النساء في لبنان هن الأكثر معاناة من غياب قانون مدني للأحوال الشخصية، يضمن لهن المساواة فيما بينهن وأيضا فيما بين المواطنين والمواطنات بشكل عام، وفي لبنان يكتسب المواطن هويتين الأولى ” عامة هوية المواطن اللبناني”، والثانية ” خاصة هوية الطائفة والملة”، وهناك 18 طائفة معترف فيها، وتعكس هذه الهوية واقع التعدد.
ورغم توقيع لبنان على اتفاقية “سيداو ” التي تقضي على كافة أشكال التميز ضد المرأة، إلا ان قوانين الأحوال الشخصية المختلفة والتي تبلغ 15 قانونا وفقا للطوائف المتنوعة الموجودة في لبنان، لازالت تتضمن مواد تحمل في طياتها تميزا ضد المرأة اللبنانية.
وتعدّ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، منذ اعتمادها في العام 1979، الورقة الحقوقية العالمية الأكثر شمولاً لمفاهيم حقوق المرأة الحديثة. ووقعت الدول العربية على الاتفاقية، باستثناء السودان والصومال، بعد أن تحفظت عن بعض موادها.
وتخضع الأحوال الشخصية الى مجموعة من القوانين المدنية والمذهبية، اللبنانية والأجنبية، بعضها يطبق أمام المحاكم المدنية وأخرى تطبق أمام المحاكم المذهبية.
حضانة الأولاد وقوانين الأحوال الشخصية:
لا تتضمن قوانين المحاكم الدينية في لبنان مبدأ الحضانة المشتركة، وتعطي الأم حق الحضانة حتى سن معينة. ويختلف عمر الحضانة بين الطوائف، لكن المحاكم الجعفرية (الشيعية) تشتهر بالحدّ الأدنى.
ورأت منظمات حقوقية أنّ الأزمة أبعد من أحكام حضانة متشدّدة لدى طائفة واحدة. فبحسب دراسة نشرتها هيومن رايتس ووتش عام 2015، فإنّ القوانين لدى جميع الطوائف في لبنان لا تراعي المصلحة الفضلى للطفل، وتعطي الحضانة للأب في أغلب الحالات “لأسباب بطبيعتها تمييزية ضد المرأة.
زواج القاصرات وقانون الأحوال الشخصية
ظاهرة زواج القاصرات في لبنان تتفاقم في لبنان بسبب وجود 18 طائفة، يتعدى نفوذها قوانين الأحوال الشخصية، وتمارس الطوائف تزويج الصغيرات وفق معتقداتها الدينية بعيداً عن أيّ معطيات أخرى.
وحددت كل طائفة وفق قوانينها الشرعية سناً أدنى للزواج، حيث تشجع الطائفتين السنية والشيعية على زواج القاصرات أقل من18 عاما، وترفض أن تسحب منها أحقية التحكم بقوانين الأحوال الشخصية، أما الطوائف المسيحية تدعو إلى منع زواج القاصرات، رغم أن قوانينها قد تسمح للمطران بإعطاء إذن للفتاة بالزواج تحت سنّ الـ 18.
وفي عام 2017 أعد التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني مشروع قانون تقدم به النائب إيلي كيروز إلى مجلس النواب عن كتلة “القوات اللبنانية”. ويحدد المشروع السن الأدنى للزواج بـ 18 عاماً على الأراضي اللبنانية كافة دون أي استثناء، مع تشديد العقوبات على المخالفين. لكن حتى الأن لم ينظر لمشروع القانون.
الطلاق بإرادة منفردة
في الوقت الذي تستجيب المحاكم اللبنانية لطلب الرجل بالطلاق، نراها تضع المعيقات أمام حصول المرأة على هذا الحق في دعاوى التفريق التي يمكن تقديمها لسببين (الشقاق والنزاع وعدم الإنفاق) والتي يمكن أن تستمر لسنوات طويلة، فقوانين الأحوال لشخصية تعطي الزوج حق إيقاع الطلاق بدون أسباب ولا يمكن للزوجة إيقافه أو منعه أو حتى الجدل فيه. بالإضافة إلى حالات الطلاق الرجعي الذي يشكل تصفه المنظمات النسوية بالعنف المزدوج والذي يسمح للرجل ويمكنه من إرجاع زوجته في العدة ولا حاجة لرضاء المرأة ولا لمهر جديد.
