تسعى جماعة الإخوان مؤخرا لفتح مسارات جديدة لها، والبحث عن داعمين جدد في ظل انحسار الدعم الذي كانت تتلقاه، في أعقاب المصالحات التي جرت بين مصر وقطر من جهة، ومصر وتركيا من جهة أخرى، حيث كانت الأخيرة بمثابة ملاذ آمن، يتحركون من خلاله بسهولة وأمان، وكذا يمارسون العمل السياسي على أراضيها بحرية تامة، قبل أن تبدأ السلطات هناك في التضييق على قيادات ورموز الجماعة، وأعضائها في ظل الخطوات الجادة بين القاهرة وأنقرة؛ لتطبيع العلاقات، والتي تصل ذروتها بالقمة الثنائية المقرر أن تستضيفها أنقرة، بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان نهاية الشهر الجاري.
مؤخرا، بدا واضحا، أن الجماعة تسعى لإحياء العلاقات القديمة بينها وبين المملكة، والتي شهدت أزهى عصورها في أعقاب هروب قيادات التنظيم من مصر، إبان حقبة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حيث نشأت علاقات وطيدة بين قيادات التنظيم ومسئولين بأجهزة سعودية .
عوامل الدفع
وتأتي محاولات التنظيم الأخيرة مدفوعة بعاملين رئيسيين: أولهما ما يثار بشأن؛ الفتور في العلاقات بين القاهرة والرياض على وقع أمور اقتصادية، وتوقف الدعم المالي السعودي لمصر، وإرجاء المملكة صفقات استحواذ خلال الفترة الأخيرة؛ لحين تنفيذ مجموعة من الشروط، منها تعويم الجنيه للوصول لسعر حقيقي للعملة المحلية، وهو الأمر الذي تجد فيه الحكومة المصرية صعوبة بالغة؛ نظرا لما له من تداعيات سلبية على المستوى الشعبي والاجتماعي.
أما العامل الآخر، فهو لعب قيادة التنظيم على وتر طموح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي يسعى، لتقديم نفسه كرجل المنطقة القوي، والممسك بكافة خيوط الأزمات بها، وامتلاكه لصلاحيات ونفوذ واسع، يجعله قادرا على إنفاذ ما يقتنع به من رؤى وتوجهات.
غزل صريح
في أعقاب انتهاء موسم الحج لهذه العام، أصدر التنظيم ( جبهة لندن ) التي يتزعمها صلاح عبد الحق، والتي تعد الجناح الأقوى بين الجناحين المتصارعين على قيادة الجماعة وتمثيلها، بيانا أغدق خلاله الثناء على قيادة المملكة؛ بشأن مستوى تنظيم فريضة الحج هذا العام، كما جاء البيان الذي نشر على الموقع الرسمي، و الحسابات الرسمية للتنظيم بمواقع التواصل الاجتماعي، مرفق بصورة تضم العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده محمد بن سلمان .
وقالت الجماعة في بيانها: ” بمناسبة قرب انتهاء موسم الحج لهذا العام (1444هـ / 2023 م)، يطيب لجماعة الإخوان المسلمين أن تبارك جهود المملكة العربية السعودية –قيادة وشعبًا- في خدمة حجاج بيت الله الحرام؛ تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان بن عبد لاالعزيز، وولي عهده سمو الأمير محمد بن سلمان “.
وأضاف البيان: ” كما تبارك لشعب المملكة، ولجميع القائمين على موسم الحج هذا العام من وزارات وهيئات وأفراد؛ لما قدموه وبذلوه من جهود كريمة في خدمة حجاج بيت الله الحرام، وما أظهروه من حرص على تيسير أداء الفريضة”.
كما أثنت الجماعة على جهود أجهزة الأمن السعودية، ووزارة الداخلية بالمملكة مشيدة بـ” القدرة الفائقة في التنظيم والتأمين التي تولتها وزارة الداخلية وقوى الأمن”.
الموقف الأخير الذي جاء في البيان بمفرداته المنتقاة بعناية شديدة من جانب من صاغوه، يمثل انقلابا في خطاب الجماعة، وموقفها تجاه المملكة في الوقت الذي تصنف فيه الرياض الجماعة تنظيما محظورا، وتعتبرها ” إرهابية”.
ظروف مواتية
في هذا الإطار، يقول مصدر مقرب من قيادة التنظيم ( جبهة لندن)، إن إدارة الملف السياسي للجماعة انتهت مؤخرا من رؤية تتبنى سياسة تصفير المشكلات، والأزمات مع أنظمة المنطقة، وربما يكون ذلك مفهوما في ظل ما يعانيه التنظيم من حالة تفكك، فعلى غرار اضطرار الدول الكبرى في الإقليم؛ لإعادة صياغة وهيكلة أوضاعها وعلاقتها بمحيطها، وفي ظل الضغوط الدولية والأوضاع الاقتصادية التي هزت الأنظمة المالية لكبريات الاقتصادات، مثل سياسة خفض التوتر التي تتبعها دول الخليج مع إيران، وكذلك سياسة تصفير المشكلات التي اتبعتها تركيا مؤخرا، ودخولها في مصالحات مع الإمارات ومصر والسعودية رغم بلوغ العلاقات بينهم مستوى من التوتر في أوقات سابقة، وصلت حد الصدام.
وحول ما إذا كان التوجه الأخير من جانب التنظيم، يأتي على ضوء تفاهمات، أو تحول عملي جرى على أرض الواقع، بين الجماعة وأطراف في المملكة، يقول المصدر الذي تحدث لـ” مصر 360″: ” لا يمكن القول، بأن هناك لقاءات حدثت أو حتى اتصالات مباشرة، الأمر ربما يكون منحصرا في توجه جديد من جانب الجماعة، وتقديرها أن الظروف قد تكون مواتية، ومن منطلق المثل القائل، إذا هبت رياحك اغتنمها “.
