أصدر مركز دام للدراسات السياسية والاقتصادية ورقة حقوقية جديدة، تتناول قضية حرية تداول المعلومات في مصر، وفرص وتحديات إصدار قانون حرية وتداول المعلومات.
وتأتي الورقة التي كتبها الباحث ماريو ميخائيل في ظل مناقشات، ومطالب حول إصدار قانون لحرية تداول المعلومات ضمن جلسات “الحوار الوطني”.
وتتضمن الورقة عرضا سريعا للمواثيق الدولية المتعلقة بحرية تداول المعلومات، إضافة إلى مواد الدستور المصري المتعلقة بالحق في المعرفة، كما تشير إلى تجارب بعض الدول في إصدار قوانين حرية تداول المعلومات، منها بريطانيا وفيتنام.
وتناقش الورقة أيضا مسودات القانون المقترحة، والعوامل السياسية والبيروقراطية التي تؤثر سلبا على حرية تداول المعلومات، وتنتهي الورقة بتقديم توصيات؛ بشأن قانون لحرية المعلومات يلبي حاجات ملحة، ويفي باستحقاق دستوري طال انتظار وضعه موضع التطبيق.
للاطلاع على الملف كاملا
حرية تداول المعلومات في المواثيق الدولية
تعد حرية المعلومات من الحقوق الرئيسية التي ذكرت في مواثيق حقوق الإنسان الدولية، حيث ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته 19 بأن “لكلِّ شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار، وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود”.
الدستور المصري
أكد الدستور المصري على الحق في حرية تداول المعلومات، وجعل الدستور قانون حرية تداول المعلومات استحقاقا بموجب المادة 68، والتي تنص على إتاحة البيانات والمعلومات للمواطنين، والتزام الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، كما حمل النص الدولة التزامها بحماية البيانات الرسمية.
الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان
تشدد الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في محورها الأول، على أن من التحديات التي تواجه حرية التعبير، “عدم وجود إطار قانوني ينظم الحصول على المعلومات، والبيانات والإحصاءات الرسمية وتداولها”، ولذلك وضعت الاستراتيجية إصدار قانون حرية تداول المعلومات من مستهدفاتها الرئيسية.
لماذا قانون حرية المعلومات مهم؟
يعني وجود قانون لحرية تداول المعلومات ضمان عناصر الحكم الديمقراطي، وحقوق المواطنين، ومن خلاله تتحقق الشفافية والانفتاح، ذلك عن طريق جعل السجلات الحكومية، وعمليات صناعة القرار شفافة ومتاحة ومفتوحة للجمهور، كما تساعد الشفافية على مكافحة الفساد (Birkinshaw، 2006).
كما تقي حرية تداول المعلومات من أن يتم التلاعب، أو إساءة استخدام المعلومات من قبل الحكومات أو المؤسسات الرسمية والبيروقراطية المختلفة (Mutula، 2006).
لا يتوقف الأمر على مسألة الديمقراطية، حيث يؤثر وجود قانون حرية تداول المعلومات على التنمية الاقتصادية بشكل إيجابي من خلال إعلام، وتبصير المواطنين بالمعلومات التي تمكنهم من المشاركة في صناعة السياسات، ومحاسبة الحكومة تلك المشاركة الديمقراطية، بالإضافة إلى أن إتاحة المعلومات يشجع الشركات على الاستثمار (Mutula، 2006).
وحسب خبراء، تعزز حرية المعلومات حقوق الإنسان والمشاركة السياسية والديمقراطية والحوكمة والتنمية الاقتصادية، ولمجمل هذه الأسباب، أصبحت قوانين تداول المعلومات من التشريعات المحورية دوليا.
الخبرات السابقة
وعن الخبرات السابقة في إصدار قوانين تضمن حرية تداول المعلومات، هناك أكثر من 70 دولة، بها قوانين تضمن حرية الوصول للمعلومات، يتشاركون في عناصر رئيسية تتعلق بجعل المعلومات الحكومية والعامة متاحة للجمهور.
من أشهر التشريعات المتعلقة بحرية تداول المعلومات هو قانون بريطانيا، والذي يعطي الحق للجمهور للوصول إلى أي معلومات تحتفظ بها السلطات العامة، وبموجب القانون توفر السلطات للأفراد المعلومات خلال 20 يوما (Lee، 2005).
وتظهر تجارب بعض الدول النامية مشكلات بشأن تطبيق قوانين حرية تداول المعلومات، منها ضعف البنية التحتية الرقمية اللازمة؛ لتخزين البيانات وسوء حفظ المعلومات. فقانون تداول المعلومات في سيرا ليون من الأفضل حول العالم، ولكن بسبب سوء إدارة السجلات، لا يستفيد المواطنون من القانون (Thurston، 2015).