نقص أهلية المرأة
المساواة بين الرجل والمرأة والشراكة في الأسرة تتوقف على الإقرار بالمساواة بالأهلية القانونية. لكم حتى الآن لم يحسم بعد أمر اكتساب المرأة لأهليتها القانونية الكاملة في نظام الأحوال الشخصية، وهو يعود إلى الظهور من وقت لآخر في معرض توضيح سياسة الدولة التشريعية في مواضيع الأحوال الشخصية.
التمييز ضدالنساء وسياسة الدولة التشريعية
يعتبر التمييز ضد النساء في قوانين الأحوال الشخصية في صلب سياسة الدولة التشريعية. فبالرغم من التزام لبنان بمبادئ حقوق الإنسان في متن الدستور، والتزامه تجسيد الدولة لهذه المبادئ في كل المجالات بدون استثناء، إلا أن الدولة في سياستها التشريعية فيما يتعلق بالنساء غير ملتزمة بالدستور.
ورأت منظمات حقوقية لبنانية إن هذا الأمر ظهر بوضوح في التحفظات التي وضعتها الدولة عند التوقيع على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وعند اتخاذ الموقف من البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وأيضا في الموقف من الزواج المدني.
وسجل المشرع اللبناني تحفظه على المواد 9 و16 و29 في اتفاقية سيداو، حيث تشير المادة 9 إلى المساواة في منح الجنسية للأولاد، والمادة 16 تؤكد على المساواة بالحقوق والواجبات عند الزواج وثنائه وعند فسخه، والمادة 29 تشير إلى احتكام الدول الموقعة على الاتفاقية إلى محكمة العدل الدولية في سبيل تطبيق الاتفاقية.
منح الأم الجنسية لأولادها
رغم إقرار اتفاقية سيداو التي وقع عليها لبنان على المساواة في منح الجنسية للأولاد، إلا أن القوانين اللبنانية لازالت تتعنت في ذلك، فوفقا لأخر دراسة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العام 2009 قدرت عدد النساء المتضررات من قانون الجنسية الحالي 80 ألف إمرأة لبنانية بين عاميّ 1995- 2008 فقط.
وبالرغم من تعدد الحملات التي انطلقت خلال العشرين عاما الماضية للمساوة في حق منح الجنسية، وكان من بينها حملة “جنسيتي حق لي ولأسرتي” في العام 2002، إلا أن تلك الحملات لم تلق صداها حتى الآن.
وكانت الحملة قد قدمت مشروع قانون لمنح الجنسية لأبناء مع النائب عماد الحوت منذ العام 2011، وحتى الآن يقبع في الإدراج.وتشير غياب الاحصاءات إلى عدم وضوح الأولويات والخطط للحركات النسائية. وهو ما أكدته عضو المكتب التنفيذي في الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية عفيفة السيد.
تعنت ورفض للقانون المدني لحل الأزمة
ترى المنظمات الحقوقية والنسوية في لبنان أن القانوني المدني سيساهم في إيجاد بيئة قانونية تشجع على تفعيل حقوق الإنسان. كما أنه سيساهم في الخروج من الشرخ العامودي الذي يتسبب به انغلاق الطوائف، ويعيد شبكة العلاقات الأفقية بين المواطنين. بالفعل، أقر مجلس الوزراء بتاريخ 18/3/1998، مشروع قانون الأحوال الشخصية الاختياري الذي أطلقت عليه تسمية مشروع الرئيس الهراوي وصوت عليه إثنان وعشرون وزيرا، أي أكثر من ثلثي مجلس الوزراء. لكن ثورة عارمة قامت ضده، فطوي ملفه قبل أن يعرض على مجلس النواب.