ماذا عن ابن سلمان
لا يخفى على أحد الموقف العدائي، والمتشدد من جانب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تجاه جماعة الإخوان، وهذا الموقف يظهر بوضوح خلال كافة الأحاديث الصحفية والإعلامية له، لكن في الوقت نفسه، لا يمكن اعتبار ذلك موقفا مبدئيا لا رجعة عنه بالنسبة لولي العهد، فهو نفسه الذي أعاد العلاقات مع أنقرة رغم ما تخلل فترة التوتر من تعهدات تركية؛ بإنهاء وجوده من المشهد على وقع جريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده بإسطنبول.
إضافة إلى ذلك، موقف ابن سلمان من إيران، والذي يكاد يتطابق مع موقفه من الإخوان، فانتقاداته اللاذعة لطهران، ونظام الحكم هناك مسجلة في الكثير من أحاديثه، لكن في النهاية عندما تلاقت المصالح، ومن منطلق برجماتي واضح في إطار سعي الرياض؛ لتأمين مصالحها وتوسيع نفوذها، اتفق الجانبان بواسطة صينية على استئناف العلاقات.
ويضاف لموقف ابن سلمان من تركيا وإيران، موقفه من حركة المقاومة الفلسطينية حماس الذي تحول بشكل جذري خلال الفترة الأخيرة، فبعد قطيعة سياسية تخللها الكثير من التوتر، وصل حد إلقاء القبض على عدد من أعضاء الحركة بالمملكة، وممثلها هناك، وصدور أحكام قاسية بالسجن ضدهم، زار وفد حمساوي بقيادة إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي للحركة، المملكة العربية السعودية؛ لأداء مناسك العمرة في إبريل/ نيسان الماضي، في زيارة ظاهرها ديني، وباطنها سياسي، ورحبت المملكة بتلك الزيارة، ثم تلاها زيارة مماثلة خلال موسم الحج، والتقطت عدسات المصورين حجم الحفاوة التي كان يتم التعامل بها مع وفد الحركة، وتأمينه من جانب أجهزة الأمن السعودية.
أقرأ أيضا: مرشد الإخوان الجديد.. هل يضم بن سلمان الجماعة لقائمة مفاجآته؟
لا يجد الأمير الشاب غضاضة في تكسير الجمود، والروتين الراسخ في بعض معتقدات وثوابت المملكة، لا سيما في ملف العلاقات الخارجية، كما يمتلك مرونة تسهل له الانقلاب على مواقفه الشخصية، ما دام أن ذلك يخدم توجهاته وطموحه.
برجماتية ولي العهد السعودي تجلت بوضوح في حديث صحفي له مع مجلة “ذي أتلانتك” الأمريكية في إبريل 2018، خلال رده على سؤال حول تمويل الجماعات الإرهابية، في سياق حواره قائلا: “عند التحدث عن تمويل الجماعات المتطرفة في فترة ما قبل عام 1979، فإننا نتحدث عن فترة الحرب الباردة، حينما كانت الشيوعية منتشرة في مختلف أرجاء العالم، وشكلت تهديدا على الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وعلينا أيضا ( السعودية).
وتابع “عملنا، في ذاك الوقت مع أي طرف، يمكننا من خلاله التخلص من الشيوعية، من بينهم جماعة الإخوان المسلمين، وقمنا بتمويلهم في السعودية، نافيا أن يكون تمويل “الإخوان المسلمين” خطئا، وأكد أنه لو عاد الزمن سيفعلون نفس الشيء، لأن السعودية كانت تواجه خطرا كبيرا، أرادت التخلص منه.
في هذا الصدد يقول مصدر مقيم في تركيا مقرب من الجماعة، إن قيادة التنظيم في لندن، وجدت في تحول موقف السعودية الأخير من حركة حماس فرصة إشارة؛ لإمكانية عودة الاتصالات مع المملكة، مضيفا ” فرغم اختلاف الموقف بين “حماس” و”الإخوان” إلا أن القاعدة واحدة، وهي أن قيادة المملكة عندما تجد مصلحة لها في مسار ما لا تتوانى في أن تسلكه.
ما الذي يمكن أن تقدمه الجماعة للمملكة؟
بالنسبة للجماعة، والمكاسب التي يمكن أن تعود على السعودية وسط توجهات الجانبين في الوقت الراهن، يقول المصدر: “السعودية خسرت من الحرب على الإخوان والإسلاميين، ومجرد توقف استهدافهم سيحقق لها مكسبا، حتى لو لم يقدموا لها شيئا ” متابعا ” في هذا الإطار يمكن النظر هنا للصورة السلبية للإمارات”.
في المقابل، فإن أعين أي طرف يتحالف مع التنظيم، تكون دائما على انتشاره عالميا، وأذرعه في عدد من الدول، وحجم ومساحات نفوذ تلك الأذرع، حيث تشارك في بعض الدول في منظومة الحكم، وهو ما يضمن دعما لتوجهات أي حليف لهم على مستوى الدول التي ينتشرون بها.
وفي هذا الصدد أيضا، يقول المصدر، إن القائم بالأعمال الجديد صلاح عبد الحق ، استطاع مؤخرا ، أن يحصل على مبايعة أفرع التنظيم في الدول المختلفة، بعدما نأت قيادات تلك الأفرع بنفسها عن الصراع الداخلي للتنظيم، بين جبهتي لندن وإسطنبول التي ضعفت بشدة خلال الفترة الأخيرة، وباتت مجرد كيان وهمي.