حالة من الفوضى تشهدها دولة النيجر الواقعة في غرب إفريقيا، في أعقاب سيطرة حرس الرئاسة على المجمع الرئاسي في البلاد، واحتجاز الرئيس محمد بازوم، وإعلان مجموعة من العسكريين عزله.
وتحظى النيجر بأهمية استراتيجية كبيرة بحكم موقعها، وتأثيرها في معادلة الأمن بمنطقة الساحل والصحراء، التي ينشط بها الكثير من المجموعات التكفيرية التابعة لتنظيمي القاعدة وداعش، بخلاف عصابات التهريب، والهجرة غير الشرعية، والإتجار بالسلاح، والتي تتخذ من أراضي النيجر معبرا لها نحو أوروبا مرورا بليبيا والجزائر.
ومع اندلاع الفوضى في العاصمة نيامي صباح أمس السادس والعشرين من يوليو الجاري، باتت هناك مجموعة من التساؤلات في ظل حالة من الغموض، بشأن ما إذا كان ما يجري من جانب قوات الحرس الرئاسي هو محاولة انقلاب عسكري، تضاف إلى أربع محاولات سابقة، شهدتها النيجر، منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، أم أنها صراع قصر داخل الحزب الذي ينتمي له بازوم، وكذلك ما إذا كان ما يحدث يأتي كحلقة من حلقات الصراع بين فرنسا، وروسيا في تلك المنطقة التي ينشط في كثير من بلدانها عناصر شركة فاجنر الروسية.
ثمة تساؤل آخر حول تأثير ما يجري في النيجر على دول الجوار، والتي يعاني معظمها أوضاعا أمنية هشة نتيجة المواجهات المتواصلة مع تنظيم داعش في إفريقيا.
انقلاب أم صراع قصر؟
تشير المعلومات المتواترة من العاصمة نيامي، ومن العواصم المجاورة، إلى أن الرئيس بازوم رغم احتجازه من جانب المتمردين، إلا أنه يملك حرية التواصل مع زعماء القارة الإفريقية عبر هاتفه الشخصي.
وبينما تتوالى الدعوات الدولية إلى التهدئة، وعدم الانزلاق إلى الفوضى في ظل تأكيد الرئاسة عبر بيان لها، أن “الجيش لم يدعم الحرس الرئاسي في احتجاز رئيس البلاد “، مؤكدة أن “الجيش جاهز لمهاجمة الحرس الرئاسي، إن لم يتراجع عن احتجاز الرئيس “، أوردت مجلة “جون أفريك” الفرنسية، أن رئيس النيجر استطاع الاحتفاظ بهاتفه، وتمكن من إجراء مكالمات مع الرئيس الإيفواري، الحسن واتارا، ورئيس غينيا بيسار أومارو سيسوكو إيمبالو، والرئيس الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني، والرئيس النيجيري، بولا أحمد تينبو.
أوضحت المجلة الفرنسية ذات الطابع الاستخباري، أنها حاولت الاتصال برئيس النيجر، يوم أمس الأربعاء، فرد عليها برسالة نصية مقتضبة يقول فيها: “سنصمد”.
واستطردت، أن رئيس النيجر يتحرك دبلوماسيا من أجل وضع حد للأزمة، فتحدث إلى عدد من الوسطاء، ولم يتوان أيضا عن الحديث إلى الجنرال عبد الرحمن تشياني، وهو قائد الحرس الرئاسي، الذي يشتبه في أن يكون وراء المحاولة الانقلابية الجارية.
في مقابل الرواية الخاصة، بكون ما يحدث هو انقلاب عسكري، يرى إدريس آيات الخبير الاستراتيجي النيجيري، أن ما يجري هو صراع نفوذ بين عناصر النظام الحاكم، ممثل في الرئيس السابق محمد أسوفو، والحالي محمد بازوم.
مشيرا إلى، أن الحالة في النيجر قبل تلك المحاولة كانت أقرب لثنائية بوتين ميدفيديف، في إشارة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الروسي السابق، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي حاليا، دميتري ميدفيديف، حينما تبادلا السلطة في وقت سابق، قائلا: “لكن في حالتنا (النيجر) يبدو أنّ ميديفيديف (بازوم) الفائز في الانتخابات الرئاسية عام 2021، حاول تقليص نفوذ أسوفو بإقالة عناصر موالين له، وما يحدث رسالة إلى بازوم”.
وأوضح، أن عناصر النظام السابق الذين يقفون خلف ما يجري، سيسعون خلال الفترة القريبة المقبلة إلى تقديم تطمينات لفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم التمهيد لتفاهمات في الحزب الحاكم في النيجر؛ لتهيئة من سيخلف بازوم في الساعات القادمة، كون جميع المعاقل السياسية للحزب موالية للرئيس السابق محمد أسوفو.
وكان بازوم قد شهد تذبذبًا في سلطته بعد انتخابه، وقبيل تنصيبه في عام 2021، حين دوى في المدة من 30 إلى 31 مارس إطلاق نار كثيف بالقرب من الرئاسة، وأعلنت السلطات حينها اعتقال متمردين، والسيطرة على ما وصفته بمحاولة انقلاب.