وفي مستوى آخر، خاصة في النظم غير الديمقراطية، لا يحمل قانون حرية تداول المعلومات آثارا إيجابية تذكر؛ بشأن الوصول للمعلومات وحرية تداولها، على سبيل المثال، في فيتنام لم تسهل مواده الوصول للمعلومات، كما استخدم من قبل الحكومة الفيتنامية للدعاية السياسية (Ha & Phuong، 2017).
معوقات الوصول إلى المعلومات
يساهم وعي المواطنين في تطبيق قانون حرية تداول المعلومات، وتحقيق أهدافه، والاستفادة منه (Perez et al.، 2020). ومن أجل تفعيل القانون ومساهمة المواطنين في التفاعل معه، يجب استخدام الوسائل التكنولوجية؛ لتسهيل طلب المعلومات، ورفع وعي المواطنين (Perez et al.، 2020).
ولكن بشكل عام، تشكل مسألة عدم قدرة المواطنين على الوصول إلى المعلومات عيوبا منهجية في قوانين تداول المعلومات القائمة، فأغلب تلك القوانين مصممة للأفراد الذين لديهم الوعي، والقدرة والوقت لطلب المعلومات من خلال الإجراءات الرسمية (Noveck، 2017).
ولتخطي هذا العائق، تم تطوير مقاربة جديدة، ترتكز على حقوق الإنسان وإطلاق حرية المعلومات، ذلك باستخدام الوسائل التكنولوجية، والتي يطلق عليها البيانات المفتوحة، وتعتمد تلك المقاربة على جعل المعلومات الحكومية، والرسمية متاحة بشكل دوري للعامة من خلال الإنترنت، وبالفعل طبقت العديد من الدول مثل، الولايات المتحدة والبرازيل والمكسيك أسلوب البيانات المفتوحة (Noveck، 2017).
ويسهم رفع الوعي واستخدام التكنولوجيا؛ لتسهيل طلب المعلومات والبيانات باتباع مقاربة البيانات المفتوحة التي تضمن وصول المعلومات للجميع بغض النظر عن وظيفتهم أو وضعهم المادي، كل هذا يسهم هذا في تفعيل القانون بشكل يكفل حقوق المواطنين وتحقيق العدالة لهم وفيما بينهم.
التجربة المصرية
مسودات رسمية تنتقص من حرية تداول المعلومات
في عام 2017، قدم المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام مسودة قانون لحرية تداول المعلومات على الرغم من أهمية تلك الخطوة، إلا أن هناك بعض المشكلات التي شابت المسودة.
انتقد البعض المسودة، لكونها توقع عقوبات مخففة على الموظفين المخالفين الذين يحجبون المعلومات، بالإضافة إلى العائق الذي قد يواجه المواطنين بسبب؛ التكلفة المرتبطة بالحصول على المعلومات، كما ثار قلق حول مادة تتيح استخدام الأمن القومي كمبرر لحجب المعلومات (فرج، 2017). .
كذلك طرحت وزارة العدل مشروعا جديدا لقانون لحرية تداول المعلومات، ولكن هذا المشروع لم يسلم من المواد المثيرة للجدل أيضا. فجاء المشروع بلا تعريف واضح للأمن القومي، كما تم استثناء جهات بأكملها مثل، القوات المسلحة والمخابرات العسكرية من تطبيق القانون (بدلا من استثناء وثائق ومعلومات محددة)، بالإضافة إلى عدم استقلالية عن المركز القومي للمعلومات.
حرية تداول المعلومات ومعوقات الواقع المصري
من الظواهر الإيجابية للحوار الوطني، هو عودة النقاشات حول قانون حرية تداول المعلومات بشكل جاد، استعدادا لمناقشته في البرلمان. ولكن القانون وإن كان مثاليا، قد لا يضمن بالضرورة حرية تداول المعلومات، حين تكون البيئة الإدارية والسياسية غير جاهزة أو تعوق مبدأ حرية تداول المعلومات.
تقف عوامل إدارية وبيروقراطية كتحد يعطل حرية تداول المعلومات، إذ تتسم البيروقراطية المصرية بالبطء وكثرة الإجراءات، مما قد يعوق عملية التحصل على المعلومات ويطيل من زمن الإجراءات.
كما تعاني الإدارات المحلية من انتشار الفساد، وعدم الكفاءة، ونقص الموارد، وسوء استخدامها، وتعقيد وتداخل نظامها الإداري، وغياب القيادات وسيطرة العلاقات الشخصية على نظامها الداخلي بدلا من الكفاءة (مرعي، 2017)
ويشير المؤرخ خالد فهمي، أن هناك العديد من الوثائق غير متاحة للجمهور، ومنها وثائق مجلس الوزراء ووزارة الخارجية، وحتى الوثائق المتعلقة بالتاريخ المصري الحديث والمعاصر، كثير منها محجوبة، ولا يوجد وسيلة للإطلاع عليها، وحسب فهمي يتطلب الاطلاع على بعض الوثائق المحفوظة في دار الوثائق القومية تصاريح أمنية تتسم بغموض إجراءاتها.
