم تطويرالاستراتيجية الوطنية لتغيرالمناخ 2050، من أجل تعزيز قدرة مصر على التكيف والمرونة مع تغيرالمناخ والتخفيف من الآثارالسلبية المرتبطة به، وتعزيز حوكمة الإجراءات، والحفاظ على المساحات الخضراء وتوسيعها، والتأمين على المخاطر، وطرح السندات الخضراء، ودمج التكيف مع المناخ والقدرة على الصمود في مشاريع البنية التحتية، وتقليل الخسائر والأضرار التي تلحق بأصول الدولة وأنظمتها البيئية.
تنظرالخطط المصرية لقطاع الطاقة على أنه ركيزة؛ لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام والتنمية منخفضة الانبعاثات في البلاد، وتستهدف الحكومة أن تشكل الطاقة المتجددة 42٪ من إجمالي إنتاج الكهرباء بحلول عام 2035.
ما المطلوب لمواجهة تداعيات المناخ على الطاقة؟
رغم الإنجازات التي تحققت في تحديد التدابير الفعالة لمقاومة المناخ، لا تزال المناقشات حول مراقبة التنفيذ غير متطورة، لا سيما فيما يتعلق بتكيف قطاع الطاقة وقدرته على الصمود، فعلى سبيل المثال، نادرًا ما تتم مناقشة التقدم في إجراءات التكيف بقطاع الطاقة عند استعراض تدابير التكيف في القطاعات الأخرى (مثل الأمن الغذائي، والمناطق الحضرية، وإدارة المناطق الساحلية).
تساهم الخطط المحلية الخاصة؛ بتطويرخطة الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية، وتنفيذ تدابيرحماية السواحل (مثل الجدران البحرية والحواجزالغاطسة، وتثبيت التربة والتغذية الاصطناعية بالرمل، والهياكل المضادة للفيضانات والحلول القائمة على الطبيعة)؛ في تعزيز المرونة الشاملة ضد ارتفاع مستوى سطح البحر، لكن الأمر يحتاج للمزيد.
يحتاج صناع القرارإلى النظر في مخاطر المناخ عند تحديد مزيج الطاقة، والمواقع وتقنيات التوليد والتبريد واستراتيجيات التشغيل والصيانة، بجانب المزيد من التقييمات للمخاطرالتي تتعرض لها محطات الطاقة والمصافي؛ لمساعدة شركات الطاقة والمستثمرين على دمج مخاطرارتفاع مستوى سطح البحر في خططهم للتشغيل في المستقبل.
تسهم مراجعة وتتبع التقدم المحرز في إجراءات التكيف في التنفيذ الناجح، ومساعدة قطاع الطاقة على تحسين تدابيرالمرونة الخاصة به بشكل أكبر، فرصد الإنجازات في تقييمات تأثير تغير المناخ، وتنويع تكنولوجيات الطاقة، والتمويل والاستثمار في المرونة المناخية، وبناء القدرات المؤسسية والتقنية، يمكن أن يوفر لمحة مفيدة عن الوضع الحالي، ويطور المزيد من الإجراءات؛ لسد الفجوات القائمة.