وبمحاذاة ذلك، أشارت تقارير عن خلافات وقعت بين بازوم، وتشياني قائد الحرس الرئاسي، على قائمة بعض التعيينات في الحرس، والمؤسسات الأمنية، لافتة إلى أن بازوم استبدل بعض القيادات، والموظفين على أمل الاحتراز من أي تقلبات أمنية.
صراع روسي فرنسي؟
تعد منطقة الساحل الإفريقي التي تضم إلى جانب النيجر كل من تشاد، ومالي، وموريتانيا، وبوركينا فاسو، منطقة جيو سياسية فرنسية، وتوجد بالعاصمة النيجرية نيامي قاعدة جوية فرنسية، تضم مقاتلات من طراز رافال ومسيرات ومروحيات قتالية، ويقدر عدد الجنود المتواجدين بها نحو ألف جندي.
ويرجع ظهور مجموعة فاجنر في البلد الغني باليورانيوم، لما بعد عام 2020، وبالتحديد بعد الانقلاب العسكري الذي حدث وقتها، إذا استعان المجلس العسكري الذي استحوذ على السلطة بعناصر فاجنر، بعدما خرجت مظاهرات شعبية، ترفض استمرار تواجد القوات الفرنسية.
وفي أغسطس 2022، عندما أعلنت فرنسا انسحابها من مالي الجارة الغربية، أعادت نشر 400 جندي في النيجر، وسط احتجاجات عارمة رُفعت خلالها أعلام روسيا.
ثمة مؤشر آخر، أثار التساؤلات بشأن طبيعة ما شهدته النيجر صباح الأربعاء، والأطراف التي تقف خلفه، وهو تداول صورا للجنرال ساليفو مودي على نطاق واسع في عدد من المناطق، والترويج له كقائد للمرحلة الانتقالية التي ستعقب الإطاحة بِبازوم، وفق ما تم ترويجه.
الجنرال ” مودي” كان رئيس هيئة الأركان، لكن تمت إقالته بعد فترة وجيزة من زيارته لكل من مالي وبوركينا فاسو، ودعوته الصريحة للتعاون مع مالي. حيث ذكرت تقارير بعدها، أن دعوة ” مودي” قوبلت بغضب فرنسي، ليتم بعدها تعيينه سفيرا للنيجر في الإمارات.
ما الذي ينتظر دول الجوار وأوروبا؟
تشكل الاضطرابات في النيجر تحديا أمنيا لدول الجوار في المنطقة التي تعد نقطة تجمع للخارجين عن القانون، ومركزا لشبكات الجريمة المنظمة المختلفة، وتهريب الأسلحة والمخدرات.
وتأتي الجزائر على رأس المتضررين مما يجري من فوضى، إذ تتشارك مع النيجر في حدود تصل لنحو 956 كيلومترا، حيث تقع مدينة “أساماكا” النيجرية في قلب الصحراء على بعد 15 كيلومترا فقط من الحدود النيجرية مع الجزائر، وهي مفترق طرق بالنسبة للمهاجرين غير الشرعيين.
كذلك الأمر بالنسبة لليبيا، إذ يبلغ طول الحدود الليبية النيجرية 342 كيلومترا، وتمتد من النقطة الثلاثية مع الجزائر في الغرب إلى النقطة الثلاثية مع تشاد في الشرق، مع الأخذ في الاعتبار الوضع الأمني غير المستقر في ليبيا، ما يعني أن الاضطرابات في النيجر، ستفتح طريقا سهلا لجماعات التهريب والجماعات المتطرفة.
وأمام خطورة الموقف، سرعان ما عبر رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة عن قلقه من الأحداث، لافتاً إلى أن التحركات العسكرية هناك، تشكل “مصدر قلق” للدول المجاورة، داعيا عبر حسابه على تويتر إلى “وضع حد فوري لهذه التحركات العسكرية التي تقوض أمن المنطقة واستقرارها، وتشكل مصدر قلق لجميع البلدان المجاورة والمجتمع الدولي ككل”.
كما يشكل الوضع في النيجر أزمة كبيرة لتشاد التي ترتبط بحدود تصل لنحو 1,175 كيلومترا، إذا تشكل فرصة سانحة لتدفق السلاح للجماعات المتمردة في شمال غرب تشاد.
إذا وقعت النيجر في اضطرابات شديدة، سينعكس هذا على زيادة نشاط الجماعات الإرهابية في النيجر، ودول الساحل والصحراء المجاورة، كما أنه سيعطي مزيدا من الفرص لعصابات الهجرة غير الشرعية التي تمارس عمليات التهريب على الحدود بين النيجر، وتشاد ومالي إلى شمال إفريقيا وشواطئ أوروبا.
وينشط في تلك المنطقة جماعة نصرة الإسلام الموالية لتنظيم القاعدة، والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وكذلك تنظيم داعش غرب إفريقيا وبوكو حرام في نيجيريا التي لها حدود مع النيجر.
ولدى تنظيم داعش والقاعدة خلايا في ليبيا، ترى في دخول النيجر فرصة سانحة؛ لإعادة نفوذها في المنطقة، وخاصة في الجنوب الليبي ومثلث الحدود بين النيجر وليبيا والجزائر.
وتقدر تقارير دولية غير رسمية السلاح المتداول في أيدي العصابات بجميع أنحاء منطقة الساحل والصحراء ومنطقة جنوب الصحراء الكبرى بنحو 15 مليون قطعة.