الحجب
بجانب العوامل الإدارية، فهناك ممارسات من قبل السلطات تضيق من حرية تداول المعلومات، من أبرز تلك الممارسات هي، حجب المواقع الإلكترونية. بحسب إحصائيات وصل عدد المواقع المحجوبة إلى 600 موقع إلكتروني، من بينهم مواقع صحفية ومواقع تهتم بقضايا حقوق الإنسان (المنصة، 2022). ومؤخرا تم حجب موقعي مصر 360 والسلطة الرابعة لينضموا إلى قائمة المواقع المحجوبة.
تشريعات سالبة للحرية
تشير وحدة الأبحاث بمؤسسة حرية الفكر والتعبير إلى تاريخ المنع بوصفه ممارسة قديمة، على سبيل المثال، القانون رقم 20 لسنة 1936، يختص بالمطبوعات، وتنص المادة 9 من القانون على “يجوز محافظةً على النظام العام أن تمنع مطبوعات صادرة في الخارج من الدخول، والتداول في مصر، ويكون هذا المنع بقرار خاص من مجلس الوزراء”.
لا يقتصر الأمر على قوانين قديمة، إذ صدرت في السنوات الأخيرة، عدة تشريعات تعوق حرية التعبير والنشر، منها قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 180 لسنة 2018.
ويعطي القانون للمجلس الأعلى، وللاعتبارات التي يقتضيها الأمن القومي، أن يمنع مطبوعات أو صحفا أو مواد إعلامية أو إعلانية، صدرت أو جرى بثها من الخارج من الدخول إلى مصر أو التداول أو العرض.
كما يمنح القانون سلطة كبيرة للمجلس الأعلى؛ لمنع تداول المعلومات؛ باستخدام مصطلحات غير منضبطة مثل “النظام العام” و “الآداب العامة” واعتبارات الأمن القومي “و” التعرض للأديان “وتكدير السلم العام.”
توصيات
تشير الورقة الحقوقة التي أصدرها مركز دام إلى وجود بوادر إيجابية، وخطوات جادة لإصدار قانون حرية تداول المعلومات، ولكن المسودات الرسمية يشوبها بعض المواد التي قد تضر بأهداف القانون.
وتشدد الورقة التي كتبها الباحث ماريو ميخائيل على أن قانون حرية تداول المعلومات يستلزم بيئة سياسية، وإدارية مناسبة، تساعد على تطبيق القانون بفاعلية وتوفير المحيط السياسي المشجع على حرية تداول المعلومات.
إضافة إلى مواجهة مشكلات البنية التشريعية، والإدارية التي تضيق مساحة حرية تداول المعلومات بشكل عام، لذا من الضروري الاسترشاد بمبادئ حقوق الإنسان بالدرجة الأولى عند صياغة، وتشريع قانون حرية تداول المعلومات.
وضمن توصيات الورقة أيضا، أن يحتوي القانون على استثناءات لحماية الأمن القومي، ولكن يجب على المشرع ضبط، وتعريف مصطلح الأمن القومي في أضيق الحدود، وتحديد بوضوح الحالات أو المعلومات التي يعد الإفصاح عنها خطرا على الأمن القومي.
ومن أجل نقاش مجتمعي قبل إصدار القانون، يجب طرح قانون حرية تداول المعلومات، ومواده للرأي العام، وإشراك المواطنين ومنظمات المجتمع المدني، والصحفيين وجميع الأطراف التي قد يكون لها علاقة بالقانون في مناقشته.
وضمن خطوات تتعلق بالإمكانيات والأدوات، يجب الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة؛ لطرح المعلومات والوثائق العامة بشكل دوري على موقع إلكتروني، لتكون البيانات المفتوحة مكملة لقانون حرية تداول المعلومات.
هذا بجانب مراجعة جميع المواد في التشريعات المصرية التي تضييق على حرية تداول المعلومات، وتحديد المصطلحات المطاطة بها، أو إلغائها إن لزم ذلك، والتوقف عن الممارسات التي تعوق وصول المواطنين للمعلومات، وعلى رأسها حجب المواقع الإلكترونية، والتي تشتبك مع القضايا الحقوقية والصحفية والسياسية المختلفة.
مع رفع كفاءة البيروقراطيات المركزية، والإدارات المحلية؛ لتجهيز المؤسسات للتعامل مع التحديات المترتبة على تطبيق قانون حرية تداول المعلومات، ذلك مع تدريب الموظفين على توفير المعلومات بشكل وافي وسريع لمقدمي الطلبات.